1325966
1325966
تقارير

التقنية المالية :شركة «آنت» الصينية وتغلغل ثقافة الدفع الإلكتروني

03 مايو 2018
03 مايو 2018

دون واينلاند وشيري فيه جو- الفاينانشال تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

حين فَصَلَ جاك ما، مؤسس علي بابا، وحدة الدفع عبر الإنترنت (علي باي) عن شركته العملاقة للتجارة الإلكترونية (علي بابا) عام 2010  كان قد أحدث بذلك انقلابا ماليا  ينطوي على تحقيق مكاسب قد تصل إلى بلايين الدولارات. برر الرجل تلك الخطوة بقوله إن الحكومة الصينية لن تسمح للمستثمرين الأجانب بالسيطرة على جزء مركزي من نظام المدفوعات في البلاد. وأخطر كلا من ياهو  وسوفت بانك، وهما أكبر شركتين مساهمتين في مجموعة علي بابا وقتها، أنهما لن يعود بمقدورهما حيازة حصة في منصة الدفع الرقمي (علي باي.) ثم بسط سيطرته الكاملة على الشركة الجديدة. اتضح الأثر الحقيقي لتلك المناورة (التي قام بها جاك ما حينها) هذا الشهر مع الأخبار التي تتحدث عن أن شركة (آنت فاينانشال)، وهي الفرع المالي لشركة علي بابا الذي نشأ عن شركة المدفوعات الأصلية (علي باي)، تستعد لجولة تستهدف البحث عن تمويل خاص بقيمة 9 بلايين دولار قبل أن تشرع في تنفيذ طرح عام أولي لأسهمها، وهي خطوة متوقعة بشدة، حسب بعض العليمين.

شركة بقيمة 250 بليون دولار

ومن المقرر أن تحقق حملة جمع التمويل الخاص تقييما مذهلا لشركة آنت فاينانشال يصل إلى حوالي 250 بليون دولار مما سيجعلها الأغلى في العالم من بين شركات التقنية غير المدرجة في البورصات. ويعني ذلك وجود اعتقاد وسط المستثمرين بأن قيمة الشركة أكبر بنسبة 50% من قيمة بنك جولدمان ساكس. هذه الأخبار، التي تتزامن مع تزايد التوتر حول نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، تسلط الضوء على ظهور جيل جديد من شركات التقنية الصينية خلال العقد الماضي. وهي شركات تملك حجما وخبرة وقدرة تمكنها من المنافسة مع نظيراتها الأمريكية.

مدفوعات رقمية بقيمة

8.7 تريليون دولار

كما تقدم حكاية شركة آنت أيضا بيانا عمليا عن تبني الصين التي تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم سياسة التحول نحو مجتمع رقمي (بلا نقود) بحماس يفوق حماس أوروبا أو الولايات المتحدة. فالمستهلكون في الصين استخدموا منصة (علي باي) في العام الماضي لسداد مدفوعات بقيمة 8.7 تريليون دولار، بحسب بنك باركليز. ويقول جو إنقاي، الشريك الإداري للصين الكبري في شركة مكنزي للاستشارات الإدارية، “ لا يوجد شيء يشبه هذه الشركات حقا في الغرب.”

إدارة 230 بليون دولار

تشكل آنت فاينانشال أحد الرموز الأكثر إثارة للرأسمالية الصينية في الأعوام العشرة الأخيرة. فهي تملك أكبر صندوق سوق نقدي في العالم إذ تدير أموالا بقيمة 230 بليون دولار. وتسيطر على إحدى أكبر أنظمة  تصنيف الجدارة الائتمانية في العالم (قياس الملاءة المالية أو القدرة على سداد الالتزامات عند استحقاقها- المترجم.) فهي تجمع بيانات عن مستخدميها الذين يبلغ عددهم مئات الملايين في الصين.

ومع تحولها إلى شركة متعددة الجنسيات حيث عقدت عدة صفقات حول العالم، تشمل عملياتها الآن أيضا مصرفا ووحدة تأمينات ومنصة إقراض لمنشآت الأعمال الصغيرة. وبالنسبة للجهات المستثمرة المتلهفة للمشاركة في حملة تمويلها بما في ذلك  صندوق الاستثمار السنغافوري (تيماسيك) تشكل شركة آنت فاينانشال مؤشرا على المستقبل الاقتصادي للصين. فهي الآن إحدى ركائز الاستهلاك في الصين.  فهي ومنافستها تينسينت تسيطران على  90% من سوق الدفع بالموبايل في الصين والذي يتم عبره سداد أثمان مشتريات يصل مجموع قيمتها إلى 16 تريليون دولار سنويا. وتستفيد الشركة من كونها جزءا من إمبراطورية علي بابا التي تشق طريقها الخاص بها في مجال التجارة الإلكترونية. ومنذ عام 2009  تعكف علي بابا على تنظيم  عيد العزاب، وهو مهرجان تسوق رقمي  يروج للإنفاق في  مول”تاوباو” المركز التجاري الرقمي للشركة التي تتخذ مقرها في هانغتزو.

