666658
666658
الاقتصادية

عبد العزيز الكلباني: النـجـاح يُنسـيـك الإخفاقات السـابقـة والوصـول يكمـن في البـذل

03 مايو 2018
03 مايو 2018

مؤسس «أسرار العارض».. قصة نجاح -

حاورته – سُعاد بنت سيف الوهيبية -

عبد العزيز بن حمدان بن علي الكلباني صاحب مؤسسة «أسرار العارض» للتجارة، أول مصنع عماني لإنتاج الفحم من مخلفات الأخشاب. بدأ العمل في الثالث من مارس عام 2014م بعد أن كتم سر مهنته ما يقارب السنة والنصف سنة، ليتأكد من أن المشروع سار على النهج الذي خطط له، وأن المنتج الخام الذي سيقوم ببيعه في السوق يجب أن يكون ذا جودة عالية؛ ليستطيع الصمود أمام المنافسين الذين أثبتوا قدرتهم على التحكم بالسوق المحلي من فترة ليست بقليلة. التقينا بعبد العزيز وحدثنا بكل فخر عن إنجازه الذي أبى إلا أن يكون مصنعًا عمانيًا متكاملًا بكافة تفاصيله. وهنا يسرد لنا قصته مع «أسرار العارض».

الفكرة

وعن فكرة المشروع قال الكلباني: بدأت فكرة المشروع من خلال بحثي عن أقل المشاريع التجارية الموجودة في السوق المحلي، وتوجهت لهذا الغرض إلى دائرة المعلومات الصناعية بوزارة التجارة والصناعة؛ وتوصلت إلى نتيجة أن مصانع الفحم الموجودة في السلطنة لا تتجاوز المصنعين، وتستورد منتجاتها وآلاتها من الخارج؛ لذا قررت خوض تجربة إنشاء مصنع فحم عماني مبتكر، متخصص في صناعة وإنتاج الفحم من المخلفات الخشبية، لذا فأطلقت على المؤسسة التجارية اسم «أسرار العارض»، والعارض هي المنطقة التي ولدتُ فيها وتقع في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، أما كلمة «أسرار» فأدرجتها مع «العارض» للإشارة إلى أن الفكرة سيتم حجبها إلى أن يتم التأكد من فاعلية المصنع وجودة منتجاته.

وقال: في البداية قررت أن تكون مخلفات الأخشاب المرمية مثل أخشاب البناء والنجارة وغيرها هي المادة التي أعتمد عليها في تصنيع المنتجات؛ إذ أقوم بإعادة تدويرها من أجل تقليص نسبة المخلفات الخشبية للحفاظ على البيئة، على أن تكون الآلات المستخدمة داخل المصنع من ابتكاري الشخصي وتكون آلات صديقة للبيئة، تنقي الأدخنة الناتجة من عملية الحرق من خلال الفلترة؛ لإنتاج أنواع مختلفة من الفحم ذي جودة عالية؛ لأن الآلات التي فكرت في استيرادها من الخارج كانت مكلفة جدًا، والمشروع لم يتلق الدعم المادي؛ فوجدتها فرصة ثمينة أتحدى فيها قدراتي وشغفي في الابتكار عمومًا، والابتكار الصناعي خصوصًا منذ الصغر؛ ليكون بذلك مصنع «أسرار العارض»، مصنعًا مبتكرًا بتقنيات عمانية من الألف إلى الياء.

خبرة

وأضاف الكلباني: في الحقيقة كانت دراستي التي لم أتممها في إحدى الكليات بالسلطنة هو تخصص إدارة الأعمال، لكن الخبرة السابقة التي اكتسبتها من عملي في إحدى الشركات البحرينية في بداية تأسيسها، والبنك الأهلي، وإدارتي لمبانٍ وعقارات مختلفة، وزياراتي المتكررة للمصانع، والسعي وراء معرفة كل ما هو جديد في مجال الصناعة؛ هو ما سهل علي دراسة كافة تفاصيل المشروع المادية، وإعداد الجدوى الاقتصادية الخاصة به.

خطة

وأضاف قائلا: بعد أن قمت بالتخطيط للمشروع بدايةً من خطة العمل وليست انتهاءً بالرسومات الهندسية المتعلقة بالمبنى والآلات، واستعنت بمراجع مختلفة عن طريق البحث والتقصي لتكوين القدر الكافي من المعلومات التي سأحتاجها للمصنع، توجهت للجهات المعنية بمنح التراخيص المتعلقة بالمشروع المتمثلة في وزارة التجارة والصناعة ووزارة البيئة والشؤون المناخية، ومن هنا بدأت أولى تحديات المشروع.

