1322677
1322677
تقارير

اللعب بالنار .. اتفــاق إيـران وارتفـاع سـعر النفط

30 أبريل 2018
30 أبريل 2018

إد كرُوكْس – الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

يكره جيري فلوري ارتفاع أسعار النفط. يملك فلوري مع شريك آخر شركة عائلية صغيرة تدير سلسلة محطات وقود بها محلات تَبَضُّع صغيرة وذلك على بعد 40 ميلا شمال نيويورك. يقول فلوري عندما ترتفع الأسعار يبحث الزبائن عن جهة ما لإلقاء اللوم عليها. أما الجهات التي يلومونها الآن فتشمل الكونجرس وحرب العراق وتجار التجزئة (بائعي منتجات النفط النهائية كالوقود.) يقول ان الناس يسخطون فقط. ويضيف “أنا دائما أتعاطف مع زبائننا، فهم يسافرون، والزيادة في الأسعار تؤذي محافظ نقودهم، وهم بحاجة إلى المال عندما يبعثون بأبنائهم للدراسة الجامعية، هذا وضع صعب.”

وقود محلي أغلى – انكماش عالمي محتمل

ارتفع متوسط سعر جالون البنزين (4 لترات تقريبا) في ولاية نيويورك بأكثر قليلا عن دولارين في أوائل عام 2016 إلى أقل قليلا من ثلاثة دولارات في الوقت الحاضر، كما بدأ النفط أيضا في مَسِّ العصب الحي في البيت الأبيض، حسبما اتضح من تغريدة الرئيس دونالد ترامب مؤخرا والتي جاء فيها “يبدو أن أوبك تفعلها مرة أخرى. أسعار النفط مرتفعة جدا بطريقة مصطنعة! هذا (الوضع) ليس جيدا ولن يكون مقبولا!” وصل سعر خام برنت القياسي هذا الشهر إلى 75 دولارا للبرميل لأول مرة منذ 2014. وشكل الارتفاع في أسعار النفط الذي بلغت نسبته 65% منذ يونيو الماضي أحد ملامح الاقتصاد الدولي الأكثر إثارة. وربما سيلعب دورا في عام انتخابي هام للولايات المتحدة أيضا. لقد نتج انتعاش الأسعار في سوق النفط جزئيا عن الأداء القوي للاقتصادات الرئيسية في العالم والذي قال عنه موريس أوبستفيلد كبير الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي انه “صار أكثر اتساعا ومتانة.” كما يعكس هذا الارتفاع في جزء منه القيود التي فرضتها أوبك وبلدان رئيسية أخرى منتجة للنفط على حجم الإمدادات (عرض النفط.) ولكنه يمكن أيضا أن يكون نذيرا بالمخاطر الجيوسياسية التي تكتنف الأجواء وأهمها تهديد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الدولي المتعلق ببرنامج إيران النووي. لقد أبان الرئيس الأمريكي بوضوح هذا الشهر أنه لا يحب هذا الاتفاق واصفا إياه “بغير المعقول والعبثي” وقال لم يكن ينبغي عقده “أبدا ومطلقا.” وإذا استمر سعر النفط في الارتفاع فسيزيد من المخاطر التي يمكن أن تواجه الاقتصاد العالمي. وهذا بدوره سيكون موضوعا حساسا على وجه خاص لترامب في وقت يشهد مواجهة حزبه لانتخابات نصف الفترة الرئاسية (للكونجرس في 9 نوفمبر) ثم بعد ذلك شروعه هو نفسه في حملة إعادة انتخابه. يقول فيليب فيرليجر، وهو اقتصادي مختص بالنفط “ نحن ندخل في صدمة أسعار نفطية أخرى. إذا تجاوزت الأسعار 100 دولار للبرميل سيتعزز بشدة احتمال حدوث انكماش ( في اقتصاد العالم).”

