أفكار وآراء

الحرب الباردة.. هل تعود بشكل جـــديد؟

01 مايو 2018
01 مايو 2018

عاطف الغمرى -

بعد فترة من المناقشات في مراكز ومنتديات الفكر السياسي في الولايات المتحدة وبريطانيا، على وجه الخصوص، حول سؤال محدد هو: هل تعود الحرب الباردة؟ .. ثم ما انتهت إليه المناقشات من أن ظروف العالم اليوم لا تتيح الفرصة لعودتها، خاصة على ضوء ظهور مخاطر جديدة تهدد الأمن القومي للجميع، بما يدفع من كانوا أعداء بالأمس، إلى البحث عن نوع من التوافق لمواجهة هذه المخاطر، ويحول دون عودة الحرب الباردة.

لكن ظهرت مؤخرا تطورات دفعت إلى إعادة طرح هذا السؤال بصورة معدلة وهو: هل نحن على أعتاب عصر، يشهد مزيجا من مظاهر حرب باردة، في مناخ من التنافس على اكتساب النفوذ في مناطق العالم الإقليمية؟.

إن ما دفع إلى طرح هذا التصور ما ظهر من إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي في الولايات المتحدة، عقب إعلان إستراتيجية الدفاع الوطني للرئيس ترامب، في بداية عام 2018، والتي تضمنتها وثيقة البنتاجون، في إشارة صريحة إلى أن الإرهاب لم يعد الشغل الشاغل الرئيسي للأمن القومي للولايات المتحدة، لكن تسبقه المنافسة الإستراتيجية بين قوى كبرى في العالم. ويأتي هذا التحول بعد سنوات من تصدر مواجهة الإرهاب قمة التحديات للأمن القومي الأمريكي، منذ أن ركزت عليه إستراتيجية بوش الابن الذي أعلن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أن أمريكا أصبحت في زمن حرب. ثم تواصل تبني هذا المفهوم إثر تمدد الإرهاب من المناطق التي تم زرعه فيها، ليصل إلى دول الغرب في أوربا والولايات المتحدة، وهو ما أسفر عن قيام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في عهد أوباما، ثم تأكيد هذا المعنى بصورة أكثر وضوحا مع إعلان ترامب منذ توليه الرئاسة، أن الحرب على الإرهاب تتصدر أولوية اهتمامات سياسته الخارجية، وإنه يمثل التهديد الرئيسي للأمن القومي.

لكن – لما كان السعي إلى تأكيد واكتساب النفوذ على المستوى العالمي، في عصر اتسم بالتنافسية، في تصاعد شديد في الفترة الأخيرة، إزاء ما تراه الولايات المتحدة من تمدد للدور الروسي إلى مناطق إقليمية في العالم، خاصة بعد دوره العسكري في سوريا، وسعي بوتين لاستعادة النفوذ القديم للاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى الصعود المتسارع للصين استراتيجيا، من بعد قفزتها الاقتصادية، ومزاحمتها للنفوذ الأمريكي التقليدي في آسيا والمحيط الهادي، وما اتفقت عليه مؤسسات أمريكية لها ثقلها مثل البنتاجون، ووكالات المخابرات، من أن الصين يمكن أن تصل إلى مركز التعادل مع القوة الأمريكية بحلول عام 2020. وهو ما كان قد أشار إليه مستشار الأمن القومي الأسبق زبجنيو بريجنسكى وهو يتساءل: ما الذي سيحدث إذا هبطت مكانة أمريكا كقيادة للعالم؟. وهل يمكن أن تملأ الصين الفراغ الذي تتركه أمريكا بحلول عام 2025؟.

من ثم عاد حديث المنافسة الإستراتيجية يطغى على تقديرات الخبراء السياسيين والعسكريين، متضمنا إشارات عن عودة الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى الرئيسية، في تطور مثير في الشئون العالمية، وهو ما يفتح الباب أمام فترة من التحولات الإستراتيجية على الجانبين المتنافسين – أمريكا والغرب من ناحية، وروسيا والصين من الناحية الأخرى.

ولما كانت تقديرات الخبراء، ترى أن الأوضاع الحالية والمتغيرة في العالم، ليست مواتية لعودة الحرب الباردة بصورتها القديمة، فإن ذلك قد لا يمنع من بدء مرحلة من التغير في المواجهات بين هذه القوى، بحيث لا تتخذ شكل العداوات الصريحة القديمة، وإن كانت لن تخلو من التوترات، وذلك إذا ما استقر الأمر لدى واضعي هذه الإستراتيجية على إزاحة التهديد المشترك وهو الإرهاب الذي كان يجمع هذه الدول معا على اختلافها لصالح متطلبات المنافسة الإستراتيجية.