1321337
1321337
إشراقات

«شـعبـان» .. بـوابـة الشـهـر الفضـيـل .. ونـافـذة النـفـحـات الرمضـانيـة «2»

03 مايو 2018
03 مايو 2018

أبرز الأحداث في شعبان -

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

فريضتا الصلاة والصيام تشكلان معا محورا أساسيا في علاقة الإنسان بربه، وتزداد هذه العلاقة، ومن هنا تتجلى فلسفة التدين والتشبع بالروحانيات والنفحات في شهر الخيرات والبركات، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم في شهر شعبان استعدادا لشهر رمضان، طاعة لله وحده لا شريك له، وتربية لأمته حتى تتعود على استقبال شهر رمضان المبارك استقبالا روحانيا نفسيا أكثر منه بدنيا، حيث النفس التي اشتغلت بالدنيا طوال 11 شهرا من الزمن، ها هي في شهر رمضان تمسك عن الطعام والشراب والجماع وجميع المفطرات في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما، يربي الإنسان نفسه على الطاعة والتحمل والصبر والمشقة ويتذوق مرارة الحرمان وقسوة الجوع، ويتلذذ بنعمة التقرب إلى الله ومناجاته في ليله ونهاره، ويشعر بأنه يرقى إلى مصاف الملائكة الكرام الذين يعبدون الله ولا يفترون ويمتثلون لأمر الله ولا يعصون، ففي هذا الشعور إحساس بالارتقاء، وإيحاء بالانتماء، وفرصة للارتواء».

لا شك أن أكبر حدث، حدث في شهر شعبان هو التحول الدراماتيكي في اتجاه القبلة، حيث كان المسلمون يتجهون في صلاتهم منذ حادثة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة إلى البيت المقدس بنص الآية الكريمة التي حكت ذلك، ولا ندري سبب التحول الحقيقي من وراء هذا التحول، لكن الآيات تبين أن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كان يرغب في تحويل القبلة؛ لأن اليهود آنذاك كانوا يتجهون في صلواتهم إلى بيت المقدس، وحتى لا يكون الاتجاه نفسه أراد النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذه الدعوة أن تتغير الوجهة لئلا يبقى اليهود على مدى الأزمان يتفاخرون بأنهم الأولى بذلك، وأنهم كانوا قادة للمسلمين في كل أحوالهم، فاستجاب الله عز وجل لدعوته الكريمة وولاه قبلة مستقلة أخرى مغايرة ومخالفة لقبلة اليهود بل وفي الاتجاه المعاكس تماما، وفي ذلك تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام وترغيب له في أن تكون هذه الأمة أمة واحدة ومستقلة في فرائضها وقبلتها ومعاملاتها وأخلاقها، ولتكون خير أمة أخرجت للناس.

ورجوعا إلى الآيات الكريمة نرى التسلسل الذي تحدث عن هذه المناسبة والذكرى الجليلة، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم، إن الله بالناس لرؤوف رحيم، قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون، ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض، ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين، الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير، ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون، ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون).

لو تأملنا في هذه الآيات لتبين كيف أن الصلاة فُرضت أولا إلى بيت المقدس ثم تحولت في هذا الشهر الكريم الذي نحن نعيش أجواءه إلى بيت الله الحرام، أمرًا من عند الله عز وجل بعد أن تعرض المسلمون إلى مضايقات من اليهود، ولم يسلموا حتى بعد تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام، فقد بقي اليهود يسخرون من المؤمنين وشككوا في عقيدتهم التي لا استقرار فيها حسب زعمهم المعهود، ولكن المولى عز وجل أنزل فيهم آيات تتلى وبين أنه هو الوحيد القادر على أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء في أي مكان شاء، وبالتالي فهؤلاء الذين يسخرون من حكم الله سواء من اليهود أو من المشركين أو حتى من الذين أسلموا بداية وشككوا في عقيدة الإسلام بعد تحويل القبلة سيشهد عليهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا، ولا شك أن هذا التحول الذي حدث في القبلة ثقُل على بعض المسلمين الذين لم يكونوا يتوقعون الحدث والذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وبعد أن هيأ الله سبحانه وتعالى المسلمين للقبلة الجديدة ورسخ الإيمان في قلوبهم أمرهم بفريضة الصيام التي حظي بها الشهر الذي بعد شعبان وهو رمضان بنص الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدة ولتكبروا على ما هداكم ولعلكم تشكرون).

