أفكار وآراء

تداعيات سلبية .. تحول دون « موت القضية » !!؟

29 أبريل 2018
29 أبريل 2018

عماد عريان -

,, تعددت ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة للهمجية الإسرائيلية في التعامل مع إحياء الفلسطينيين لذكرى يوم الأرض، إلا أنها جميعا لم تتجاوز حدود الردود التقليدية والنمطية التي لا تغير كثيرا في طبيعة المشهد ولا ترتب أي مسؤوليات سياسية أو قانونية ملزمة على الطرف الإسرائيلي ,,

لا التباس ولا غموض على الإطلاق في الكلمات الواردة في عنوان هذا التحليل، فالثمن الباهظ الذي يدفعه الفلسطينيون من أرواحهم وممتلكاتهم وأمنهم واستقرارهم نتيجة للعنف الصهيوني غير المبرر في مواجهة إحياء الفلسطينيين لذكرى يوم الأرض يعد بالفعل من التداعيات السلبية ، التي لا تؤتي ثمارا يانعة من أي نوع، فقد تعاملت أطراف دولية عديدة وربما أخرى إقليمية أيضا - مع الأسف الشديد - مع الحراك الفلسطيني الأخير باعتباره تصعيدا لا يتناسب مع الظروف الزمانية والمكانية التي تمر بها المنطقة والقضية الفلسطينية على حد سواء، ما يعني أن الفلسطينيين كانوا مطالبين وفقا لتلك التوجهات بتجنب التصعيد وعدم استفزاز الجانب الإسرائيلي حرصا على حياة الأبرياء من أبناء الشعب الأعزل، وقد يكون في هذا الرأي شيء من المنطق والعقلانية/‏ إلا أن هذه التداعيات السلبية في كثير من المرات لا فكاك منها كونها الضامن الأكبر لاستمرار حيوية القضية الفلسطينية وعدم نسيانها وتجمدها على أرفف الهيئات الدولية والأطراف المعنية، فدماء الشهداء تبقى دائما وقود النضال المتواصل للحيلولة دون موت القضية.

ويمكن في هذا السياق رصد مجموعة من الأصوات الغاضبة مثل جامعة الدول العربية التي طالبت في اجتماعها الطارئ مجلس الأمن بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في سفك الاحتلال الإسرائيلي دماء المتظاهرين الفلسطينيين السلميين المشاركين في«مسيرة العودة الكبري» التي نظمها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بمناسبة يوم الأرض، محذرة على لسان أمينها العام من أنه إذا استمر مجلس الأمن في فشله الحالي فإن اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون مطروحا فيما يتعلق بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث ٣١ مارس الماضي، وكذلك أصوات دولية وأممية أخرى حذرت من مخاطر التصعيد وتداعياته في المنطقة، إضافة إلى مظاهرة خرجت في تل أبيب تحت شعار «اخلق أملا وأوقف الحرب القادمة» وشهدت هتافات « لا للاحتلال» وفي غزة وسديروت، البنات الصغيرات يردن البقاء على قيد الحياة»، على حد تأكيد تقارير صحفية، في حين انتقد عضو مجلس الشيوخ الأمريكي المخضرم بيرنى ساندرز أعمال العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المشاركين في المظاهرات السلمية في قطاع غزة متهما إسرائيل باتخاذ رد فعل مبالغ فيه ضد المتظاهرين السلميين ، واصفا مقتل الفلسطينيين برصاص القوات الاسرائيلية بأنه يمثل مأساة.

ويرى العضو الأمريكي أن من حق جميع الأشخاص أن يتظاهروا من أجل الحصول على مستقبل أفضل دون أن يتم الرد عليهم بعنف وأن الموقف في غزة مازال يمثل كارثة إنسانية ويتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دورا أكثر إيجابية لإنهاء حصار غزة وأن تساعد الفلسطينيين والإسرائيليين على خلق مستقبل أفضل للجميع، إلا أن صحيفة « واشنطن بوست» الأمريكية كانت أكثر واقعية بتأكيدها أن إسرائيل لا تخشى من التكلفة السياسية القليلة التي سترتد عليها في حال قتلت المزيد من الفلسطينيين كما فعلت في مواجهات غزة، وأن إدارة ترامب ساعدت في إثارة الغضب الفلسطيني بعد قرار نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، ومن ثم لم يعد بإمكان الفلسطينيين الوثوق في واشنطن بعد هذا القرار ولم تعد بالنسبة لهم وسيطا عادلا في عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة وأن الطريقة التي ردت بها إسرائيل على هذه الاحتجاجات قد تكون بمناسبة إشارة تحذيرية، مضيفة أن «إسرائيل تهدد بإمكانية إراقة المزيد من الدماء في المستقبل في حال استمر هذا التصعيد»، ولاشك في أن تلك الكلمات تعكس الشيء الكثير من حقيقة المشهد ؛ ثمن باهظ يدفعه الفلسطينيون بينما ردود الفعل مجرد «برو عتب» أو «إبراء ذمة»!

