أفكار وآراء

في سوريا تدافع موسكو عن سردية وليس عن بلد

02 مايو 2018
02 مايو 2018

مكسيم ترودوليوبوف- موسكو تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

أدانت روسيا الضربات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة ضد أهداف في سوريا شهر أبريل الماضي . وردَّت عليها بالدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لكنها رفضت قرارا تؤيده موسكو بإدانة الهجوم. ربما أن النطاق المحدود للعملية الغربية حلّ بردا وسلاما على موسكو. لكن خيبة الأمل التي يتضمنها رد فعل موسكو واضحة. لقد ظلت موسكو منذ فترة طويلة تؤجج مخاوف داخلية من دورة جديدة وشيكة للحرب في سوريا. وقدَّم جنرال روسيا (رئيس أركان قواتها المسلحة) فاليري جيراسيموف قائمة من الاستفزازات المحتملة وخطط موسكو للرد في حال أصاب الجنود الروس أذى من الضربات الأمريكية. كما كثر الشهر الماضي الحديث في روسيا عن « أزمة كورية » جديدة تستدعي إلى الذاكرة المواجهة التي أخذت بالأنفاس حول تركيب موسكو صواريخ مسلحة نوويا في كوبا( في أكتوبر عام 1962 وكانت المواجهة المباشرة والأخطر أثناء الحرب الباردة بين القوتين العظميين وقتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي- المترجم.) وردا على موقف موسكو دوَّن الرئيس دونالد ترامب تغريدة عن صواريخ أمريكا « اللطيفة والجديدة والذكية.» لكن وراء «ستارة» استعراض الرئيس الأمريكي وتلميح موسكو بنشوب حرب عالمية ثالثة تحلَّى كلا الجانبين بضبط النفس. وتحرك البلدان بسرعة للتلطيف من حدة المواجهة بمجرد انتهاء القصف. كما تواصلت الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية. وبالنظر إلى الظروف الماثلة فإن هذه المحصَّلة جيدة لكنها بالنسبة للكرملين دعاية سيئة. فموسكو كانت تريد سردية (حكاية) جديدة تخلب الألباب عن معتدٍ أثيم تحُولُ هي «بصلاحها » دون شروره. ولم تكن لدى المعلقين في القناة الحكومية الروسية أخبار مفرحة كثيرة بخلاف مدح الدفاعات الجوية السورية ( وهي كلها سوفييتية تعود إلى أعوام السبعينات) لأدائها الفائق في إسقاط الصواريخ الغربية. فسوريا، حسبما ذكرت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت14 أبريل الماضي، اعترضت 71 من جملة 103 صواريخ أطلقتها الولايات المتحدة وحليفتها. لكن القوات المسلحة الأمريكية أنكرت ذلك. فقد صرح ممثل عسكري أن السوريين أطلقوا حوالي 40 صاروخا أرض -جو بعد أن أصاب آخر صاروخ أمريكي هدفه. ولم تشتبك معها أنظمة الدفاع الجوي الروسية في أي وقت من الأوقات. لكن الولايات المتحدة أقرت بأنها لم تضرب كل الأهداف التي يعتقد أن لها صلة ببرنامج الأسلحة الكيماوية السورية. وأبدى بشار الأسد تحديه باجتماعه بعد فترة وجيزة مع مجموعة من النواب الروس واستئنافه الضربات الجوية ضد المناطق المتبقية تحت سيطرة المعارضة السورية . عسكريا كان هذا هو كل ما حدث. فالحكاية سرعان ما عادت إلى الشجار القديم المعتاد. لقد غيرت موسكو من موقفها الذي تمثل في البداية في إنكارها وقوع هجوم كيماوي إلى الادعاء بأن الهجوم عمل مرتب كجزء من «حملة تخويف من روسيا» أعده بلد لم تفصح عنه. واتضح لاحقا أن البلد الذي كانت روسيا تقصده هو بريطانيا. يقول الجنرال إيجور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية «لدينا