فوائد ومضار ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة

وبالنسبة للولايات المتحدة، ثاني أكبر منتج لخام النفط في العالم وأكبر مستهلك له، سيكون لارتفاع أسعار النفط جوانبه الإيجابية والسلبية على السواء. فالسعر المرتفع لا يعني بالضرورة نموا اقتصاديا أقل لكنه يعني حقا إعادة توزيع القوة الشرائية (بتحويلها) من سائقي السيارات الأمريكيين إلى العاملين والمستثمرين في صناعة النفط الصخري المزدهرة بولايتي تكساس وكارولينا الشمالية. وبالنسبة لشركات المواد الاستهلاكية وكذلك الساسة الذين يتطلعون إلى انتخابات نصف الفترة الرئاسية يعني ارتفاع أسعار النفط مستقبلا يدعو إلى الإحساس بالقلق. أما من ينتمون إلى الشريحة التي تشكل نسبة الـ 40% من الأمريكيين في أدنى سلم توزيع الدخل فقد فاق متوسط ما خسروه بسبب ارتفاع تكلفة الوقود منذ عام 2016 ما استفادوه من التخفيضات الضريبية التي أجازها الكونجرس في نهاية العام الماضي. يقول جيف لينارد بالرابطة الوطنية لمحلات التسوق الصغيرة “العشرون دولارا التي كانت تنفق لسداد ثمن وجبة الفطور وإعادة تعبئة خزان السيارة تكفي الآن فقط لشراء الوقود. هذا مثار إحباط شديد للناس. فهم لايمكنهم أن يفعلوا أي شيء بشأن سعر الوقود.” كما يؤذي ارتفاع سعر النفط الخام الشركات الكبيرة أيضا. فشركة جوديير للإطارات والمطاط ذكرت الأربعاء الماضي أن أرباحها في الربع الأول من هذا العام انخفضت بنسبة 53% وذلك أساسا بسبب ارتفاع تكلفة موادها الخام التي ترتكز على النفط. وحذرت مجموعة المنتجات الصناعية والاستهلاكية (ثري إم) يوم الثلاثاء الماضي من أن تكاليف موادها الخام المستمدة من النفط أيضا بالإضافة إلى تكاليف النقل واللوجستيات ترتفع بأكثر من المتوقع. وتخطط الشركة لتحويل هذه التكاليف الى المستهلكين (تحميلها لهم) برفع أسعار منتجاتها. أما أثر الأسعار المرتفعة للنفط على الاقتصاد العالمي فيعتمد إلى حد كبير على سببه. فالطلب المتزايد على النفط يعكس ازدهاره. ولكن يمكن أن يهدد ارتفاع الأسعار بسبب القيود المفروضة على الإمدادات النمو الذي يحققه هذا الاقتصاد.