أما رسالة الحراك الفلسطيني الشجاع في يوم الأرض إلى الفلسطينيين، فتكمن في تأكيدها بما يدع مجالا للشك، على أن الإرادة الفلسطينية لن تنكسر مهما كانت الضغوط ، وأن الحق الفلسطيني لن يضيع مهما كانت محاولات تضييعه أو تبديده أو التآمر من أجل إهداره، وأنه لا يزال بين ظهراني الشعب الفلسطيني جيل من المناضلين الشرفاء الذين يجب إفساح المجال أمامهم للمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس مستقبل قضيتهم، الأمر الذي من شأنه أن يفرض على القيادات الفلسطينية التقليدية ، التي احتكرت طيلة عقود خيوط إدارة الملف الفلسطيني ، سواء على الصعيد الفلسطيني الداخلي، أو على مستوى المحافل الدولية والمنصات الإقليمية، أن يتخلوا عن الحسابات الجهوية والشخصية والاعتبارات الحركية، وأن يتحرروا من ربقة الخلافات والصراعات التي بلغت حد تدبير المؤامرات والاغتيالات ضد بعضهم البعض،وهو ما يصب في مصلحة العدو المحتل مثلما مهد السبيل أمام شبح صفقة القرن التي استمدت قوتها من التدهور الفلسطيني وعدم اكتراث العديد من القوى العربية بالقضية الأم وزيادة وتيرة الصراعات في المنطقة، وتحول علاقات القوة الإقليمية بكل ما استتبعه ذلك من تبدل مفاهيم العدو والصديق وفقا لاعتبارات ومعطيات مغايرة.

علاوة على ما سبق يمكن القول إن الحراك الثاني والأربعين لذكرى«يوم الأرض»قد أسهم بشكل مباشر في توثيق وتدعيم وحدة الصف الفلسطيني بالداخل على المستوى الجماهيري، وتحويل النضال الشعبي إلى نضال وطني جامع بعد أن كان في العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا يحركه أشخاص، أو مجموعات محدودة،وكان لافتا هذا العام أنها كانت المرة الأولى التي ينظم فيها العرب داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 احتجاجات على السياسات الإسرائيلية، التي تصر على التهام الأراضي الفلسطينية، بصفة جماعية وطنية فلسطينية، فقد انطلقت فعاليات يوم الأرض للمرة الأولى في عام 1976 ردا من فلسطينيي 1948 على قيام إسرائيل بمصادرة الآلاف من الدونمات من أراضيهم في الجليل والنقب وقتئذ، وقد جوبه المتظاهرون برصاص قوات الاحتلال، رغم أنهم من مواطني إسرائيل كما هو مفترض.

ومن ثم تحولت هذه المناسبة من مناسبة محلية تخص عرب 1948 إلى يوم وطني فلسطيني يعيد الفلسطينيون إحياء ذكراه سنويا في مناطق 48 وفي الضفة والقطاع، تأكيدا من الفلسطينيين على كونهم شعبا واحدا وأن قضيتهم واحدة، ورغم مرور 42 عاما على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو أراضي 48 الذين أصبح عددهم أكثرمن1.3 مليون نسمة ، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948 ولا تعترف إسرائيل بمكانتهم القانونية وفقا لقانون «الغائب الحاضر» العنصري، من الاحتفال «بيوم الأرض » الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وانعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم منذ نكبة 1948، تأكيدا منهم على التشبث بوطنهم وأرضهم، فما بين الفينة والأخرى تنظم مسيرات واعتصامات لعودة هؤلاء إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها لإعادة إعمارها.

فقد أشار الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين ، إلى وصول عدد القرى والبلدات التي تم اغتصابها وتدميرها إلى 400 قرية وبلدة، كما يصر الاحتلال الإسرائيلي على استغلال أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27,000 كيلومتر مربع حيث لم يتبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% من مساحة الأراضي فقط ، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية، واستعرض الإحصاء في بيان،عشية الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض، أبرز المعطيات المتعلقة بالأراضي الفلسطينية ، موضحا أن 40% من مساحة الضفة الغربية تم تحويلها لأراضي دولة من قبل سلطات الاحتلال.

وفي رد بليغ منهم على انتهاكات إسرائيل وتواطؤ واشنطن والدول الغربية مع تلك الانتهاكات والخروقات في يوم الأرض ، فضلا عن تواضع رد الفعل العربي الرسمى ، عزم الفلسطينيون على مواصلة نضالهم وتحدي غطرسة الاحتلال وخذلان المجتمع الدولى، حيث أطلقوا الدعوات في غزة والضفة الغربية وفي أوساط عرب 48، إلى مواصلة التظاهر حتى يوم 15 مايو المقبل، والذي يتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية، كما يواكب اليوم الذي تتطلع فيه إدارة ترامب إلى نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، في اعتراف أمريكي علني وصريح وغير قانوني بسيادة إسرائيل على المدينة المقدسة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم القانونية والتاريخية فيها، فإلى جانب تأكيد التمسك بالأرض والإصرار على استرداد كافة الحقوق المغتصبة، يتطلع الفلسطينيون إلى تكثيف المطالبة بتفعيل حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها، علاوة على المطالبة برفع الحصار الإسرائيلي الجائر عن قطاع غزة.