دليل يثبت أن بريطانيا متورطة مباشرة في تنظيم هذا الاستفزاز.» على حد قوله. يفضل الكرملين سردية عسكرية لسوريا لأنها تضع روسيا والولايات المتحدة على قدم المساواة . فالسردية العسكرية تجعل من سوريا حكاية قوتين عظميين تقاتلان من أجل السيطرة على جزء هام من العالم. لكن انتهى الأمر برئيس الولايات المتحدة إلى اختيار خطة العمل العسكري الأكثر محدودية من بين الخطط التي قدمها له البنتاجون. وبدلا عن التقيد بالسيناريو الروسي مضت الولايات المتحدة وبريطانيا كلتاهما إلى التخطيط لعقوبات إضافية ضد موسكو لدعمها الحكومة السورية في استخدامها المزعوم للأسلحة الكيماوية. إن العقوبات ليست حكاية جذابة للكرملين ، خصوصا حينما تُستهدَفُ بها النُّخَبُ الروسية الثرية. فهي في هذه الحال توجع اقتصاديا حقا. وقد اتضح ذلك على الفور يوم الاثنين التالي مع هبوط أسهم شركة روسال الروسية المنتجة للألمنيوم بنسبة إضافية بلغت 21% في جلسة التداول الصباحية في هونج كونج. فشركة روسال المدرجة في بورصة هونج كونج وأوبيغ ديريباسكا المساهم الرئيسي فيها كانا من بين أعضاء الأوليجاركية الروسية الذين تم استهدفهم بالعقوبات الأمريكية في 6 أبريل. وكانت أسهم روسال قد فقدت 50% من قيمتها في 9 أبريل الماضي عقب الإعلان عن تلك العقوبات. ولحسن حظ روسيا في يوم الاثنين المشار إليه أبطل الرئيس ترامب خطط إدارته بفرض عقوبات إضافية ضد موسكو. موسكو تدرس فرض قيود على السلع والخدمات الأمريكية لكنها غير قادرة على القيام بأي رد قاس بمستوى العقوبات الأمريكية. فهي أضعف اقتصاديا. ولا يغيب هذا عن بال الروس العاديين الذين لجأوا منذ فترة طويلة إلى النكات السوداء في تناولهم لهذه المسألة والنكتة المفضلة لديهم هي أن موسكو سترد على المزيد من العقوبات الغربية بقصف فارونِش ( بلدة روسية.) والمقصود بذلك أنه طالما لن يكون بمقدور روسيا إيذاء الولايات المتحدة اقتصاديا فإنها (في الحقيقة) تعاقب مواطنيها. وهذا هو السبب في أهمية السردية العسكرية للكرملين الذي يستعذب حكاية منافسة «اللعبة الكبرى.» فالكرملين يريد أن ينقل للشعب الروسي دراما تصوّر قوة شريرة تدفع لتغيير النظام وقوة خيرة تدافع عن حكومة شرعية لبلد ذي سيادة. موسكو لا تريد الحرب. لكنها تريد أن يتشبث الروس بعقلية الحرب. فَصُوَر الحرب التي تومض في شاشات التلفزيون تساعد على الترويج لحكاية روسيا العظيمة التي يمسك بوتين بمقودها ويشن حربا عادلة ضد العدوان. ويبدو أن الكرملين يحب الحكاية العظيمة أكثر من حبه للبلد العظيم. ويبدو أن استراتيجيته هي تحويل روسيا إلى حكاية عظيمة مرة أخرى وليس إلى بلد عظيم . بالطبع يكره الكرملين إيقاظه على الواقع القبيح لضعفه الاقتصادي. ستتحلى الزعامة الروسية بالحكمة إذا حاولت إعادة تقييم مكامن ضعفها الاقتصادي وبدأت التفكير في حلول طويلة الأجل بدلا من ممارسة ألعاب حافة الهاوية العسكرية الخطرة. أما الولايات المتحدة فمن جانبها عليها أن تتمهل وتفكر في حقيقة أن القرار الذي اقترحته روسيا (بإدانة الهجوم الصاروخي على سوريا) ربما هُزِمَ بسهولة في مجلس الأمن لكنه حظي بتأييد بلد كبير بخلاف روسيا نفسها هو الصين.

• الكاتب زميل أول بمعهد كينَّان المختص بدراسات دول الاتحاد السوفييتي السابق بمركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء.