أفكار وآراء

«النيباد » الإفريقية وطموح التبادل القاري الحر

29 أبريل 2018
29 أبريل 2018

مختار بوروينة  -

[email protected] -

أقدمت القارة السمراء في القمة الاستثنائية ، كيغالي برواندا ، التي عقدت مؤخرا ، على خطوة جديدة من أجل الاندماج الاقتصادي عبر الإطلاق الرسمي لمنطقة التبادل الحر (زلاك) وفقا لمطلبات التنمية وطبقا للقرارات الأخيرة لقمة الاتحاد الأفريقي ، وفي واحد من أهم ثلاثة مشاريع في أجندة 2063، تتمثل في مشروع بروتوكول حرية تنقل الأشخاص وجواز السفر الأفريقي، ومشروع الآلية الخاصة بالسوق المشتركة للنقل الجوي .

وأكد خبراء الاقتصاد والمالية بأن إنشاء المنطقة، التي وقع على اتفاق قيامها حوالي أربعين رئيس دولة وحكومة للاتحاد الأفريقي، له إضافات كثيرة لتقوية الاقتصاد الأفريقي عبر وضع رؤية جديدة لتنمية القارة خلال العقود الخمسة المقبلة، تشمل منطقة التبادل الحر للسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا ( كوميسا ) ومجموعة شرق إفريقيا ومجموعة تنمية الجنوب الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا واتحاد المغرب العربي ومجموعة دول الساحل والصحراء، وفقا لتحقق شرطين أساسيين في العملية وهما : أن تكون البضائع المتبادلة منتجة داخل افريقيا، و يحب أن تصل مستويات النمو إلى الانسجام لأنه لا يجب أن تكون هذه المنطقة على حساب بلدان لها أسواق كبيرة .

ومما لا يدع مجالا للشك أن لإفريقيا كل مقومات الاقتصاد الوازن الذي يمكنها من تحقيق منطقة التبادل الحر دون عناء إذا تم تجسيد الإرادة السياسية المعلن عنها ، بدءا مما استهدفه مسار«الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا»( النيباد ) ، كون الاقتصاد يصنع الفارق في السوق العالمي بل ويتحكم في الموازنات الصناعية والمالية ورغم ذلك لا يساهم الاقتصاد الإفريقي المنتج (دون الكلام عن الموارد الطبيعية الخام) في الاقتصاد العالمي إلّا بنسبة ضئيلة .

وهناك اكثر من سؤال نفسه جدير بأن يُطرح : منها مثلا ماذا ينقص افريقيا من أجل اندماج اقتصادي على الأقل يؤمِّن الغذاء لسكانها البالغ عددهم أكثر من مليار ومائتي مليون نسمة يزيدون بحجم زيادة سنوي بنحو 20 مليون نسمة، وأيضا يحميها من عديد الآفات الاجتماعية من إرهاب وجريمة منظمة وبطالة وأمية، في وقت سبق لعديد الدول والآليات الإفريقية مثل «الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا »( النيباد ) أن أكدت أن مصلحة القارة في اندماج اقتصادها وتكامل ما يجمعها من إمكانيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي بدل تقديم إمكانياتها المادية ومواردها البشرية على طبق من ذهب وأبخس الأثمان للدول الصناعية وهي الإمكانيات التي تعود إليها معلبة وبأسعار باهظة.

لقد مرت أكثر من 15 سنة منذ اعتماد مبادرة «الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا»(النيباد) التي ولدت في رحم المنظمة الإفريقية وتبناها الاتحاد الإفريقي في 2002، ومنها انطلقت مبادرة التبادل الحر، كاتفاق لصالح قيام سوق مشتركة في قارة تعاني من تفاوت كبير في توزيع الموارد الطبيعية حيث يقل الناتج الإجمالي الخام لـ31 دولة إفريقية عن 10 مليارات دولار، كما تفتقر 15 دولة إلى السواحل ، و لا تزيد الأراضي الإفريقية القابلة للزراعة بمياه الري عن 5% ، بينما تقل نسبة استغلال إمكانيات إنتاج الطاقة الكهرومائية عن 10%.

تشكلت خطة « النيباد »من دمج مبادرتين تكفلت الدول الخمس المؤسسة وهي الجزائر، ومصر، والسنغال، ونيجيريا و جنوب إفريقيا بصياغتها في وثيقة الإطار التي وضعت أرضية لرؤية الأفارقة الشاملة حول كيفية إعادة هيكلة اقتصاد القارة وادماجها في الاقتصاد العالمي باستغلال واستثمار الإمكانات الذاتية ، وحددت التحديات الأساسية التي على القارة التكفل بها منها القضاء على الفقر ، وتمكين الدول الإفريقية من استغلال إمكانياتها لتحقيق التنمية المستدامة والحرص على عدم تهميش القارة السمراء في مسار العولمة وتفعيل دورها في الاقتصاد العالمي مع تكريس دور المرأة في المجتمع .