عقبة

وعن العقبات التي واجهته قال: واجهت صعوبة في إقناع الجهات المعنية بمدى جدية وفعالية المشروع، ومدى إمكانية تطبيقه على أرض الواقع وفق الدراسة المعمول بها؛ لأن المصنع سيتم ابتكاره بالكامل من الصفر، إذ أن المبنى لابد أن يكون مبنىً مبتكرًا وصديقًا للبيئة، ويتم تصنيع جميع الآلات في السلطنة بطاقة إنتاجية عالية. ومن أجل الحصول على الترخيص الصناعي، استنفرت بعض الوقت من أجل ذلك؛ إذ أن الدائرة المعنية بمنح التراخيص الصناعية رفضت في البدء إعطائي الموافقة على المشروع، حتى أنهم أحالوني إلى أمين السجل الصناعي بالوزارة كونه متخصصا في الهندسة، ولديه المعرفة والكافية بكافة تفاصيل التصنيع؛ وذلك من أجل إثبات مدى معرفتي بأدق التفاصيل المتعلقة بالآلات، ولأن المصنع مبتكرٌ بالكامل، هو ما دفعهم للتخوف في منحي صلاحية إنشائه. كما أنهم كانوا حريصين لمعرفة نظام الأمن والسلامة المعمول به في المصنع، كونه يحتوي على مواد خطرة متمثلة في كمية الإنتاج العالية ودرجات الحرارة العالية جدًا.

وأضاف: وفي لقائي مع أمين السجل الصناعي وضحت له كامل الدراسة وشرحت له الرسومات الهندسية كاملةً، وبعد الجلسة المطولة لشرح كافة التفاصيل المتعلقة بالمشروع، تلقيت الموافقة المبدئية للبدء بالتشغيل التجريبي للمصنع، للتأكد من أن المشروع يعمل وفق الخطة الموضوعة له ؛ وإلا سيتم سحب الترخيص، مع العلم أنه أشار إلى عدم موافقة وزارة البيئة لهذا المشروع، لأنها عانت مسبقًا من الانبعاثات الكربونية الضارة التي تصدر من المصنعين الموجودين في السلطنة وتعملان في المجال نفسه، حتى وأن أحد هذين المصنعين أُغلِق، بسبب تلك الانبعاثات التي ما زال البحث جاريًا لإيجاد حلٍ لها.

وقال: توجهت لوزارة البيئة مباشرة لعرض مشروعي، وبالفعل أخبروني أن هذه المشكلة - الانبعاثات الكربونية - هي التي جعلتهم يقابلوني بالرفض في بادئ الأمر، لكنني مؤمن بالمشروع، وملم بكافة هذه التفاصيل، لذلك أخبرتهم عن التقنية التي سأستخدمها لحل هذه المشكلة عندما سألوني عن ذلك، وتلك التقنية متمثلة في التقطير والتكثيف المستخدمة في الجبل الأخضر لتقطير ماء الورد، بحيث إن الأدخنة المتصاعدة من عملية الحرق لا تتعدى الفلتر الذي سيقوم بتحويل الأدخنة إلى مادة سائلة وتقليل كثافتها بنسبة عالية جدًا، لتكون آمنة بيئيًا. وقدمت الرسومات الهندسية وتفاصيل المصنع كاملة لمدير دائرة الانبعاثات في وزارة البيئة، وأيضًا تلقيت منه الموافقة المبدئية للبدء بالتشغيل مع الإشارة إلى أن الوزارة ستقوم بمتابعة التنفيذ.

وتحدث قائلا: بعد أن حصلت على التراخيص، استأجرت موقعًا للبدء بالمشروع، إذ من الصعوبة بمكان أن تجد موقعًا لأرض ممنوحة من قبل الحكومة لمشروع يعطي كل الاحتمالات ـ إما النجاح وإما الفشل -، فهل من المتوقع أن تكون تلك الآلات تعمل وفق الطاقة الإنتاجية بناءً على الدراسة التي قدمتها للجهات المعنية ويكون لها جدوى اقتصادية، مقابل رأس المال الذي ستنفقه للمصنع؟ وهذه المسألة كانت تحديًا آخرا.

