1317402
1317402
مرايا

الفطر الأسود .. جوهرة مدفونة في شرق إسبانيا

02 مايو 2018
02 مايو 2018

تتراوح أسعاره بين 400 إلى ألف يورو للكيلو -

من- ماريا لوث كلمنت ماسكاريل -

على الرغم من أن المسافة التي تفصل بين العاصمة الإسبانية مدريد ومدينة صوريا شرق البلاد لا تتجاوز ساعتين بالسيارة إلا أن الانتقال إلى هناك أشبه بفكرة السفر عبر الزمن للقدم البادي على القرى ومبانيها مع ما تحتويه من كنوز أثرية وأشياء أخرى قيمة، حيث تنمو فيها الترفاس أو الكمأ أو الفطر الأسود الذي تستخدمه أفخم المطاعم، ويتراوح سعر الكيلو منه بين 400 وألف يورو.

خلال فصل الشتاء بين ديسمبر ومارس يكون هذا هو موسم الكمأ الفطر السحري الذي تنسب إليه قدرات خاصة، ولا يتوافر إلا على موائد الأثرياء الذين يقدرون على سداد ثمنه الباهظ، وبالرغم من أنه ينمو في هذه المنطقة الفقيرة من إسبانيا إلا أنه لم يكن في يوم من الأيام ضمن مكونات مطبخها التقليدي.

يحتاج فطر الكمأ إلى درجات حرارة منخفضة للغاية لكي ينمو، لهذا كان مناخ صوريا مناسبا لزراعته، بالإضافة إلى أماكن أخرى في إسبانيا مثل بالنثيا وأراجوان، إلا أن محصول صوريا لا يزال الأفضل، نظرا لوجود أشجار قوية تنمو على طرق حجرية صاعدة ومنخفضة الحرارة، مثل أشجار السنديان والعرعر والصنوبر فضلا عن النباتات العطرية المنتشرة وسط حقول صوريا، وهي أشجار معمرة لمئات السنين، ولا تنمو أكثر من 3ر1 إلى 6 سنتيمترات سنويا، وتعتبر رمزا قوميا لمنطقة قشتالة.

تؤكد يولاندا سانتوس أنه يوجد في مدينة صوريا 3600 هكتار من أشجار العرعر، وهي أكبر منطقة في العالم يوجد بها كل هذا الكم من هذه الشجرة ذات الجزع الضخم. تعمل يولاندا كمرشدة سياحية تصطحب الزائرين في جولات لتعريفهم بأسرار حقول قشتالة، وتحرص على حضور مهرجان الكمأ الأسود السنوي منذ كانت في السادسة عشرة من عمرها، وهو الذي يقام في شهر فبراير من كل عام ببلدة ابيجار، ويجتذب الحدث الفريد الآلاف من الزائرين والمزارعين والتجار وخبراء الطهي والتغذية الذين يقدرون قيمة هذا الفطر الأسود، وهو الذي أصبح يتداول في أشكال عديدة منها الطازج والمعبأ، فضلا عن الصلصات والمنكهات ومكسبات الطعم الشهية للوجبات.

في القرى المجاورة حيث تنمو أشجار البلوط بكثافة وعلى مساحات شاسعة يزرع الكمأ، وينمو تحت الأرض وتتفرع جذوره على شكل شبكة تشبه شبكة العنكبوت، ويعتبر نموه مفيدا للتربة وكذلك لجذور الشجر التي ينمو في ظلها. ويمكن أن يعيش الفطر لفترة تتراوح بين 10 و20 عاما تحت الأرض، ويجب وضع سياج حول منطقة زراعته؛ حتى لا تلتهمه الخنازير البرية التي تجتذبها رائحته العطرية القوية، وبالرغم من ثمنه الباهظ -ما يجعله محصولا مربحا للغاية- لا يحتاج سوى أرض ذات تربة خشنة وتسوير الحقل والري المستمر لكي ينمو.

جرت العادة على استخدام الكلاب المدربة للعثور على الكمأ، وكان هذا أحد الأسباب التي دعت فيليسا التي تجاوزت الأربعين منذ سنوات إلى الاتجاه إلى هذا المجال المربح، فهو يتيح لها الجمع بين هوايتين: تربية الحيوانات وحب الطبيعة، فتقول: بينما توضح كيف تقوم كلابها بشم جزوع الأشجار بحثا عن الفطر الأسود: في الماضي كانوا يستخدمون الخنازير البرية في العثور على الكمأ، إلا أنها كانت تلتهم أغلب ما تعثر عليه، على عكس الكلاب التي يسهل تدريبها ويمكن الوثوق بها بصورة أكبر.

تؤكد يولاندا سانتوس أن المطبخ الإسباني لم يقدر قيمة الفطر الأسود، ولهذا لا يعتبر ضمن مكونات أشهر الأطباق الإسبانية، موضحة أن أندرس دي لا لاجونا، وهو طبيب كان يعالج الملوك والبابوات في القرن السادس عشر قلل من أهمية الفطر الأسود، ولهذا استبعد من أطباق الملوك والنبلاء وبالتالي ظل غريبا على مطابخ إسبانيا لفترات طويلة.

في خمسينيات القرن الماضي بدأ يتوافد على شمال بالنثيا فرنسيون ادعوا أنهم صيادون، إلا أنهم لم يكونوا يحملون أية بنادق، ولكنهم كانوا يعودون إلى بلادهم محملين بأجولة من هذا الفطر الأسود الشبيه بالبطاطس البنية، ولكنه ذو رائحة نفاذة، وكان هذا أشبه بإعادة اكتشاف.

ويعتبر مهرجان الكمأ في «أبيجار» مناسبة لتذوق أطايب الطعام من مطبخ صوريا، وكذلك التنزه بين حقوق قشتالة البديعة التي تعتبر أيضا مسقط رأس اللغة الإسبانية أو القشتالية، نسبة إلى هذه المنطقة، والقرى المجاورة لها مثل بورجوس التي خرجت منها ملحمة “السيد المقاتل”، وهي تشبه في التراث العربي ملحمة أبو زيد الهلالي، بالإضافة إلى التراث المعماري المميز لكاتدرائيات المنطقة، وأحيائها القديمة التي توجد بها المطاعم التقليدية ذات الأطباق المميزة والحانات، فيما يشبه رحلة إلى زمن آخر، لا يفصله عن العاصمة بحداثتها سوى ساعتين فقط بالسيارة. (د.ب.أ)