25 بليون دولار في 24 ساعة

وفي نسخة العام الماضي من عيد العزاب الذي شاركت فيه الممثلة نيكول كدمان والموسيقار فاريل ويليامز قاربت قيمة المبيعات على الإنترنت 25 بليون دولار خلال 24 ساعة.  تُنَفَّذ هذه المشتريات على منصة التسوق التابعة لمجموعة علي بابا لكن سداد أثمان معظمها يتم من خلال شركة آنت فاينانشال. ويصف المحللون شركة علي باي بأنها المادة اللاصقة التي تشد أجزاء إمبراطورية علي بابا للتسوق عبر الإنترنت. بدأت علي باي عملها كخدمة حسابات ضمان على الإنترنت في عام 2004  تتيح للتجار والمتسوقين إرسال واستلام المدفوعات. ولكن ما هو أهم من ذلك أنها قدمت للمتسوقين وسيلة للمطالبة باسترداد أموالهم إذا شعروا أنهم تعرضوا للغش في مشترياتهم وأشاعت بذلك لونا من الاطمئنان في ساحة تسوق تخلو من الثقة. إن تقييم شركة آنت بحوالي 150 بليون دولار سيجعلها تقترب من الرسملة السوقية التي حققتها علي بابا (168 بليون دولار) حين دشنت طرحها العام الأولى الذي حقق 25 بليون دولار محطما بذلك الأرقام القياسية في عام 2014. ويقول المحللون إن تقييمهم المالي لشركة آنت لا يرتكز فقط على عمليات السداد عبر الإنترنت التي تتولى القيام بها. فاهتمامهم  ينصب في الواقع على اتساع نطاق انتشارها (تواجدها في كل مكان) في الصين وقدرتها على الاستفادة من  بيانات الحياة اليومية هناك. ومن الممكن مشاهدة نشاطها ونشاط شركة تينسينت  في كل ركن من أركان شوارع المدن حول الصين.

رمز الاستجابة السريعة

ففي بيجينج أو شنغهاي أو شينزين نادرا ما يستخدم الشباب النقود لسداد مدفوعات القهوة أو الأطعمة السريعة التي يتناولونها أو حتى  مشتريات البقالة اليومية. بل هم بدلا عن ذلك يمسحون بهواتفهم النقالة رمز الاستجابة السريعة  (كود كيو آر) على السلعة لتنفيذ عمليات السداد عبر علي باي أو “ويشات باي” التابع  لفينسنت. وكتب جريجوري تشاو، المحلل ببنك باركليز، في تقرير صدر هذا الشهر أن سداد معظم مدفوعات الاستهلاك اليومي في الصين مثل تناول الوجبات في المطاعم والنقل وزيارة محال التجميل والتسوق في المتاجر القريبة متاح عبر الهاتف النقال عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة. وقدَّر تشاو قيمة شركة آنت فاينانشال بحوالي 155 بليون دولار استنادا على تقدير صافي الأرباح التشغيلية بعد سداد الضرائب بحوالي 11.7 بليون دولار بحلول عام 2021.

ويقول إن الشركة ستولد دخلها ليس عن طريق عمليات علي باي لكن من خلال وحدات أخرى في محفظتها مثل صندوق السوق النقدي الخاص بها (يو إي باو) وعملياتها الإقراضية.

حساب بحد أدنى واحد يوان

(رينمينبي) وفائدة 7%

يسلط هذا الصندوق (يو إي باو) الضوء على الاختراق الذي تحققه بعض أنشطة شركة آنت. فحين تم تدشينه في عام 2013  سمح للزبائن بنقل أرصدتهم في منصة الدفع بالشركة بأدنى حد يبلغ واحد رينمينبي أو ما يساوي 16 سنتا إلى حسابه (حساب الصندوق) الذي يدفع فوائد تصل إلى 7%. وخلال عام بلغت الأموال التي يديرها 570 بليون رينمينبي، متحولا بذلك إلى أكبر صندوق سوق نقدي في الصين. وفي العام الماضي تم تتويجه كأكبر صندوق في العالم. وتتولى وحدة احتساب الجدارة الائتمانية سيسمي كريدت(سمسم للائتمان) بشركة آنت جمع بيانات من المستخدمين في كل مجالات نشاط الشركة بما في ذلك معلومات عن الأشياء التي يشترونها ومن منهم يسدد ديونه ومن هم الزبائن الذين يدخرون أموالا أكثر من الآخرين. ويمكن تحليل هذه البيانات بواسطة منصات الإقراض التابعة للشركة التي تقدم قروضا للمستهلكين والشركات الصغيرة. ويقول المحللون إن الشركة تتمكن من خلال الوصول إلى فهم أفضل لزبائنها من اتخاذ قرارات إقراض أكثر ربحية. تحتدم المنافسة بين علي باي وويشات باي على مستقبل هذه الأسواق. لكن علي باي تحافظ على مركز متقدم في هذه المنافسة. فقد حازت على نسبة 54.3% من حجم المدفوعات عبر الهاتف النقال بنهاية عام 2017 مقارنة بنسبة 38.2% حصلت عليها ويشات باي، بحسب مجموعة الأبحاث أناليسيس. يقول  آدريان سيتو  كبير مديري شركة آكسينتشر الاستشارية للابتكار والتقنية في منطقة آسيا الباسيفيكية “يعلو غبار المنافسة مع تدافع كبار اللاعبين بالمناكب ومواجهتهم  للشركات الناشئة الصغيرة. لكن سيحصل كل منهم على قطعة من الكيكة لأن السوق تشهد نموا متسارعا.