تجربة

وأوضح قائلا: بدأت العمل وفق الخطة والجدوى الاقتصادية للمشروع، وحددت مراحل الإنتاج، وبدأت بتجربة الآلات وضخ كميات من مخلفات الخشب، لقياس القدرة الاستيعابية لعمل الآلات، وكل ذلك كلفني الكثير من الوقت حتى ظهرت بالمنتج بعد سنة ونصف من التجارب التي تخللها العديد من الإخفاقات والكثير من التصليحات التي أدخلتها على الآلات؛ لتعمل بالمستوى المطلوب. كما قمت بتكوين فريق عمل مكون من 5 أشخاص، أعمل على تغيير مواقع عملهم بشكل دوري، وكنت أشرف بنفسي على أي عمل يحتاج إلى قياسات دقيقة، كما كنت أقوم بتركيب القطع الرئيسية بنفسي؛ ذلك كله من أجل الحفاظ على سرية المنتج والتقنية إلى حين التأكد من فعالية عملها.

وأضاف: استغرقت التجارب الأولية للتشغيل ما يقارب الـ6 أشهر، إذ واجهت الفشل كثيرًا في البدايات، فكانت المواد الخام إما أن تحترق بالكامل أو يحترق نصفها، حيث وصل عدد مرات فشلي إلى 7 محاولات، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ في المرة الأولى التي قررت فيها البدء بتشغيل الفرن، أدخلت فيه ما يقارب 10 أطنان من مخلفات الأخشاب وتركته لمدة يومين، وعدم معرفتي بالعوامل الأساسية للتشغيل والمتمثلة في توقيت ضخ الأكسجين عند درجة حرارة معينة، وتوقيت ضخ ثاني أكسيد الكربون؛ إذ تعتبر العوامل السابقة مهمة من أجل إنتاج فحم بجودة عالية، هو ما جعلني أفقد المحصول كاملا، وبعد عدة تجارب، استطعت التوصل إلى القياسات الدقيقة التي تساعد على إنتاج الفحم بجودة عالية دون أن يحترق، كما استطعنا التحكم بتقطيع الفحم على حسب طلب السوق.

المواد الخام

وأضاف قائلا: من ضمن المواد الخام التي قمت بتجربتها لإنتاج الفحم، مخلفات جوز الهند، ومخلفات النخيل، ومخلفات المناجر، ومخلفات البناء، والمخلفات الخشبية المرمية في المرادم، ولكل نوع من المخلفات السابقة ميزة خاصة به؛ فمثلًا لا نستخدم مخلفات البناء لإنتاج فحم الشواء أو الطبخ إذا كانت تحتوي على أصباغ أو مواد سائلة، بل نستخدمه لإنتاج فحم خاص بتوليد الكهرباء. وكل ذلك من أجل تقليص نسبة المخلفات الخشبية للحفاظ على البيئة.

محاولة

وتحدث قائلا: حاولت الحصول لاحقًا على براءة اختراع، لكن الأمر توقف بسبب عدد الآلات التي قمت بابتكارها والتي تتميز كل واحدة منهن بحجم وثقل مختلفين، ومن بين تلك الآلات المدخنة التي صنعتها من خلال إعادة تدوير أنابيب مستخدمة من قبل شركات النفط، يصل ارتفاعها إلى 16 مترا مثبتة بخرسانة اسمنتية لمسافة تصل إلى 3 أمتار تحت الأرض، إذ قمت بتركيب 4 قطع من الأنابيب وأضفت لها منبه يشتغل بالطاقة الشمسية، لتقوم بتصفية الأدخنة المتصاعدة.

وأضاف: كما ابتكرت عدد 2 من الأفران المتنقلة التي يمكنها استيعاب ما يقارب الـ10 أطنان من مخلفات الأخشاب دون الاعتماد على عملية الحرق، بل بالاعتماد على عوامل دقيقة مثل درجات حرارة معينة وتوقيت مناسب لضخ الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، وقطعة خشب، لينتج لديك فحم بجودة عالية.

نجاح

وتحدث عن النجاح قائلا: بعد النجاح الذي حققه المصنع، تلقيت عروض من مستثمرين لشراء الآلات التي استخدمها في المصنع، لكنني قررت أن أرفض تلك العروض من أجل تطوير الآلات وإضافة منتجات أكثر، ليكون لتلك الآلات وتلك المنتجات مردود مادي جيد؛ ولأن المصنع يمكن نقله بسهولة، قمت بنقل المصنع لأرض جديدة استأجرتها لمدة سنتين؛ لأثبت مدى جدية وفعالية المشروع وفق الدراسة التي منحتها للجهات المعنية قبل البدء فيه، وبالفعل كانت التوقعات أكثر مما بنيت عليه طموحي، إذ كان هدفي في البداية هو إنتاج ما يقارب الـ 150 طنا سنويًا، لكن المصنع أصبح ينتج قرابة الـ 288 طنا؛ أي ما يوازي الـ 24 طنا شهريًا، و6 أطنان أسبوعيًا.

