أفكار وآراء

لماذا ينتقد ترامب أوبك؟

29 أبريل 2018
29 أبريل 2018

كليفورد كراوس – نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

مع ارتفاع أسعار وقود السيارات في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له خلال ثلاثة أعوام، انتقد الرئيس ترامب بشدة أوبك يوم الجمعة (20 أبريل) معلنا أنها تتلاعب بالإمدادات دون مبرر لتحقيق مكاسب أنانية. وجاء في تغريدة ترامب « يبدو أن أوبك تفعلها مرة أخرى. أسعار النفط مرتفعة جدا بطريقة مصطنعة! هذا ليس جيدا. ولن يكون مقبولا.» أوبك كبش فداء يسهل استخدامه من قبل الساسة الأمريكيين. فقد ظلت موضع استهزاء القادة الأمريكيين منذ أن تسببت المقاطعة النفطية العربية في عام 1973 في تراص صفوف طويلة من السيارات عند مضخات الوقود وألحقت ضررا فادحا بالاقتصاد الأمريكي. لكن أوبك لاتملك اليوم نفس النفوذ الذي كان لديها يوما ما بفضل ارتفاع الانتاج في الولايات المتحدة وكندا وبلدان أخرى قليلة. وهي الآن عامل واحد فقط (من بين جملة عوامل) في رفع أسعار النفط التي تتأثر بكل شيء بدءا بالجغرافية السياسية وإلى الطلب المتزايد على وقود السيارات. ربما أن ترامب كان يشير (بتغريدته) إلى خفض أوبك لصادراتها بقصد رفع الأسعار. فالسعودية والمنتجون الآخرون للنفط في المنطقة عقدوا «تحالف مصلحة» مع روسيا. وهي ليست عضوا في أوبك وتعتمد بشدة على إيرادات النفط لتمويل نفقات حكومتها. وضعت هذه البلدان معا قيودا على الإنتاج بدأ تنفيذها منذ بداية عام 2017 مما قلص من حجم المخزونات العالمية. ويقول روب ويست، المحلل بشركة الأبحاث اللندنية ريدبيرن، «الأسعار مرتفعة.» ويضيف منوها بأن ترامب ربما لديه ما يحمله على انتقاد أوبك « أرى حقا نوعا من الاصطناع في الأسعار التي نشهدها اليوم.» حين اجتمع المنتجون من أوبك ومن خارج أوبك يوم الجمعة (20 ابريل) في جدة بالمملكة العربية السعودية، في مسعى منهم لمواصلة تطبيق سياستهم كان سعر خام برنت القياسي يرتفع إلى أكثر من 70 دولارا للبرميل. وقبل فترة ليست بالطويلة وبينما كانت الأسعار تتهاوى من أكثر من 100 دولار للبرميل في عام 2014 إلى أقل من 30 دولارا في أوائل 2016 استلزم المستوى المرتفع للمخزونات النفطية استخدام ناقلات النفط لتخزين الإمدادات الفائضة (في عرض البحر.) والآن وفيما يستمر تنامي إنتاج النفط الأمريكي تتدنى المخزونات النفطية على نطاق العالم مما يزيد من الضغط على الأسعار. وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الإمدادات العالمية انخفضت بحوالي 12 ألف برميل في اليوم في مارس الماضي. ان سعر النفط الخام عامل رئيسي وراء اضطرار سائقي السيارات الأمريكيين إلى دفع نقود أكثر عند مضخات الوقود مع اقتراب موسم قيادة السيارات الصيفي. لقد كان متوسط سعر جالون البنزين العادي (4 لتر تقريبا) يوم الجمعة الماضي 2.75 دولارا بحسب رابطة السيارات الأمريكية (تريبل أيه) مرتفعا بذلك بحوالى 19 سنتا عن سعره في مارس و33 سنتا عن العام الماضي. وهو أعلى سعر منذ صيف 2015. كانت الزيادة ملحوظة خصوصا مؤخرا في بعض الولايات الأمريكية حيث كان سعر الوقود يرتفع بأكثر من سنت للجالون في كل يوم. يستهلك الأمريكيون تقريبا 400 مليون جالون من البنزين في اليوم. لذلك تعني الزيادة التي شهدها سعره في العام الماضي (33 سنتا) سحب ما يقرب من 132مليون دولار في اليوم من جيوب