Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ .. هل أصبحنا مواطنين عالميين؟

01 مايو 2018
01 مايو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يتداول اليوم -أكثر من أي وقت مضى- مصطلح أو مفهوم «مواطنون عالميون» وهو مفهوم ناتج من ما تنتجه الحضارة الحديثة اليوم، التي تنشب أظفارها في كل جسد وزاوية، وتأتي الثورة الاتصالية، التي تتوغل شيئا فشيئا في جسد البنية الإنسانية، لتضيف بعدا كميا ونوعيا في «مواطنون عالميون» كان قبل زمن قريب يشار إلى مصطلح «العالمية» على الذين انجزوا قدرا متحققا؛ في أي مجال؛ على مستوى العالم، ومعنى ذلك أن العالمية كانت محصورة في عدد قليل من الناس، واقتصر أكثر على الدول ذات البعد الحضاري المتقدم، أما الدول المتأخرة عن ركب الحضارة، فإنه من النادر أن يتميز بها فرد ما، ليصل إلى العالمية، ومع ذلك كانت هناك انفراجات في هذا الاتجاه، ولكن ليس بالكم الذي يكون عليه الحال في الدول المتقدمة، لاعتبارات كثيرة.

في عالمنا اليوم، يندر، أن لا يكون هناك من لم يسافر ولو لمرتين أو ثلاث؛ في حياته؛ إلى بلدان كثيرة في العالم، والكثيرون من طافوا بلدان العالم كلها، إلا استثناءات قليلة جدا، لظروف سياسية، ربما تكون، أما بخلاف ذلك فهناك من كرر سفراته وتجواله، وكان له موطئ قدم هنا أو هناك، وبالقدر نفسه هناك من أتى إلى بلدان الطرف الأول من مختلف بقاع العالم لذات الأسباب: السياحة، والتجارة، والاستثمار، والعلاج، وزيارة الأصدقاء، وزيارة الأبناء في حالات الدراسة، والأمثلة تكثر.

هذه المبادلات في الأسفار هي التي منحت كل الناس أن يكونون عالميين، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتكرس هذه العالمية في نفوس الناس، وفي اشتغالات حياتهم اليومية، فعقد مؤتمر ما ليس شرطا أن يحضر كل الأعضاء إلى قاعة المؤتمر، فيكفي أن يكون هناك اتصال مباشر من أي بقعة في العالم ليكون هذا المشارك أو ذاك حاضرا ومشاركا في فعاليات هذا المؤتمر أو ذاك، وما نراه من اتصال مباشر تجريه القنوات الفضائية للتعليق على مجريات الأحداث من كل بقاع العالم يعبر عن هذا التقارب العالمي للأفراد، ومشاركتهم المعرفية والإنسانية، والوجدانية في مجريات الأحداث في أية بقعة من بقاع العالم.

عندما نحضر مهرجانا ما من مهرجانات الشعوب، فإننا نشاركهم عاداتهم وتقاليدهم وفنونهم، وهم في المقابل يقومون بذات الفعل، فالكل مشترك ومنصهر في الآخر، ومنها تتسلل الأفكار والرؤى لتكون عند شعب آخر بعد فترة، وفق رؤيته ومنظوره، فالمهم هنا أن يكون العالم الآخر حاضرا معك، وأنت حاضر معه، وهو حضور يتسلل هكذا بلا بتكلف، وبلا زيادة في الأعباء المادية والمعنوية، وما الشركات متعددة الجنسية عنا ببعيد، وما شركات الوجبات السريعة إلا أحد الأمثلة الحاضرة لهذا الشركات؛ حيث تجد علاماتها التجارية في الدول الغنية وفي الدول ذات الفقر المدقع على حد سواء، وما تقليعات الموضة بأشكالها وأنواعها، وتنوعها، إلا صورة ماثلة لهذه العالمية التي يتم الحديث عنها.

البعض ينظر إلى هذه العالمية على أنها «غزو ثقافي» والبعض يتعامل معها من باب التلاقح والتمازج والاندماج، والبعض يرى فيها امتدادا لحضارة وجدت لتنمو وتستمر، والبعض يتعامل معها بكل أريحية، ويرى فيها مساحة أكبر للرؤية البصرية والمعرفية، والبعض الآخر لا يزال يتراجع خوفا من افتتانها له في أمر ما، وخامس يعيشها بكل تفاصيلها، فالقناعة عنده «عالمية» والعالمية هنا تذهب أكثر إلى التخلص من مفهوم الـ«قطب الواحد» حتى وإن تراء للبعض أن هذا مفهوم «قطب الواحد» باق في جانبه السياسي البحت، فحتى هذا الجانب متصدع اليوم، والأحداث اليومية التي نعيشها على امتداد العالم تؤكد هذه الحقيقة.

على ما يبدو؛ ووفق هذه الرؤية؛ نحن مواطنون عالميون بامتياز، نعيش كل يوم في كل القارات بلا استثناء، ونتحاور مع كل الشعوب بلا تكلف، نعايش كل أحداث العالم في مشرقه ومغربه من تحت سماء أوطاننا، إذن فماذا بقي حائلا دون تحقق المواطنة العالمية، ربما خصوصية الهوية الوطنية التي يحملها كل فرد-جواز سفر أو بطاقة شخصية ـ لتحديد الجنسية، فقط.