أفكار وآراء

المناطق الحرة رافد مهم للتنويع الاقتصادي

05 مايو 2018
05 مايو 2018

د. الطيب الصادق -

تتعدد مصادر التنويع الاقتصادي وتختلف لكن تبقى المناطق الاقتصادية الحرة من أهم هذه المصادر التي تساهم في إيجاد دخل إضافي من العملة الأجنبية بعيدا عن القطاع النفطي وتساهم أيضا في إنعاش إيرادات الموازنة العامة للدولة وفي الوقت ذاته تعد من المصادر الإنتاجية المستديمة التي تستوعب العديد من الأيدي العاملة وتساهم في زيادة الناتج الإجمالي المحلي للبلاد. الاهتمام بإنشاء المناطق الاقتصادية الحرة جعل السلطنة لا تعتمد على مورد واحد من الموارد الاقتصادية وخصوصا المورد الريعي وهو استخراج النفط بل إنها وضعت المناطق الاقتصادية الحرة ضمن الأولويات الاقتصادية وجعلتها من القطاعات المهمة التي يعتمد عليها برنامج التنويع الاقتصادي الذي يهدف إلى بناء اقتصاد مستدام، للأجيال الحالية والمستقبلية، بعيداً عن النفط وتشجيع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي للدخول في إنشاء المشروعات المختلفة باعتباره شريكاً رئيسياً في التنمية، كما أن التنويع الاقتصادي يعمل على التنمية المتوازنة إقليميا واجتماعيا والتي تعود بالفوائد على الجميع، فضلا أن المناطق الاقتصادية الحرة تساهم بشكل واضح في جذب وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية خصوصا أن هذه المناطق ترتبط ارتباطا وثيقا بالتوسع في حركة التجارة الدولية والنفاذ للأسواق الخارجية. المناطق الاقتصادية الحرة تطورت في جميع بلدان العالم من مناطق محدودة تقتصر على تجارة الترانزيت لتصبح مناطق متعددة الاستثمارات ويتم فيها مزاولة جميع الأنشطة والعمليات بداية من التصنيع والتخزين حتي التوزيع فضلا عن وجود الأنشطة الخدمية اللوجستية والصناعية، وهو ما جعل حكومة السلطنة تضع القطاع الصناعي نصب عينها وتتبنى برامج تطويرية وتوسعية للمناطق الحرة والموانئ والمطارات ومشاريع اكتشاف وإنتاج الغاز لأغراض الصناعة؛ باعتبار أن هذا القطاع أحد القطاعات الخمسة المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة 2016-2020، التي تعد همزة الوصل بين رؤية «عمان 2020» والرؤية المستقبلية «عمان 2040» التي يتم الإعداد لها حاليا، خصوصا أن المناطق الاقتصادية الحرة تعد سبيلا مهما لتعزيز برنامج التنويع الاقتصادي ونمطًا استثماريًا متميزًا يساهم في زيادة الصادرات، ويضاعف الناتج القومي، ويعمل على إيجاد فرص عمل جديدة نظرًا لما تتمتع به هذه المناطق من مزايا عديدة أهمها؛ الارتباط المباشر بالعالم الخارجي عبر أراضٍ مكتملة المرافق والبنية الأساسية تتميز بخصوصية التعامل داخلها من حيث النواحي الجمركية، والاستيرادية، والنقدية. تجربة السلطنة في مجال إنشاء وإدارة المناطق الحرة والمدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة من التجارب العالمية الناجحة رغم أنها حديثة مقارنة بالتجارب الإقليمية والدولية الأخرى، حيث بمجرد أن صدر قانون المناطق الحرة في السلطنة عام 2002 قامت الحكومة بشكل سيريع بالاهتمام بإنشاء المناطق الحرة وتفعيل دورها مما جعلها متميزة ومنافسة للعديد من الدول الأخرى خاصة المطلة على المحيط الهندي، وما جعل السلطنة تهتم بالمناطق الاقتصادية الحرة لما لها من دور كبير في تنشيط الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، خاصة الاستثمارات الأجنبية، وذلك لما تحويه من حوافز ومميزات خاصة أنها قريبة من الموانئ العمانية ويظهر بشكل واضح في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والمنطقة الحرة بصلالة، وميناء صحار، والمنطقة الحرة بصحار والمنطقة الحرة بالمزيونة، والمناطق الصناعية بالسلطنة، حيث تعد هذه المناطق من النماذج الجيدة التي كشفت عن نجاح رؤية واستراتيجية السلطنة في هذا المجال ولذلك قدمت الحكومة المحفزات المختلفة لجذب المستثمرين من مختلف دول العالم لتكون هذه المناطق إضافة حقيقية للاقتصاد لأنها تعمل على توظيف جميع مقدرات الدولة والمميزات التي تحظى بها السلطنة خاصة الموقع الجغرافي الفريد والاستقرار الأمني والسياسي والمناخ الاستثماري والتشريعي المحفز لجذب الاستثمارات وتشجيع رجال الأعمال كما أن الاستفادة الأخرى من المناطق الاقتصادية الحرة تكمن في مساهمتها في خلق فرص عمل مستدامة يستفيد منها الجميع خصوصا أن هذه المناطق ترتبط ارتباطا وثيقا بجميع القطاعات التي تركز عليها الخطة الخمسية الحالية فضلا أنها تفتح الباب أمام إقامة اتفاقيات تجارة حرة دولية تسمح بإيجاد شركاء من مختلف دول العالم يمكن الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم الدولية خصوصا في نقل التكنولوجيا الحديثة والعمل على توطينها وتشجيع المستثمرين المحليين على الاستفادة منها وابتكار أطر وأدوات جديدة في هذا المجال. بلا شك أن هناك تحديات تواجه السلطنة حاليا في ظل انخفاض أسعار النفط التي لم تصل بعد إلى ما كانت عليه قبل عام 2014 والتي ما زالت تعتبر موردا أساسيا للموازنة العامة وأدت إلى العجز الواضح في موارد الميزانية لكن الحكومة استطاعت أن تعالج هذا العجز من خلال الاقتراض أو فتح مجالات أخرى لزيادة الموارد وتعظيم الموارد الأخرى غير النفطية وعدم الاعتماد كليا علي النفط كمورد رئيسي مما جعل السلطنة تطلق حزمة من الإجراءات والمحفزات الاستثمارية في العديد من القطاعات للتغلب علي هذا التحدي .

