1322849
1322849
إشراقات

الخوالدي: شهادة الزور ليست من صفات عباد الرحمن وهم أبعد ما يكونون عن الكذب

03 مايو 2018
03 مايو 2018

كل شهادة تتعلق بإحقاق باطل أو بإبطال حق -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

دعا فضيلة الشيخ الداعية خالد بن سالم الخوالدي المسلمين الى الحرص على الاتصاف بصفات عباد الرحمن وعلى إيجادها في حياتنا من خلال مراجعة كل منا نفسه ويقيّم كل منا سلوكه وليسعى سعيا حثيثا لتحقيق هذه الأمور في واقع حياته ويجاهد نفسه ويكافح تقصيره حتى يحقق هذه المراشد، ويصل إلى هذه المراتب.

وأكد أن الوصول إلى هذه الدرجات لا يكون بأماني وإنما يكون بعمل وكفاح وجهد وصبر وتحمل فتكون نتيجة الصبر الوصول إلى هذه الغايات ونيل تلك الدرجات التي أعدها لهم الله تعالى في جناته جنات النعيم.. وإلى ما جاء في الجزء الثاني والأخير من محاضرة فضيلته (عباد الرحمن).

يقول فضيلته: من صفات عباد الرحمن كما ذكرها الله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) عباد الرحمن أبعد ما يكونوا عن الكذب فهم لا يشهدون شهادة الزور، وشهادة الزور كل شهادة باطلة ليست حقا، سواء كانت تتعلق بإحقاق باطل أو تتعلق بإبطال حق. وهي تشمل أمورا عديدة.

ويوضح: بعض الناس يشهدون شهادة الزور -فقط- عندما يستدعى في المحكمة حتى يشهد، فيشهد بالباطل لمصلحة المدعي أو لمصلحة المدعى عليه، يدعوه أحد المتخاصمين بشهادة، ويمكن أن يعطيه مبلغا من المال ليشهد أو يمنيه بشيء أو يوعده بشيء فيقسم بالله أنه لمن الصادقين وهو من الكاذبين، هذه شهادة زور بلا شك، لكن أي شهادة يشهد بها الإنسان لشخص ليحق به باطلا أو يبطل به حقا هي شهادة زور.

ويضيف: فمثلا الشخص المسؤول في وظيفته حينما يطلب منه مثلا تقديم تقرير الأداء الوظيفي لمرؤوسيه، وعلى تقرير هذا الأداء الوظيفي ستترتب لهم أحوال من ناحية الترقيات أو المكافآت أو إلى ما إلى ذلك، فيشهد لذلك الشخص بالاستحقاق وذلك الشخص ليس مستحقا أو يشهد له بعدم الاستحقاق وهو مستحق، هذه شهادة زور، بها يحرم الإنسان المستحق من حق، أو يجلب لغير المستحق حقا غير مستحق له في الأصل، هذه شهادة زور.

كذلك إذا جاءك شخص يستشيرك في شخص لأمر معين كزواج مثلا، فأنت شاهد والذي تقوله عن ذلك الشخص أما أن تكون شهادة حق أو شهادة زور، فإن كان الولد منحرفا، وقمت أنت وشهدت له أنه من الصوامين المصلين والراكعين الساجدين وهو لا يسجد لله سجدة، كل ذلك لأنه جاره أو أحد أهله، لا شك أن شهادته شهادة زور.

أو العكس أن كان هناك شاب حسن الأخلاق مستور الحال في دينه ولكنه يصفه بأقبح الصفات ويجعله أشر الناس حتى لا يزوج نكاية به لأنه قد ضربه سابقا أو هناك خلاف بينه وبين أهله أو أي شيء من هذا القبيل، فيكيل له الإساءة وهذا الرجل غير متصف بإساءة وهي شهادة زور، والأصل ان يكون الرجل عادلا (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) لا تجعل الذي بينك وبين الناس سبب ظلمه، والنيل منه فهذه مما لا يتصف به عباد الرحمن.

مروا كراما

ومن صفاتهم أيضا المذكورة (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) اللغو هو القبيح من القول أو الفعل أو السلوك، والمعنى أن من صفات عباد الرحمن أنهم يصونون أنفسهم ويحفظون كرامتهم فلا يقبل الواحد منهم أن يهين نفسه وأن ينساق مع أهل اللغو والفساد القولي أو الفعلي في شيء من لغوهم بل يكون صائنا لكرامته (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) ولاحظوا أنهم بعيدون كل البعد عن أمر اللغو ومجالس اللغو، والمعازف والفسوق والفجور هذه كلها مجالس أو أحوال هم بعيدون أتم البعد عنها، لكن لو حصل انهم مروا بهذا اللغو اقتربوا لظرف من الظروف صادفوا لظرف من الظروف هذه الأفعال المشينة أو الأقوال المشينة أو الأحوال المشينة فإنهم يمرون كراما لا يدنسون كرامتهم بها ولا يلطخون أنفسهم بالمشاركة فيها.

ويشير قائلا: فعبد الرحمن شخص راق في أحواله يحفظ كرامة نفسه يجعل لنفسه قيمة يجعل لها قدرا يعلم بأنه متصف بصفة العبودية للرحمن وهذه الصفة لا بد أن يكرمها وأن يحفظها وأن يعرف قيمتها، ليس له أن ينزل من قدرها لأن تكون محلا للإسفاف أو الجهالة أو العبث أو الأمور الشائنة.

