khaseeb
khaseeb
أعمدة

نبض المجتمع : إشكاليات تاريخية

02 مايو 2018
02 مايو 2018

خصيب عبدالله القريني -

(من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل) مقولة من رجل حكيم درس التاريخ وعرف أهميته ودوره في بناء الحاضر والمستقبل، مقولة نستذكرها دائما وأبدا عندما يتعلق بالأمر بأهمية ان نستفيد من التاريخ، مقولة يجب ان نعيها ونحن نسعى بكل ما نملك للحفاظ على تراثنا وتاريخنا.

ذلك أن مقدرتنا على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل لا يمكن أن تتم بدون الرجوع للماضي والانطلاق منه، فهنالك أحداثا لا يمكن فهم مجرياتها ولو كنت معاصرا لكل جزئياتها، بدون ان يكون لك معرفة بجذورها التي يجب العودة إليها لتكوين الصورة الشاملة عنها، وربما ان معظم إشكالياتنا في التعاطي مع أي مشكلة في الحاضر نابع من نقص معرفتنا بماضي هذه المشكلة في الأساس.

إن الصورة النمطية لدى غالبية الناس عن التاريخ تتمحور فيه انه مجرد تواريخ وأشخاص أثروا بأعمالهم في محيط جغرافي معين، وهذه النظرة في الواقع هي من أوجدت فجوة واسعة بين التاريخ كعلم وبين التاريخ كمجرد حكايا للتسلية وتكوين القصص والملاحم، فكل معرفة إذا لم تبن على منهج محدد وأسس واضحة لا يمكن ان يستفاد منها ولا يمكن تطويرها، وربما كان التأخر في هذا الجانب هو احد العوامل التي ساعدت على عموم هذه النظرة وانتشارها، وفي النهاية عرقلت أهمية الاستفادة من دراسة التاريخ وأحداثه في التنبؤ بأحداث حاضرة ومستقبلية، بناء على المبدأ الأساسي للتاريخ القائم على انه يعيد نفسه متى ما توافرت الظروف المشابهة للحدث نفسه.

والى جانب إشكالية التأخر أو لنقل عدم الاستفادة من علم التاريخ كعلم مبني على قواعد واضحة، تبرز إشكالية أخرى تتمثل في من يكتب التاريخ، فكل حدث تاريخي له اكثر من وجهة نظر في تقديمه والحديث عنه، رغم انه حدث واحد بتاريخ محدد وزمان محدد ولكن تختلف التفاصيل هنا، وهي لب الإشكالية التي يتم الاتكاء عليها للاستفادة منها، فالأمر هنا لا ينحصر بأهمية المكان والزمان فقط بقدر ما تكون للتفاصيل أهميتها في الاستفادة منها في مستقبل الأيام وضمان عدم تكرارها إذا كان الحدث سيئا، أو لمزيد من توظيفها بشكل افضل إذا كان الحدث إيجابيا، ويبرز أمر ثالث هنا فما قد يكون سلبيا لدي قد يكون إيجابيا لديك والعكس صحيح، فتتشابك العلاقات والظروف بناء على مصالح مختلفة، كل فريق يريد ان يكتب الحدث بطريقته وعلى هواه الخاص وبما يتناسب مع مصلحته، وهنا يبرز الدور الأكبر للمؤرخين الذين يحاولوا بكل ما يمتلكوا من طرق وأساليب علمية في القدرة على جمع كل هذه التناقضات وتمحيصها والخروج منها باستفادة هي الأقرب للواقع.

ان الحديث عن وجود أحداث تاريخية منذ آلاف السنين والقول إنه يصعب الجزم بحقيقتها بسبب عدم توافر أدلة على ذلك، هي في الواقع ضرب من ضروب الخيال التاريخي، فليست الأدلة بحد ذاتها هي الإشكالية، ولكن كيفية تفسير هذه الأدلة للأحداث هو لب المشكلة، فالأحداث التي نعايشها حاليا وأدلتها متوافرة لدينا وبصورة واضحة لا نستطيع ان نحكم على حقيقتها بصورة جازمة، فلكل فريق أدلته الثابتة والحقيقية كما يدعي، وإذا قلنا إن وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة ستسهل الأمر وستجعل عملية كتابة التاريخ سهله وميسرة، فان هذا الادعاء أصبح وبالا على كتابة التاريخ، فقد تعقدت الأمور اكثر وتشعبت وجهات النظر باستخدام هذه الأدوات، وأصبحت قدرتنا على التمحيص صعبة نتيجة الطوفان المتسارع من الأدلة والمعلومات، وحاجتنا لمسايرتها باستخدام تقنيات إلكترونية في مجال التمحيص والاستفادة من تلك المعطيات بما يتناسب مع روح العصر وإمكانيات الثورة الرابعة.