وكان أهم هذه المحفزات التي أطلقتها للاستثمار في المناطق الاقتصادية الحرة الإعفاءات الضريبية، وتبسيط الإجراءات المرتبطة بالتراخيص والتصاريح، واستيراد جميع البضائع المسموح تداولها في الدولة، والإعفاء من شرط الحد الأدنى للاستثمار، وحرية استخدام العملات، وإعفاء الأرباح من ضريبة الدخل، وغيرها من الحوافز مما ساهم في تعافي الاقتصاد العماني في العام الماضي بشكل جزئي وجعله يسجل نموا مقبولا مع التوقعات بأن يزيد هذا النمو في الفترة المقبلة ولكن يرتبط ذلك بحركة التجارة العالمية وخاصة التجارة في المنطقة العربية وعدم تأثرها بما يحدث من صراعات بين القوى العظمى فيها مما يهدد حركة التجارة ليس لدول المنطقة فقط بل تتأثر به جميع دول العالم . ختاما يمكن القول إن المناطق الاقتصادية الحرة تشكل أحد المقومات الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد العُماني وتساهم في تعزيز التنمية والمهارات التكنولوجية ورافد مهم في برنامج التنويع الاقتصادي ولذك حصلت على اهتمام كبير من جانب حكومة السلطنة وستشهد هذه المناطق في العام الحالي (2018) تطورا نوعيا خاصة أن مؤتمر عُمان للمناطق الاقتصادية والحرة 2018، الذي عقد مؤخرا سلط الضوء على دور المناطق الاقتصادية والحرة والصناعية بالسلطنة في الترويج للفرص الاستثمارية وأبرز المشروعات التي تشهدها مع الكشف عن الإرادة الحقيقية لتطوير هذا القطاع وزيادة كفاءتها واستكمال خطط السلطنة فيه ومواكبة كل ما هو جديد وتفعيل دور هذه المناطق لتصبح قيمة مضافة للاقتصاد العُماني الذي بدأ ينمو بشكل أفضل بسبب السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الأعوام الماضية ومن المتوقع نموه بشكل أفضل قبل نهاية العام الجاري خاصة مع توفر جميع المتطلبات في ظل المناخ الاستثماري الداخلي الملائم وتوافر الأطر القانونية والتشريعية مع وجود إدارة جيدة وضمانات حقيقية تساهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية مع الخبرات التي تم الحصول عليها خلال الأعوام الماضية والتي كانت نتيجة حتمية بسبب العلاقات الدولية التي تم اكتسابها نتيجة للاتفاقيات وبروتوكولات التعاون التي تم إبرامها ومن المنتظر أن تجني السلطنة خلال هذا العام ثمار الجهود السابقة والقرارات التي ما زالت تعمل على تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل جيد مع مواجهة التحديات التي تظهر بين الحين والآخر، لكن مع الإرادة والعزيمة القوية و الإدارة الجيدة للموارد والعمل على تعظيمها وفق استراتيجية محددة ، يسهل تجاوز هذه التحديات للخروج من عنق الزجاجة والتي ترتكز على المناطق الاقتصادية الحرة بجانب القطاعات الأخرى للنهوض بالاقتصاد ونموه خلال الفترة المقبلة.