سببان لارتفاع سعر النفط

الزيادة الأخيرة التي شهدها سعر النفط نتجت عن اقتران عاملين أحدهما قوة الطلب. فوكالة الطاقة الدولية وهي جهاز مراقبة سوق النفط الذي تدعمه البلدان المستهلكة تتوقع ارتفاع استهلاك العالم من النفط بحوالي 1.5 مليون برميل في اليوم إلى 99.3 برميل في اليوم هذا العام. لكن هناك أيضا الانقطاعات التي تحدث في الإمدادات. وأهم عامل وراءها أوبك التي أكد ترامب على دورها. فسعر النفط كان قد واصل تراجعه إلى أقل من 30 دولارا للبرميل بعد أن امتنعت أوبك عن دعمه (بخفض انتاجها) عام 2014. ثم بدأ السعر في التعافي بعد موافقة معظم أعضائها إلى جانب “تحالف المنتجين الراغبين في الخفض” من خارج أوبك بما فيهم روسيا والمكسيك وكازاخستان على خفض الإنتاج بحوالي 1.8 مليون برميل في اليوم في نهاية عام 2016. ويبدو أن ذلك المسعى كان ناجحا بدرجة عالية. فقد لاحظت وكالة الطاقة الدولية هذا الشهر (أبريل) أن أوبك توشك على الإعلان عن “ إنجاز المهمة.” (تحقيقها لهدفها من خفض إنتاجها وهو ارتفاع سعر النفط إلى المستوى الذي يرضيها- المترجم.) ساعد أوبك على بلوغ هذا الهدف عامل آخر. فقد تمكنت المنظمة من الالتزام بقيود الإنتاج جزئيا بفضل الفوضى التي ضربت الصناعة النفطية في فنزويلا نتيجة لسوء الإدارة واحتدام أزمتها المالية. وفي الأسبوع الماضي قال بال كيبسجارد، الرئيس التنفيذي لشركة شلمبيرجر، وهي أكبر مجموعة تتولى تقديم خدمات حقول النفط في العالم: ان إنتاج فنزويلا في حالة “ هبوط حر” بعد أن تدهور بنسبة 34 % في العامين الأخيرين. كما فاق تراجع الإنتاج أيضا حصص الخفض المتفق عليها في بلدان منتجة أخرى من أعضاء أوبك بما في ذلك أنجولا والجزائر. ويشهد الإنتاج في غير أعضائها من النرويج إلى الصين هبوطا أيضا كنتيجة للتدهور الطبيعي في كميات النفط المستخرجة من الحقول الناضبة. لقد كان من المتوقع على نطاق واسع أن يسد الإنتاجُ في حقول النفط الصخري الأمريكي الفجوة (بين العرض والطلب) حين ترتفع الأسعار إلى مستوياتها الحالية. لكن الأمور لم تمض على هذا النحو. حقا يزداد إنتاج النفط الأمريكي بوتيرة سريعة. وتتوقع أوبك إضافة حوالي 1.5 مليون برميل في اليوم إلى الإنتاج العالمي هذا العام أو ما يساوي تقريبا كل الزيادة التي سيشهدها الاستهلاك العالمي للنفط، كما عززت أسعار النفط المرتفعة من موقف صناعة استخراج النفط الصخري التي يبدو أنها تحقق أرباحا صافية لأول مرة منذ مولدها قبل عشرة أعوام. لكن الولايات المتحدة لا تستطيع سَدَّ كل النقص في الإمدادات في باقي العالم، أحد أسباب ذلك القيود اللوجستية، فازدهار النفط الأمريكي يتركز في منطقة الحوض البيرمي بولايتي تكساس ونيو مكسيكو. وبلغ الضخ طاقته القصوى في خطوط الأنابيب التي تنقل النفط إلى معامل التكرير (مصافي النفط) أو منصات التصدير ولم يعد لديها متسع لنقل المزيد بنهاية العام الماضي. لذلك عاد المنتجون الى استخدام الشاحنات لترحيل نفطهم الخام إلى الأسواق. وهي وسيلة نقل غير كفؤة ومكلفة خصوصا مع نقص أعداد السائقين الذين باتوا يحصلون على رواتب تصل إلى 100 ألف دولار أو أكثر في العام. ومن المتوقع أن تغطي السعة الجديدة لخطوط الأنابيب سواء المخططة أو تلك التي يجري إنشاؤها في ولاية تكساس فجوة كبيرة في نقل النفط . ولكنها لن تكون جاهزة للاستخدام قبل النصف الثاني من العام القادم، بحسب جون زانر من مجموعة أبحاث الطاقة (آر بي إن إنيرجي.)