تسويق

عن التسويق قال الكلباني: بعد مرور سنة من التشغيل، بدأت بالاشتغال على خطة تسويقية للمنتج، وأهمية هذه الخطة تكمن في مساعدتها لنا على معرفة كيفية تثبيت أقدام المنتج في السوق في ظل وجود المنتجات المنافسة التي لها باع طويل في صناعة وإنتاج الفحم، مع وجود خبراتهم العالية في السوق المحلي، الأمر الذي يسهل عليهم عرض منتجاتهم وفق السعر المناسب.

وأضاف: ومن أجل تلك الخطة، استعنت بأفكار شباب عماني متخصصين في التسويق، مع إضافة بعض الأفكار الشخصية للخطة؛ لحصر الخدمات التي قد تميزني عن المنتجات المنافسة وكيفية تطبيقها. ومن بين تلك الأفكار التسويقية، توفير خدمة التوصيل المجاني، وعند بيع عدد معين من أكياس الفحم أضيف معها عدد أكياس أخرى مجانية، كما اعتمدت على أحد الزملاء المتخصصين في التصميم؛ لتصميم أكياس تعبئة الفحم.

وقال: بحكم عدم توفر خدمة التوصيل للمنتج خارج حدود مسقط، قررت بيع المنتج لعدد من الشباب العمانيين الموزعين لمختلف المناطق بالجملة، على أن يقوموا هم ببيعه بالتجزئة على المحلات التجارية والمطاعم مع إضافة عمولة التوزيع. كل ذلك يبرهن للجميع أن مؤسسة «أسرار العارض»، مصنعًا عمانيًا متكاملًا لصناعة الفحم.

صمود

وتحدث الكلباني: أصبح المصنع اليوم ينتج ما يقارب الـ4 أصناف من الفحم، بعد أن كان ينتج نوعًا واحدًا، ومن بين تلك المنتجات، فحم خاص بتوليد الكهرباء، تم استخلاصه من مخلفات السوائل التي تنتج من الأدخنة ونشارة الخشب، ويتم وضعه في قوالب تتعرض لحرارة الشمس. وهناك منتج آخر عبارة عن فحم الشواء الذي ينقسم هو الآخر إلى نوعين منها ما يدوم فترة طويلة ومنها ما يدون فترة قصيرة وبأشكال متنوعة.

وأضاف: المنتج الثالث هو عبارة عن فحم مضاف إليه مخلفات اللبان، وعند إشعاله تفوح منه رائحة لبان، لكن هذا النوع ما زال قيد التوزيع، حتى يتم التأكد من جودته. وكل ما سبق هو ما ساعدني على فرض مساحة خاصة لمنتجات «أسرار العارض» بعد 4 سنوات تشغيلية للمصنع، حتى أصبح المصنع اليوم يتلقى طلبات من الفحم تفوق العرض.

إنجاز

وقال الكلباني: وجب لمؤسسة «أسرار العارض» أن تفاخر بالإنجازات التي حققتها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حيث حصل المصنع على جائزة ريادة الأعمال التي تنظمها الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لعام 2015م كأفضل مؤسسة صناعية صغرى من بين 400 مؤسسة، كما حصلت المؤسسة على جائزة الرؤية الاقتصادية في فئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة لعام 2016م. كما تم ترشيح المؤسسة ضمن مجموعة من المشاريع الناشئة لتمثيل السلطنة في المنتدى الدولي لرواد الأعمال الشباب الأول في البحرين لعام 2016م، وتم تكريم المشروع كأفضل مشروع متميز على مستوى الخليج.

وأضاف: كما تلقيت دعوة من مركز الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في دبي، لعرض تجربتي في تأسيس المصنع، للطلاب الموهوبين على مستوى الإمارات، وحصلت على جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز. كما تم ترشيح اسمي للمشاركة في ملتقى المجيدين العمانيين والصينيين في مختلف المجالات لعام 2017م في الصين ضمن وفد رسمي من الحكومة، إضافة إلى ترشيح اسمي للدخول في المنافسة على جوائز الوطن العربي في جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لدعم مشاريع الشباب لعام 2017م.

ثبات

وأكد الكلباني أنه بعد كل تلك النجاحات، تم منح المصنع قطعة أرض من الحكومة بحق الانتفاع في عام 2016، وذلك بعد أن أثبتت جدية المشروع، فقمت بنقل المصنع لولاية بركاء بالقرب من المردم؛ لسهولة توفر المواد الخام وتقليل تكلفة النقل، وهذا ما ساعدني على تطوير المشروع من خلال التطوير المستمر في الآلات والمنتجات.