Tunis-New
Tunis-New
أعمدة

تواصل .. أريد أن أصبح عالة !

01 مايو 2018
01 مايو 2018

تونس المحروقية -

halaa202020@  -

قالت لصديقتها بجدية بالغة : أريد أن أكون بلا مسؤوليات ولو لعام واحد، لا أنشغل فيه إلا في شهرتي في وسائل التواصل الاجتماعي، وزوج وسيم ضحل أمثل معه السعادة على هذه المنصات، ومتابعين سذج يستمتعون بيومياتنا فنصبح اهتمامهم الأول في الحياة، وشركات تجارية تدفع لنا أكثر مما تدفعه في بند مسؤولياتها الاجتماعية كي أعلن لهم وزوجي عن منتجاتهم ضعيفة الجودة.

استرسلت وهي تنظر لكوب صبت فيه شاي الكرك لصديقتها دون أن تنتبه أن حواف الكوب بدا عليها التكسر وقالت: أريد يا صديقتي أن أصحو من نومي دون منبه ،لأجد إفطاري محضر بعناية، وأطفالي بكامل أناقتهم وكاميرا هاتفي تنتظرني لأصور بها عائلتنا السعيدة ولا أنسى تصوير كريمات التجميل التي سأدعي أنها تجعل وجهي يبدو نضراً لأن صوري تلك ستكون مدفوعة الأجر، أعرف أني سأكون كاذبة حينها لأني نضارة وجهي سببها الراحة التي أتمتع بها فأنا لا عمل لدي غير الانستجرام وسناب شات والنوم والأكل.

أريد أن أرتاد مقهى مزدحم لأراقب الناس دون هدف وتمضي الساعات دون أن أشعر أن هناك ما ينتظرني للقيام به ،أريد أن أفتح كتاباً في ذات المقهى ثم لا اقرأ منه شيئاً، فقط التقط له صوراً مع قهوتي من زوايا وصفحات متعددة ثم أضعه في حسابي في انستجرام ليعتقد المتابعون أني قارئة نهمة ثم يثقون بكل ما أقوله بعدها لهم من فلسفة وتنظير في مختلف الأمور التي تتداول في منصات التواصل الاجتماعي.

أضافت بحسرة: لأكن واقعية أكثر يا صديقتي أريد أن لا أترك طفلي كل يوم عند العاملة المنزلية مضطرة للحاق بالبصمة في جهة عملي بعد أن أكون قد جهزت أطفالي للذهاب للمدرسة وأوصلتهم لمدارسهم في طريقي للعمل وكل ذلك يحدث قبل الساعة السابعة والنصف صباحاً.

أرغب في لا أضطر للتعامل مع مديرتي التي تغار مني لأني سبقتها في الزواج رغم أنها تكبرني بعقود و لم يخطبها أحد ، أريد أن لا تجبرني الظروف في أن أتحمل تعاملها السيئ فقط لأني أحتاج للعمل وراتب زوجي لا يكفينا للحياة ولو فاتحته في موضوع استقالتي ربما هددني بالطلاق ! أريد يا صديقتي أن لا أقضي عصريتي في حل الواجبات المنزلية لأطفالي، فيرتفع ضغطي من قلة استيعابهم لأن المدارس التي ينتظمون فيها مصرة أن تعتمد كثيراً على تعاون أولياء الأمور في التعليم ! أريد كذلك أن لا يعلو صوتي كل يوم وأنا أحاول أن أشرح للعاملة المنزلية طريقة طهو ذات الوجبة التي طبختها منذ أسبوع والتي نسيت طريقتها وتوجب علي تعليمها من جديد، وأرغب في أن لا أقلق من زوجي وهو يشاهد أغاني المطربات والممثلات الأكبر مني والمحافظات على بشرتهن وكأنهن في عمر الثامنة عشر ثم يأتي ليقارنني بهن وينعتني بالمهملة، أريد أيضاً أن أنتظم في ذهابي للنادي الرياضي الذي سجلت فيه عشرات المرات ولم أجد ولو ساعة في يومي للذهاب إليه من كثرة انشغالي بأطفالي، أريد وقتاً لنفسي لا أكون مسؤولة فيه عن إبهاج أحد إلا ذاتي ، وألا يكون في حياتي شيئاً مهماً غير لقاء صديقاتي في المقاهي المختلفة.

أريد أن لا أقلق على أطفالي وزوجي ومهام عملي والعاملة المنزلية وجارتي التي تختلق معي المشكلات في كل يوم بسبب كرة أطفالي التي تطير لساحة منزلهم مساء كل يوم وتوقع في طريقها بعضاً من ملابسهم المعلقة على حبل الغسيل ، أريد أن أرتاح من كل مسؤولياتي تجاه الآخرين، باختصار أريد أن أكون مسؤولة من أحدهم بدلاً من أشعر أني مسؤولة عن العالم بأسره بما في ذلك تغير المناخ في الكرة الأرضية!

كثير من النساء في مجتمعاتنا العربية يصلن لمرحلة تمني التنصل من كل مسؤولياتها رغم نجاحاتهن الأسرية والمهنية بعد أن ترهقهن جداً كثرة الأدوار التي يقمن بها في حياتهن دون تعاون في كثير من الأحيان، فالمرأة غالباً تقوم بدور الموظفة صباحاً أو مساءً بحسب طبيعة عملها ودور الزوجة والأم في كل وقت بكل ما يستهلكه هذا الدور من وقتها وجهدها وهي مطالبة بأن تقوم بكل تلك الأدوار دون أن تشتكي أو تتعب إضافة إلى ذلك كله ينبغي أن تحافظ على جمالها كي تبقى حسناء في نظر زوجها في ظل كل المغريات التي تحيط به في كل وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا تصحو من نومها يوماً وتجد زوجها قد تزوج عليها من أخرى ومبرره الجاهز أنها أهملته وكأن الاهتمام بكل تفاصيل حياتهما مسؤوليتها وحدها فقط.

ترهقها كل تلك المسؤوليات رغم أنها اختارتها بمفردها لكن كثرتها وتواصلها دون راحة تتعبها وتؤثر على صحتها الجسدية والنفسية فتتهاوى دون أن تشتكي كما تظهر أعراض الإرهاق على بشرتها فتترهل باكراً جداً وتضطر أن تغطيها بمستحضرات التجميل فلا تسلم من نعتها بالمتصابية ، ترى مشاهير قنوات التواصل الاجتماعي من النساء تحديداً ومقدار الراحة التي تعيشها كل منهن، فتقول : لماذا لا أكون مكانهن ولو لشهر ؟ تتصفح حساباتهن وتعجب بحياتهن السهلة ثم تغلق هاتفها بحسرة و تمضي في حياتها وجميع من حولها يتجاذبها نحوه ، لتجدها تصرخ بين فترة وأخرى وبدون مقدمات : أريد أن أصبح عالة، ولا يسمع صوتها أحد إلا نفسها قبل أن تعود مجدداً قانعة بدور المرأة الخارقة ذات الدوام الكلي الذي يمتد 24 ساعة في اليوم و365 وأحياناً 366 يوماً في العام!