متفتحة أبصارهم

ومن صفاتهم (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) عباد الرحمن أهل أبصار متفتحة وأهل قلوب واعية فليسوا من الذين يكونون صما عميا لا يبصرون ولا يسمعون ولا يعقلون إذا ما ذكروا بآيات الله بل يتقبلون آيات الله ويتفاعلون معها ويتأثروا بها، وآيات الله سواء كانت كونية أو آيات تنزلية.

الآيات التنزيلية ما أنزلها الله في كتابه، يسمع آيات الله تنهاه فيتفاعل معها بالارتداع ويسمع آيات الله تأمره فيتفاعل معها بالاتباع يسمع آيات الله تدعوه ليتفكر فيتفكر، تدعوه إلى الخوف فيخاف، تدعوه إلى الرجاء فيرجو، هكذا يتفاعل مع آيات الله التنزيلية التي هي القرآن. أو آيات الله الكونية الآيات التي يبثها الله تعالى في الكون من أحوال ووقائع هذه كلها فيها عظات فيها تذكير من الله تعالى للعباد، الموت مثلا هو مذكر من المذكرات هو واعظ صامت كما يقال، فعباد الرحمن لا يتعاملون مع هذه الآيات تعاملا واجما باردا بل يتعاملون معها تعامل الشخص المتأثر، يتعظ بها ويعتبر لا يجعل نفسه ناءٍ عنها، يفكر. فقد يكون هذا الميت هو، فما الذي يضمن له ألا يختطفه الموت رغم مخططاته ومشاريعه.

هكذا أيضا ما يحصل من فيضانات وأعاصير وبراكين وزلازل وصواعق هذه كلها تبدل الأحوال من فقر إلى غنى ومن عزة إلى ذلة ومن أمن إلى خوف هذه الأشياء التي يراها الإنسان مبثوثة في الكون يتأمل فيها وينظر في معانيها ويتدبر في أسبابها وتصيبه الخشية من أن يصطلي بها، هكذا يتعامل عباد الرحمن مع آيات الله.

من صفاتهم أنهم حاضرو الذهن، أصفياء الروح دقيقو الملاحظة فيهم رقة قلب، وفيهم حضور ذهن، وفيهم سعة تأمل لهذه الأمور.

يحبون الخير

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) من صفتهم إنهم يحبون الخير لمن يتصل بهم كما يحبون الخير لأنفسهم، لا تكون الأنانية صفة من صفات عباد الرحمن بل صفة عباد الرحمن أنهم يكونون محبين للخير لمن يتصل بهم فهم يدعون الله ويبتهلون إليه أن يجعل لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين، أي أن تقر بهم أعينهم في هذه الدنيا، فمتى تقر أعينهم بهم؟ حينما يكونون على نفس طريق عباد الرحمن ولازم هذا الأمر انهم يعملون على تحقيق ذلك، لا يكون لهم إهمال لأبنائهم ولأزواجهم وتضييع لهم لا يأمرونهم بمعروف ولا ينهونهم عن منكر ولا يحرص الواحد منهم على أن يكون ابنه معه على درب الطاعة، بل يكون كل منهم حريصا أشد الحرص على أن يكون ابنه معه على درب الطاعة حتى تقر به عينه ويجد الراحة ويجد الأجر في ذلك وهو يعمل على ذلك أيضا بكل وسيلة بالنصح والإرشاد والتوجيه وتهيئة الأسباب المعينة على ذلك هم أناس يحبون الخير لغيرهم من الناس لمن يتصل بهم من أهلهم ولمن يتصل بهم من الناس (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) هذا دعاؤهم هم أيضا يحبون أن يكونوا مصدر خير وإرشاد وأساس بر، ينتفع الناس بهم يستمعون اليهم يتأثرون بأعمالهم يقتدون بهم حتى يسيروا على درب عباد الرحمن، هذا الذي يحبونه، وهم يسألون الله تعالى تحقق ذلك ويعملون له.

فعباد الرحمن ليس من صفاتهم الأنانية في طاعاتهم وعبادته بل من صفاتهم أنهم يحبون أن يسود هذا الخير وهذا الاتصاف بهذه الصفات النبيلة كل من يتصل بهم (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) حتى تعلم بأن الوصول إلى هذه الدرجات لا يكون بأماني وإنما يكون بعمل وكفاح وجهد وصبر وتحمل لأنهم صبروا وصلوا إلى هذه الغايات ولأنهم صبروا نالوا تلك الدرجات (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) فما أجل هذه الصفات وما أرفع هذه الغايات وما أحلى هذه الخصال التي يتصف بها هؤلاء العباد.

ووجه فضيلته نداء: يا عباد الرحمن ويا أهل عباد الرحمن لنحرص على أن نتصف بصفات عباد الرحمن لنحرص على إيجادها في حياتنا ليراجع كل منا نفسه ليقيم كل منا سلوكه ليسعى كل منا سعيا حثيثا لتحقيق هذه الأمور في واقع حياته ويجاهد نفسه ويكافح تقصيره حتى يحقق هذه المراشد ويصل إلى هذه المراتب.