Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الأطفال يتلقون المأزق..

04 مايو 2018
04 مايو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يستلزم الأمر عند تقييم أي موقف سلوكي أن يوضع اعتبار لثقافة المجتمع، لأن السلوك؛ أي كان نوعه؛ هو خلاصة تجربة لأبناء المجتمع، ومن ثم تتوارث هذه التجربة، وتتناسل جيلا بعد جيل، مع التسليم بأن الأجيال تمحور مختلف هذه السلوكيات المتوارثة، فتضيف أو تسقط بعض الصور منها، بما يتناسب مع الظرف الحياتي، وبما يحدث من نتائج التأثير والتأثر طوال سنوات التجريب، وهذا على مستوى الفرد الواحد، وإن كان الحكم؛ يصدر عادة؛ على سلوكيات المجموع، إلا أن هناك خلخلة مستمرة يتقاذفها أبناء المجتمع فيما بينهم، ولذلك تحدث مجموعة التصادمات في توظيف مختلف السلوكيات، بين مؤيد لهذا النوع، ومعارض لآخر.

القصة هنا أكثر تتمحور على هذا الإنسان الـ«صغير» منذ البدايات الأولى للتشكل، مرورا بمرحلة الصبا، فالشباب، وانتهاء بمرحلة الرجولة، حيث تأخذ المسألة نسقا آخر، ليس هنا مجال الحديث عنها، ومجموعة المصادمات هنا في هذه المرحلة السنية، تحدث عادة عند نقطة الاتجاهين المتضادين، تجاه يذهب الى حيث المتوارث (إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مهتدون) - الزخرف (22) - وتجاه يذهب الى حيث الخروج عن هذا المألوف: سمه إبداعا، سمه تعبيرا عن حاضر، سمه قناعات جديدة، سمه ما شئت من المسميات، المهم هو خروج عن مألوف معتاد، لم يعد له مكانة معرفية في أجندة سلوكيات الجيل الحاضر، والحضور هنا مرتبط بزمن مكوثه، حيث يتحرر هذا الحضور كلما كسب زمنا آخر، وذلك لنضوج التجربة، وتلاقحها بتجارب آخرين هنا، أو هناك، خاصة اليوم في ظل السماوات المفتوحة، كما يحلو أن يقال.

هنا أسترشد أيضا بقول الدكتور موفق رياض مقدادي من كتابه: (البنى الحكائية في أدب الأطفال العربي الحديث) حيث يقول: «أتضح أن معظم المواد المقروءة والمسموعة والمرئية التي تقدم للأطفال خارج المدرسة وداخلها ترتبط بثقافة الذاكرة، لا بثقافة الإبداع، فهي حقائق سردية تقريرية، وقضايا مسلم بصحتها، وهي تقييد لفكر الطفل القارئ والمستمع والمشاهد، وهي خزائن مملوءة بالحقائق، والمعلومات، والمفاهيم، وبها ما يوحي بالسيطرة والاستبداد بالأوامر والنواهي، وهي تخلع القدسية والخضوع لبعض الأفكار والأشخاص، وبها خبرات غير مباشرة منفصلة عن البيئة، وعن الوظيفة، كما أنها لا تحقق حوارا مع الطفل، وهي مادة تخلو من التعليل والتفسير والموازنة، وإعمال الفكر، وفيها إهمال للبحث عن العلاقات بين القضايا، وبعد عن استخدام الخيال» - انتهى النص -.

ولعلنا لا نذهب بعيدا، انعكاسا لوجهة النظر هذه التي يراها (مقدادي) حيث نعيش في واقعنا تفاصيل الحكاية كلها، وهي أن العلاقة بين الطفل ومن حوله قائمة على مجموعة من الأوامر والنواهي، دون إعطاء فرصة لهذا الطفل لأن يعبر عن ذاته، وإن كان هناك استثناء في بعض الحالات، إلا أن الصورة الغالبة هي هذه، على اعتبار أن هذه الطفل لا يعي، ما يقوله، وما يفعله، وهذه إشكالية موضوعية في هذه العلاقة الشائكة، ومن هنا تتناسخ التجربة التربوية، وتظل على ديمومتها في مجتمعاتنا التي نعيش فيها، لأن هذا الإنسان الصغير، لا يزال يعيش تحت الوصاية الأبوية، وحتى بعد أن يبلغ من العمر عتيا، فلا يزال مسكون بهذه الوصاية، ومن ثم ينتقل سلوك الوصاية الى ممارسته هو مع أطفاله، ولا يعتريه أي خجل عندما يردد على مسامح أطفاله: «نحن هكذا تربينا» أو «هكذا تعلمنا من آبائنا» وهلم جرا.

هذه الثقافة المؤسسة على هذا المنهج، تظل «متسرطنه» بعد ذلك، حيث تتوحش، وتغرز مخالبها على جسد كل العلاقات القائمة بين الأفراد، في أحضان المجتمع، وفي المؤسسة التعليمية، وفي المؤسسة الوظيفية بعد ذلك، وهي الأخطر، وخطورتها أنها متعلقة بمصالح الناس، وليست متكورة على صاحبها فقط.

والسؤال الذي اختم به: هل من مخرج؟ من وجهة نظر شخصية؛ أرى هذا المخرج صعبا للغاية، لعدم وجود حاضنة اجتماعية لإعادة إنتاج مغايرة، لما أكل عليه الدهر وشرب، وأتمنى أن تكون هناك وجهة نظر مخالفة، لما أراه.