لذلك كان شعبان هو الشهر الأقرب لرمضان حيث تكتمل الفريضتان فريضة الصلاة وفريضة الصيام لتشكلا معا محورا أساسيا في علاقة الإنسان بربه، وتزداد هذه العلاقة وتمتن حين يقف المسلم موقفا شجاعا ويتمسك بعقيدته الصلبة الصافية النقية التي لا تشوبها شائبة، ومن هنا تتجلى حكمة التدين والتشبع بالروحانيات والنفحات في شهر الخيرات والبركات، حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما يصوم في شهر شعبان استعدادا لشهر رمضان، طاعة لله وحده لا شريك له، وتربية لأمته حتى تتعود على استقبال شهر رمضان المبارك وما يحمله من مفاجآت كثيرة ومتعددة ومتنوعة استقبالا روحانيا نفسيا أكثر منه بدنيا، حيث النفس التي اشتغلت بالدنيا طوال 11 شهرا من الزمن ها هي في شهر رمضان تمسك عن الطعام والشراب والجماع وجميع المفطرات في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما متتالية لا أقل من ذلك ولا أكثر، هي أيام معدودات كما قال المولى عز وجل، يربي الإنسان نفسه على الطاعة والتحمل والصبر والمشقة ويتذوق مرارة الحرمان وقسوة الجوع، ويتلذذ بنعمة التقرب إلى الله ومناجاته في ليله ونهاره، ويشعر بأنه يرقى إلى مصاف الملائكة الكرام الذين يعبدون الله ولا يفترون ويمتثلون لأمر الله ولا يعصون، ففي هذا الشعور إحساس بالارتقاء، وإيحاء بالانتماء، وفرصة للارتواء.

وكل الناس يعلمون التوجيهات النبوية التربوية التي صاحبت تشريع كل العبادات مع جهلهم ببعض الفروقات التي يرجعون فيها إلى العلماء والفقهاء لتوضيحها وتبيينها، ولكنهم في الوقت نفسه يقعون في الأخطاء نفسها كل عام، عندما يحين وقت الصيام، وحينما يقترب شهر شعبان من الانتهاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الصيام والقيام وقراءة القرآن والتصدق على الفقراء والمساكين بكل أنواع القربات سرا وجهرا مخلصين لله وحده لا شريك له ويحذرهم من الإفراط والتفريط أو الإسراف والتبذير والتقتير، والرياء والسمعة والأنانية وغيرها من الصفات التي لا تليق بشهر رمضان حيث التواصل المباشر مع الله سبحانه وتعالى من غير حجاب ولا واسطة، حيث قال «ادعوني أستجب لكم» فهذه هي حلقة الوصل مع عالم الغيب ونحن في عالم الشهادة، ترابط وتكامل واعتصام بحبل الله المتين.

ولكن الذي يحدث في عالمنا الإسلامي اليوم يدعو إلى الحيرة والقلق؛ لأن الناس بدأوا يبتعدون عن السنن النبوية وأصبحوا يستسلمون لطبائعهم وأهوائهم أكثر من استسلامهم لأوامر دينهم، فلا يبالي المسلم أن يصوم ويصلي وفي الوقت نفسه يأتي الفواحش وما نهى الله ورسوله عنه، من ذلك مثلا الدخان الذي حرمه الله عز وجل وبين خبثه وضرره على الجسم والمال ولكن أكثر المدخنين لا يبالون، ونجد من يرتكب بعض المحرمات في نهار رمضان كالفجور والفسوق والعصيان والكذب والاحتيال والغيبة والنميمة والحسد وكلها مفطرات تفسد أو تبطل الصيام لا سيما إذا أصر عليها ولم يتب منها ابتغاء مرضاة الله تعالى، كل ذلك يحدث في رمضان وغيره من الشهور رغم التنبيهات المتكررة والدعوات الملحة لتغيير النفس في رمضان وإصلاحها إلا أن المُشاهد هو عزوف الناس عن العبادة حتى في شهر رمضان، فيقبلون في أوله على المساجد وقراءة القرآن وغيرها من أنواع النوافل والقربات ويعزفون عنها في آخر الشهر، بل تفتر عزائمهم ويقل عطاؤهم وتتحول أحوالهم من حال إلى حال.

دعوة أخرى وملحة لجميع المسلمين إلى الاستعداد الجيد لشهر الخير والبركات حيث استغلال الفرص المتاحة والاستنفار والتعبئة الروحية اللازمة لشق الطريق الطويل نحو الوصول إلى مرحلة من السكينة والطمأنينة التي تحدث عنها القرآن الكريم وشعور المؤمن بالأمن والأمان والسلم والسلام «أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» حينئذ يكون المؤمن في مأمن من التقلبات القلبية والنفسية الموجعة والمؤلمة ومأمن من السقوط.