تدخلات سياسية

الحديث عن التقييم المالي لشركة آنت تذكير مؤلم لشركة ياهو بخسارتها لها. فياهو، التي تسيطر عليها الآن شركة فرايزون للاتصالات، كانت قد اشترت حصة بنسبة 40% من شركة علي بابا مقابل بليون دولار عام 2005. وفي أوائل 2011 أعلنت علي بابا أن حصة ياهو الأمريكية لم تعد تشمل علي باي التي أزيلت جراحيا قبل تسعة أشهر من ذلك من (جسم) علي بابا وتم تأسيسها في كيان منفصل تحت سيطرة جاك ما. هبط سعر سهم شركة ياهو  بما يقرب من 10% في يوم واحد عقب ذلك الخبر. وحسب المحللون وقتها أن قيمة علي باي كانت تشكل 1.7 بليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية  لياهو التي بلغت وقتها 24 بليون دولار. عزا جاك ما اتخاذه تلك الخطوة إلى متطلبات إجرائية من الحكومة الصينية. فإعادة الهيكلة كانت ضرورية في ذلك الوقت بحسب قوله لأن وجود مستثمرين أجانب قد يعوق حصول علي باي على رخصة مدفوعات. وتم التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق يضمن لشركة علي بابا 37.5% من الأرباح المستقبلية لعلي باي أو مدفوعات بقيمة 2 إلى 6 بلايين دولار في حال حدث طرح عام أولى لأسهم الشركة. وحسب التقييم الجديد لرأس مال شركة آنت فاينانشال تساوي الآن نسبة 40% منه 60 بليون دولار. لايزال ميراث تلك الواقعة ماثلا مع استعداد آنت لاستقبال مستثمرين أجانب جدد عبر التمويل الخاص ثم طرح أسهمها في نهاية المطاف. وكانت الفاينانشال تايمز قد أوردت في العام الماضي أن شركة آنت أجلت طرحها العام الأولي إلى أواخر 2018 أو عام 2019 بسبب مشاكل تتعلق بتأمين التصديقات الإجرائية. فهناك حاجة إلى مباركة صريحة  من بيجينج للسماح باحتمال وقوع منصة تشكل بنية أساسية فائقة الأهمية لسداد المدفوعات في أيدي مستثمرين. وتوحي حقيقة تخطيط شركة تيماسيك السنغافورية للاستثمار في شركة آنت في الجولة التمويلية الجديدة أن آنت ربما توشك على الحصول على الموافقة الحكومية على قبول مستثمرين أجانب كبار في سجل مساهميها. وعلى الرغم من نمو آنت المثير داخل الصين إلا أن توسعها في الخارج كان أبطأ وفي بعض الحالات واجهت الشركة نفس الوضع الذي أدى إلى إنهاء علاقتها مع ياهو. ومنذ عام 2015 اشترت آنت أو استثمرت أموالا كبيرة في 11 شركة أجنبية، بحسب بيانات شركة تومسون رويترز. ففي باكستان مثلا أعلنت آنت عن خطط في مارس لشراء مؤسسة تمويل أصغر مقابل 184 مليون دولار. وفي نفس الشهر قالت: إنها ستنفق 200 مليون دولار على شراء مجموعة إعلامية في الهند.  لكن أكبر مغامراتها في الخارج انهارت في يناير حين منعت الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة عرضا بمبلغ 1.2 بليون دولار لشراء شركة المدفوعات مونيجرام انترناشونال التي تتخذ مقرها في دالاس. وفي حال نجاحها كانت عملية الاستحواذ هذه ستجعل آنت لاعبا مهما في نظام المدفوعات (التحويلات المالية ) الأمريكي. لكن المخاوف من سيطرة هذه الشركة الصينية على البيانات المالية الشخصية للزبائن الأمريكيين وقفت في النهاية في طريق عقد الصفقة. يقول مصرفي قريب من مشروع الصفقة إن ذلك الإخفاق شكل “ضربة قوية لثقة الشركة بنفسها.” كما يمثل فشل هذه الصفقة بعد 8 أعوام من  إخراج ياهو من شركة آنت تذكيرا بأن السياسة يمكنها عرقلة خطط (جاك ما) لنشاط الشركة خارج الصين.