أثر قرار ترامب على سوق النفط

تأسيسا على هذه الخلفية يمكن أن يكون لقرار ترامب بشأن اتفاق إيران أثر كبير على سوق النفط. لقد حدد الرئيس ترامب يوم 12 مايو كموعد نهائي كي يقرر إما الاستمرار في الالتزام بالإتفاق الذي وقعه باراك أوباما عام 2015 أو التخلي عنه. وهنالك عدة جوانب غير معلومة حول النتائج التي ستترتب على قرار التخلي عن الاتفاق بما في ذلك نوع العقوبات التي قد تفرضها الولايات المتحدة مرة أخرى وردود أفعال البلدان الأخرى. من الممكن أن بلدانا تؤيد الاتفاق مثل الصين ستستمر في شراء النفط الإيراني حتى إذا انسحبت الولايات المتحدة منه. وهو ما سيعني احتمال أن يكون أثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق على السوق أخف وطأة. يقدر ريتشارد نيفيو بمركز سياسات الطاقة الدولية في جامعة كولومبيا والمسؤول السابق في إدارة أوباما أن انسحاب الولايات المتحدة قد يقلص صادرات إيران بحوالي 500 ألف برميل فقط في اليوم. وبذلك سيكون أثره أقل كثيرا من أثر العقوبات في أثناء فترة تطبيقها قبل الاتفاق. لكن العقوبات ستنحو، بالقدر الذي تنطوي عليه من فعالية، إلى دفع أسعار النفط إلى أعلى.كما سيطرح الانسحاب أيضا سؤالا حول ما سيحدث بعد ذلك. هل ستعقبه فترة تصاعد في التوتر وربما حتى صراع عسكري ؟ وفي الغالب ستشكل مثل هذه التطورات (المحتملة) أسبابا إضافية لارتفاع أسعار النفط. هذا هو السياق الذي تتموضع فيه تغريدة ترامب، حسبما يرى أنس الحجي، وهو محلل نفط مقيم في تكساس. يشرح الحجي ذلك بقوله “ يريد كثير من الناس بقاء الاتفاق الإيراني. وإذا انسحبت الولايات المتحدة وارتفعت أسعار النفط سيلومون ترامب على ذلك. ويقول ترامب من جانبه “لست أنا الذي رفع الأسعار. إنها أوبك.” وفي حال أدى الانسحاب من الاتفاق الإيراني إلى رفع أسعار النفط حقا لن تكون لدى الإدارة الأمريكية “روافع نفوذ” فعالة لخفضها مرة أخرى. وفي الأسبوع الماضي، استبعد دان برُويِيَت، نائب وزير الطاقة الأمريكي احتمال ضخ الولايات المتحدة النفط من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لتهدئة السوق. وقال على هامش قمة كولومبيا الدولية للطاقة في نيويورك: “ ليس واردا في تفكيرنا حقا أن نفعل ذلك.”(الاحتياطي النفطي الإستراتيجي بدأت وزارة الطاقة الأمريكية في تخزينه عقب المقاطعة النفطية العربية في عام 1973 وذلك لاستخدامه في أوقات الطوارئ والأزمات. وتحتفظ به في أربعة مواقع في جوف الأرض بطاقة إجمالية قصوى تبلغ 727 مليون برميل وصلها أول مرة في ديسمبر 2009. يغطي الاحتياطي واردات أربعة شهور بمعدل ضخ يومي للسوق يصل إلى 4.4 مليون برميل - المترجم.) وطالما استمرت حالة البلبلة الراهنة حول موقف الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني ستظل هنالك في الغالب علاوة مخاطرة في السوق مما سيبقي الأسعار عند مستوى أعلى. وهذا شيء يثير القلق حتى لدى بعض منتجي النفط، حسب قولهم. فقد ذكر سكوت شيفيلد، رئيس مجلس إدارة بايونير ناتشورال ريسورسيس، إحدى شركات النفط الصخري الرئيسية، في مؤتمر كولومبيا الذي انعقد الأسبوع الماضي أن ارتفاع أسعار النفط يخفي مهددا في الأجل الطويل. يشرح ذلك بقوله “سنخسر الطلب (على النفط كمورد للطاقة) فهو (أي الطلب) سيتحول بقدر أكبر نحو الطاقة البديلة. وسيشتري المزيد من الناس السيارات الكهربائية. أعتقد أنه ليس في مصلحة أي أحد أن نشهد سعرا للنفط بين 70 دولارا إلى 80 دولارا للبرميل.” فذلك في الأجل الطويل سيعني خبرا غير سعيد لجيري فلوري وشريكه ومحطات وقودهما. يقول فلوري” كلما ارتفعت أسعار الوقود، كما هي الحال الآن، كلما اتجه المزيد من الناس إلى شراء السيارات الكهربائية. وهذا ليس مفيدا لتجارتنا.”