أفكار وآراء

انتخابات لبنان وتحديات المستقبل

02 مايو 2018
02 مايو 2018

عبد العزيز محمود -

وسط انقسام حاد في المشهد السياسي تجري الانتخابات البرلمانية اللبنانية يوم ٦ مايو الجاري لانتخاب مجلس نواب جديد وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة من التيار الحاصل على الأغلبية (٦٥ مقعدا) داخل البرلمان.

الانتخابات اللبنانية تأتي في ظل صراعات في سوريا والعراق ومواجهات بين إيران وإسرائيل ومنافسة علي الإقليم بين روسيا والولايات المتحدة تشارك فيها أطراف إقليمية وهو ما سيؤثر بكل تأكيد علي مجريات العملية الانتخابية بشكل أو بآخر .

كما تأتي الانتخابات في ظل جدل في الداخل اللبناني حول الفساد وقانون العفو العام وأداء الحكومة وأزمة النفايات والكهرباء ووجود مليون لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية.

ووفقا للدستور اللبناني تراعي العملية الانتخابية نظام المحاصصة الطائفي الذي يوزع مقاعد مجلس النواب الـ ١٢٨ بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين في إطار نظام سياسي يراعي التركيبة الطائفية حيث يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة مسلم سني، ورئاسة مجلس النواب مسلم شيعي.

وطبقا للدستور يتولى مجلس النواب الذي ينتخب لمدة أربع سنوات مهمة انتخاب رئيس الجمهورية والموافقة على تشكيل الحكومة وإصدار التشريعات ويمكن له في الظروف الاستثنائية تمديد ولايته كما حدث خلال الحرب الأهلية ، وبين عامي ٢٠١٤ و 2018 . وحسب الميثاق الوطني فان رئاسة المجلس حق للطائفة الشيعية أما نائب رئيس المجلس فمن الروم الأرثوذكس.

وتتوزع مقاعد مجلس النواب بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين حيث يحصل المسيحيون على ٦٤ مقعدا توزع كالتالي ٣٤ موارنة و١٤ روم ارثوذكس و 8 روم كاثوليك و ٥ أرمن ارثوذكس ومقعد أرمن كاثوليك ومقعد انجيليين ومقعد أقليات أخرى، بينما يحصل المسلمون على ٦٤ مقعدا توزع كالتالي: ٢٧ سنة و٢٧ شيعة ٨ دروز و٢ علويين.

وهكذا وفي ظل انقسامات طائفية وعشائرية وجهوية تحتدم المنافسة بين الكتلتين السياسيتين الرئيسيتين وهما: قوى ٨ آذار المؤيدة للمحور السوري الإيراني، وقوى ١٤ آذار المناوئة والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي ودول خليجية وعربية ، بينما يطرح المستقلون أنفسهم كتيار بديل عبر قوائم (كلنا وطني).

ويسعى كل من تياري ٨ آذار و١٤ آذار للفوز بالأغلبية وتشكيل الحكومة على الرغم من تراجع نفوذهما وتغير طبيعة تحالفاتهما حيث يضم تيار ٨ آذار حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والتنظيم الشعبي الناصري والديمقراطي اللبناني والطاشناق (الاتحاد الثوري الأرمني) والحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة المجد وحزب البعث وحزب التضامن والحزب العربي الديمقراطي وكتلة العمل الشعبي.

أما تيار ١٤ آذار فيتألف من: المستقبل وحركة الاستقلال وحزب الكتائب والوطنيين الأحرار والاشتراكي الديمقراطي والليبرالي الديمقراطي واليسار الديمقراطي والجماعة الإسلامية والكتلة والتجديد الديمقراطي والتيار الشيعي الحر والاتحاد السرياني.

في انتخابات ٢٠٠٩ كان واضحا هيمنة ٨ آذار و١٤ آذار على المشهد السياسي اللبناني، لكن هذا الوضع تغير الآن بسبب عدم الرضا عن الأداء الاقتصادي للحكومة، وتدخل حزب الله عسكريا في الأزمة السورية مما أربك علاقته ببعض حلفائه، وقلص خدماته الاجتماعية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

وساهم قانون الانتخابات الجديد الذي صدر في يونيو الماضي في تغيير شكل التحالفات السياسية بتحالف التيار الوطني الحر التابع للرئيس ميشال عون مع تيار المستقبل الذي يقوده سعد الدين الحريري، بعد أن كان الأول حليفا لحزب الله وقوى ٨ آذار الموالية لسوريا وإيران.

من جهة أخرى انهار تحالف القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع الخصم التاريخي للجنرال عون مع تيار المستقبل بقيادة الحريري، ولم يكن هذا هو التغيير الوحيد، فقد شهدت الدوائر الانتخابية تحالفات أخرى جديدة استهدفت استمرار النخب التقليدية السنية والشيعية والمارونية في مواقعها، وبدا واضحا ان تيار المستقبل السني يواجه معارضة سنية في طرابلس بينما يواجه حزب الله الشيعي منافسة من زعماء عشائر محليين في البقاع والهرمل.

