الملف السياسي

استقرار ودوران الأيدي العاملة في السلطنة

07 مايو 2018
07 مايو 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

الجهات المعنية في السلطنة تعمل جاهدة على استقرار العامل العماني والتقليل من معدل دوران العمل في المؤسسات والشركات، ذلك لأن ارتفاع معدل دوران العمل يعني أن هناك حالة خروج ودخول واسعة من وإلى المؤسسات، وبالتالي فإن نسبة المعينين الجدد إلى إجمالي عدد أفراد القوى العاملة ستكون مرتفعة،

يبدو أن معضلة تشغيل 25 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الخاص خلال فترة محددة من الزمن لم تكن عسيرة لدى وزارة القوى العاملة التي حرصت منذ البداية على القيام بهذه المسؤولية الوطنية في إطار التوجيهات السامية لجلالته - حفظه الله ورعاه- وقرار مجلس الوزراء الموقر في هذا الجانب. ولم يكن القطاع الخاص في وضع سلبي ليرفض تشغيل أبناء الوطن في التخصصات المطلوبة في إطار القرارات التي تعلنها الوزارة المعنية عن نسب التعمين في كل قطاع. ويتحقق هذا الأمر استمرارا للجهود المبذولة من كافة الجهات الحكومية والخاصة بتوفير فرص عمل للباحثين العمانيين عن عمل التي تتزايد أعدادهم عاما بعد عام.

وقد أعلنت وزارة القوى العاملة مؤخرا عن تجاوزها تشغيل العدد المطلوب من العمانيين بحيث بلغ 26103 مواطنين ومواطنة مع نهاية شهر إبريل الماضي بمختلف مؤسسات القطاع الخاص وفي مختلف المحافظات العمانية. وقد بلغ عدد الذكور الذين تم تعيينهم خلال الأشهر الأربعة الماضية 17656 باحثا عن عمل ، مقابل 8447 باحثة عن عمل. ووفقا للبيانات المنشورة فإن معظم الذين تم تعيينهم هم من حملة الدبلوم وأقل من دبلوم التعليم العام بواقع 12524 باحثا، يليهم حملة دبلوم التعليم العام بعدد 8965 باحثا، فيما بلغ عدد المعينين من حملة المؤهلات (الدبلوم الجامعي والجامعي) 4614 مواطنا ومواطنة. كما توضح البيانات أن معظم هؤلاء الباحثين عن عمل تم تعيينهم في قطاع الإنشاءات والتشييد بواقع 32.5% من الإجمالي ، يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 14.6%، بالإضافة إلى 13.5% في قطاع الصناعات التحويلية، باعتبار أن تلك القطاعات السابقة تحظى دائما بتشغيل العمانيين بها تدريجيا منذ العقود الأربعة الماضية. ورغم تلك المساعي، فإن الكثير من العمانيين الباحثين عن عمل ما زالوا يفضلون العمل في المؤسسات والهيئات الحكومية وفي قطاعات اقتصادية معينة ومرموقة كالمصارف وشركات النفط والغاز والتأمين وغيرها نتيجة للمزايا التي توفرها تلك القطاعات للعاملين فيها .

ونظرا للمسؤولية التي تقع على عاتق وزارة القوى العاملة في تشغيل العمانيين، فإن هذه الوزارة لم تتوقف يوما عن متابعة هذا الأمر، وهي - بلا شك- مستمرة في جهودها لتوفير فرص العمل للباحثين، وتقوم بين فترة وأخرى بنشر أسماء الباحثين عن العمل وتقوم باستدعائهم لإجراء مقابلات التشغيل المطلوبة مع الشركات والمؤسسات المعنية، من أجل تسريع عملية توظيف المواطنين العمانيين مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية.

وبالرغم من الجهود المبذولة في إطار هذه المسؤولية، إلا أن ما يعكر صفو بيئة العمل في القطاع الخاص هو عدم استقرار العاملين، والدوران الكبير للعامل العماني. ووفق بيانات التقرير السنوي لوزارة القوى العاملة لعام 2016 فإن عدد القوى العاملة الوطنية والتاركة لوظائفها في القطاع الخاص بلغ في ذلك العام 56036 عاملا مواطنا ومواطنة، منهم 37683 عاملا وبنسبة 67.2% استقالوا من وظائفهم، بحيث بلغت نسبة الذكور منهم 70.4% فيما بلغت نسبة الإناث 29.6%. أما الذين أنهيت خدماتهم في مؤسسات القطاع الخاص في عام 2016 فقد بلغ عددهم 18363 عاملا مواطنا ومواطنة وبنسبة 32.8% منهم 80.5% من الذكور و19.5% من الإناث. واحتلت محافظة مسقط المرتبة الأولى من حيث الاستقالة أو إنهاء الخدمات بواقع 30.9% تلتها محافظة شمال الباطنة بنسبة 19.8% ثم محافظة الداخلية بنسبة 11.7% ثم محافظة جنوب الباطنة بنسبة 10.7% ثم محافظتي جنوب وشمال الشرقية بنسبة 14% واخيرا باقي المحافظات بنسبة 12.9%.

ومن خلال تلك البيانات يتضح بأن حملة الدبلوم (أعلى من دبلوم التعليم العام) هم أقل فئة من المستقيلين في المؤسسات، حيث بلغت نسبتهم في عام 2016 نحو 4.5% يليهم فئة الجامعيين بنسبة 7.4% ثم حملة مستوى التعليم العام بنسبة 34.7%، فيما يأتي حملة (أقل من دبلوم التعليم العام) في المرتبة الأولى الذين يستقيلون من وظائفهم وبنسبة 53.4% من الإجمالي. كما أن أكبر فئة عمرية مستقيلة من العمل في عام 2016 تتراوح أعمارها ما بين 25 إلى 39 سنة وهي فئة شبابية في قمة العمل والعطاء حيث بلغت نسبتها 54.9% تليها الفئات العمرية الأخرى.

وكما هو معروف فإن الدوران الوظيفي أو ما يعرف بدوران العمل Employee Turnover هو حركة الموظفين والعاملين في المؤسسة خلال فترة زمنية معينة، سواء بإرادتهم أو بفصل أو نقل من قبل المؤسسة نفسها أو لأسباب قهرية مثل حالات الوفاة أو التقاعد بقوة القانون، أو غيرها من الأسباب الأخرى كدخول موظفين أو معينين جدد. وهناك فرق بين المصطلحين الدوران الوظيفي والتسرب الوظيفي بحيث لا يختلط الأمر على القراء. فكلاهما يعني انتقال للموظفين إلى خارج المؤسسة لكن الاختلاف بينهما يكمن في أن الدوران الوظيفي يشمل حركات انتقال الموظفين من وإلى المؤسسة، أما التسرب فيقتصر على الانتقال من المنظمة إلى خارجها. ويشير معدل دوران العمل أي نسبة دخول وخروج العمال من وإلى أحد الأقسام أو الإدارات إلى متوسط عدد العمال، أنه إذا كان معدل دوران العمل على سبيل المثال 12% فإن هذا معناه أن هناك احتمالا لأن يترك 12 عاملا من كل 100 عامل متاحين للعمل بمعدل ترك الخدمة. وقد تحدث العديد من أرباب العمل خلال السنوات الماضية بأن سوق العمل في السلطنة يعاني من كثرة عدم الاستقرار والدوران الوظيفي ووفق ما جاء هذا على لسان أحد المسؤولين أيضا. فهل يمكن اعتبار ظاهرة عدم الاستقرار والدوران الوظيفي سلبية وسببا أساسيا في زيادة عدد الباحثين عن عمل؟ ولكن قبل ذلك يجب أن نعرف بأن الدوران الوظيفي أمر طبيعي في وضعية سوق العمل في السلطنة المتغيّر والذي يفتقد بعضا من العناصر التي من شأنها توفير البيئة المناسبة للعماني للاستقرار في عمله. فهذا الأمر يحتاج إلى ضرورة قيام الشركات والمؤسسات بوضع لوائح داخلية لديها لتنظيم العمل وموضحة فيها الأجور والمزايا والحوافز وبرامج التدريب والتطوّر الوظيفي، وغيرها من الأمور الأخرى التي تهم أرباب العمل والعامل والمؤسسة، وبحيث تكون هذه اللائحة معتمدة ومراقبة تنفيذها من قبل وزارة القوى العاملة. وهذا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى استقرار العامل في عمله.

وتشير أغلب الدراسات التي تمت في هذا الشأن إلى أن الأجر الشهري أو ما يحصل عليه العامل أو العاملة هو الدافع الأهم والأقوى في استقرار أسواق العمل بحيث تكون الأجور متوافقة مع الظروف المحيطة للعاملين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص، على أن يعرف العامل الحدود الدنيا للأجور. فالأجر يعتبر عاملا مهما لاستقرار العامل، بجانب وجود بيئة عمل نظيفة ومحفزة وتتسم بالاستقرار والديمومة. وعلى العاملين معرفة طبيعة عمل كل شخص سواء أكان إداريا أو فنيا، فلا يمكن أن يتساوى راتب عامل فني مع رجل إداري حتى وإن كان الاثنان حاصلين على مستوى دراسي واحد.

إن السوق العماني يشهد كل عام دخول ما بين 30 إلى 40 ألف خريج من مختلف المراحل التعليمية، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجية لمعرفة احتياجات السلطنة لكل عمل فني وإداري، وبالتالي العمل على تعليم وتدريب وتأهيل الكوادر العمانية وإحلالها تدريجيا محل الأيدي العاملة الوافدة التي تصل نسبتها اليوم حوالي 45% في السوق العماني.

إن الجهات المعنية في السلطنة تعمل جاهدة على استقرار العامل العماني والتقليل من معدل دوران العمل في المؤسسات والشركات، ذلك لأن ارتفاع معدل دوران العمل يعني أن هناك حالة خروج ودخول واسعة من وإلى المؤسسات، وبالتالي فإن نسبة المعينين الجدد إلى إجمالي عدد أفراد القوى العاملة ستكون مرتفعة، وهذا بدوره يعني أن درجة كفاءة قوة العمل فيها ستكون منخفضة نسبياً بسبب الحداثة ونقص الخبرة، مما يجعل المؤسسات عرضة إلى مواجهة حالات سلبية عديدة منها انخفاض الكفاءة الإنتاجية، وارتفاع عدد إصابات العمل، وارتفاع كمية التلف في المواد الأولية، بالإضافة إلى ارتفاع الأعطال والتوقفات في المعدات والآلات ، وزيادة تكاليف الصيانة وغيرها من الأمور السلبية الأخرى.