المستهلكين. ويتأثر من ذلك بقدر أكبر الأمريكيون من طبقة العمال الذين يقودون في العادة سيارات أقدم عمرا وأقل كفاءة في استهلاك الوقود ويستهلكون نسبة أعلى من دخولهم على شرائه. يقول توم كلوزا، رئيس القسم الدولي لتحليل النفط بشركة خدمات معلومات أسعار النفط، أن هذا الارتفاع « يؤذي محافظ نقود ناخبي ترامب في الولايات غير المضمونة (المتأرجحة في تصويتها بين الجمهوريين والديمقراطيين) والذين يعيشون من راتب شهر إلى راتب شهر.» وتنبأ باستمرار الزيادة في أسعار الوقود بقدر طفيف. وربما أنها سترتفع إلى أعلى من 2.80 دولارا للجالون في الأسابيع القادمة، حسب قوله. من المحتمل أن تغريدة ترامب كان وراءها مستشاره الاقتصادي الجديد لاري كدلو الذي ظل منذ فترة طويلة يعتبر أسعار الوقود المتدنية محفزا مفيدا (للكسب الانتخابي.) ففي مقال نشره في موقع (سي إن بي سي) على الإنترنت عام 2014 جادل بأن أسعار النفط المنخفضة ستحقق وفورات للعائلات والشركات وتحرر أموالا إضافية يمكن للمستهلكين إنفاقها (في مجالات أخرى) وكتب في الموقع « كل هذه العوامل ستزيد من النمو الاقتصادي للولايات المتحدة ولن تقلل منه.» ومن جهة أخرى حذر محللو مصرف «دويتشه بنك» في ابريل من أن ارتفاع أسعار الوقود بدأ «يقضم» من مكاسب الدخل المتاح للإنفاق من التخفيضات الضريبية التي صادق على قانونها الرئيس ترامب أواخر العام الماضي. إن جزءا كبيرا من الزيادة الأخيرة في أسعار النفط يعود إلى التوترات العالمية (يرتبط بعضها بسياسات ترامب) والتي عززت من توقعات المستثمرين باحتمال ارتفاع أسعاره حتى بأعلى من مستواها الحالي. فانتاج النفط يتهاوى في فنزويلا وهي البلد الذي يملك أكبر احتياطيات نفطية. وقد تؤدي التوقعات بتصعيد العقوبات الأمريكية ضدها في الشهور القادمة إلى خفض المزيد من صادراتها. كما أثار التهديد بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران الشكوك في حجم صادراتها النفطية في المستقبل. وأضافت التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط إلى مخاوف المتعاملين في النفط المزيد من المخاوف. لقد ساعدت مضاعفة انتاج النفط الأمريكي في الأعوام الأخيرة والتي أدت إلى تنامي الصادرات وتدني الواردات في استقرار سوق النفط وحالت دون حدوث ارتفاعات كبيرة في الأسعار. لكن يشكل انتاج الولايات المتحدة فقط ما يزيد قليلا عن 10% من إجمالي النفط الذي ينتج حول العالم والذي يبلغ 98 مليون برميل في اليوم. كما توجد حدود لنموه ( نمو الإنتاج الأمريكي.) ومن الممكن أن يبطئ النقص في سعة خطوط أنابيب النفط والغاز في تكساس من وتيرة الإنتاج خلال العامين القادمين. إضافة إلى ذلك تقترب مصافي النفط الأمريكية المصممة عموما لتكرير النفط الثقيل إلى مرحلة التشبع فيما يخص تكرير النفط الصخري الخفيف الذي ينتج في ولايتي تكساس وداكوتا الشمالية. رغما عن ذلك لايوجد شك في تأثير قيود الإنتاج المنسقة التي يتولي قيادة جهود تطبيقها كبار المنتجين على ارتفاع سعر النفط. وليس واضحا أن الاتفاق النفطي سيتم تمديده إلى ما بعد نهاية هذا العام. لكن يبدو أن السعوديين يفضلون ذلك. ففي بيان يوم الجمعة (20 ابريل) مدحت أوبك مستوى «الإلتزام العالي» بالتخفيضات. لكنها أشارت ضمنا إلى الحاجة لاستمرار القيود قائلة أن « المخزونات التجارية لاتزال فوق المستويات التي كانت سائدة قبل تراجع سوق النفط.»