الانتخابات البرلمانية الراهنة كان يفترض أن تجري في عام ٢٠١٣ لكنها تأجلت بعد فشل مجلس النواب في إصدار قانون الانتخابات الجديد ، ثم تسببت أزمة انتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في مايو ٢٠١٤ في أن يظل لبنان بدون رئيس لمدة ٢٩ شهرا بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦

وهكذا مدد مجلس النواب ولايته مرتين حتى انتخب الجنرال ميشال عون

رئيسا للبنان في أكتوبر ٢٠١٦ بعد مصالحة تاريخية بين الحريري زعيم تيار المستقبل وجعجع زعيم القوات اللبنانية تشكلت على أثره حكومة وحدة وطنية.

ومع صدور قانون الانتخابات الجديد في يونيو الماضي تم اعتماد نظام التمثيل النسبي لأول مرة حيث يتم التصويت في كل دائرة لصالح قائمة كاملة واختيار مرشح وحيد مفضل مع مراعاة المحاصصة الطائفية والتوزيع الطائفي حيث يتركز ثلثي الناخبين السنة في بيروت والشمال و٧٩٪ من الناخبين الشيعة في البقاع والجنوب و ٦٣٪ من الناخبين الدروز في جبل لبنان و٩٦٪ من الناخبين العلويين في الشمال و٤٢٪ من المسيحيين الموارنة في جبل لبنان والشمال.

ومع اقتراب موعد الانتخابات تحتدم المنافسة بين تيارات وأحزاب رئيسية يأتي في مقدمتها تيار المستقبل بقيادة سعد الدين الحريري الذي نظم مؤتمرين لدعم الاقتصاد اللبناني في باريس وروما ويقدم تياره للناخبين باعتباره الخرزة الزرقاء التي تضمن وحدة واستقرار لبنان، محاولا زيادة عدد المقاعد التي يشغلها في مجلس النواب عبر تحالفات مع شركائه في ١٤ آذار خاصة التيار الوطني الحر والطاشناق والجماعة الإسلامية. بينما يخوض التيار الوطني الحر الذي يقوده جبران باسيل لدعم وجوده باعتباره أكبر كتلة مسيحية في مجلس النواب متحالفا مع تيار المستقبل والطاشناق وحركة الاستقلال والحزب السوري القومي الاجتماعي.

من جهة أخرى تخوض حركة أمل الانتخابات بالتحالف مع حزب الوفاء للمقاومة الجناح السياسي لحزب الله عبر قوائم مشتركة في الجنوب والبقاع وبيروت وبالتنسيق مع الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، والمؤكد أن فشل حزب الله وحلفائه في ٨ آذار في الفوز بالثلث المعطل داخل مجلس النواب سوف يضعف نفوذ إيران في لبنان.

ويتنافس على تمثيل المعسكر المسيحي حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع الذي يخوض الانتخابات بـ ١٩ مرشحا تحت شعار أصبح من الضروري ويساند ٢٠ حليفا له في كل أنحاء لبنان، والتيار الوطني الحر، والكتائب، وحزب الوطنيين الأحرار بقيادة دوري شمعون، بينما يسعى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية للحفاظ علي موقعه بالتحالف مع حزب الله والحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة طلال أرسلان المنافس التقليدي لجنبلاط على أصوات الدروز.

وأيا كانت نتيجة الانتخابات فمن غير الوارد ان تسفر عن مفاجآت كبيرة أو تغيير حقيقي في بلد يتم تقاسم السلطة فيه علي أسس طائفية ومذهبية وجهوية محددة وواضحة ، وهو ما يرجح إمكانية أن تنجح النخبة السياسية في إعادة تدوير نفسها، بحيث يتولى نبيه بري رئاسة البرلمان الجديد وسعد الحريري رئاسة الحكومة الجديدة مالم تحدث مفاجآت.

وطبقا للنظام السياسي البرلماني في لبنان تتم تسمية رئيس الحكومة (سني) بعد مشاورات يجريها رئيس الجمهورية (ماروني) مع الكتل الأساسية في البرلمان بشرط حصول رئيس الحكومة علي الأغلبية (٦٥ مقعدا)، لكن توزيع الحقائب الوزارية قد يستغرق شهورا لإرضاء كل الحلفاء.

خارجيا من المرجح التزام الحكومة اللبنانية الجديدة كونها حكومة ائتلافية بنفس السياسة الخارجية الحالية والنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية لكن ذلك لن يوقف تدخل حزب الله في سوريا، وفي حالة حدوث مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران ودخول حزب الله طرفا فيها تتزايد احتمالات جر لبنان إلى صراع إقليمي قد يعقد الوضع الداخلي ويهدد وحدة واستقرار لبنان.