وبدأت الدول الخمس المؤسسة المذكورة آنفا في صياغة مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية لتطوير إفريقيا إلا أن أزمات القارة الاقتصادية أدت الى خروج المبادرة من إطارها الإفريقي الى الإطار العالمي بهدف الحصول على الدعم الضروري لتجسيدها ، فتبنتها في البداية دول مجموعة الثماني الصناعية التي قرر زعماؤها إلغاء مليار دولار من الديون الإفريقية في قمة اليابان سنة 2000 التي شارك في أشغالها الرئيس بوتفليقة ممثلا للاتحاد الإفريقي . وفي القمة التالية لهذه المجموعة تقرر استفادة إفريقيا من صندوق مكافحة مرض الايدز ، وصندوق دعم التعليم في الدول النامية فضلا عن إلغاء 53 مليار من أصل 74 من الديون المترتبة على 23 دولة إفريقية .

ثم قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنظيم حوار رفيع المستوي حول» النيباد» فى‏16‏ سبتمبر 2002‏ ثم اعتمدت «النيباد» في قرارها ‏57/‏‏7‏ الصادر في نوفمبر‏2002‏ كإطار لتنمية إفريقيا ، ودعت أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وغيرها من شركاء التنمية إلى تكييف برامجها الموجهة لدعم جهود التنمية في إفريقيا مع برامج عمل «النيباد»..ومتابعة لهذا القرار يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد تقرير دوري حول التقدم في تنفيذ المبادرة‏ ، مستنداً في ذلك إلى ما يتلقاه من ردود من مختلف الأطراف. وتتمثل أولويات «النيباد» في تهيئة بيئة العمل الملائمة للتنمية المستدامة من خلال نشر السلم والأمن وترسيخ الحكم الراشد ، والتعاون والتكامل على الصعيد الاقليمي ، والعمل على تشجيع الاستثمار الزراعي وتنمية الموارد البشرية مع التركيز على الصحة والتعليم والتقنية الحديثة ، وتدعيم اقتصاد القارة عن طريق زيادة وتنويع الإنتاج والصادرات، لا سيما التصنيع الزراعي ، والصناعة التحويلية، وتحويل المعادن الخام إلى مواد مصنعة ، النهوض بقطاع السياحة بالقارة ، دفع عجلة التجارة فيما بين البلدان الإفريقية والوصول بصادراتها إلى الأسواق العالمية ، تعبئة الموارد عن طريق زيادة الادخار والاستثمار على المستوى المحلي، ورفع حصة أفريقيا من التجارة العالمية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ومضاعفة تدفقات رأس المال من خلال تخفيض الديون وزيادة المعونة. كما وضعت مبادرة «نيباد» أهدافا حددت آجالا لبلوغها منها تحقيق نمو في الناتج المحلي الاجمالي بمعدل7٪ سنوياً على الأقل على مدى 15سنة ، وضمان تحقيق القارة لأهداف التنمية المستدامة العالمية المتفق عليها من قبل الأمم المتحدة ، والمتعلقة بتخفيف الفقر وتعميم التعليم ودعم الصحة وحماية البيئة وغيرها، ومن ذلك، خفض نسبة السكان الذين يعيشون في حالة فقر شديد إلى النصف ، والتحاق جميع الأطفال في سن الدراسة بالتعليم الابتدائي ، وتقليل معدلات الوفيات بينهم ، والمساواة بين الجنسين ، وفيما يتعلق بالأولويات القطاعية قدمت «النيباد» برامج عمل في مختلف القطاعات مثل المنشآت القاعدية والطاقة ، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنقل والمياه.و تنمية المواد البشرية وحماية البيئة . إفريقيا التي تواجه مصيرها الاقتصادي بإمكانياتها على ما يعتريها من ضعف في بعض الجوانب وهشاشة في أخرى، ترى في توقيع اتفاقية التبادل الحر «زلاك» ما يعكس مدى القناعة لدى الدول الإفريقية لبناء سوق قارية جامعة وشاملة تسمح بتحسين معدلات النمو والرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية والبشرية . وينسجم هذا الخيار تماما مع أهداف مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد) التي لعبت فيها الكثير من الدول على أعلى مستوى دورا سياسيا حيويا أفضى إلى بروز صياغة نموذج تنموي يرتكز على القدرات التي تتوفر بالدول التي لديها قناعة راسخة بأن القارة السمراء تملك عوامل النهوض الاقتصادي والاجتماعي وتنمية عناصر السلم والتطور بما في ذلك المطابقة مع المعايير العالمية ضمن الخصوصيات الإفريقية التي تقر في محور معين أن ضمان الغذاء للشعوب الإفريقية يستوجب استثمارات تتراوح بين 32و 40 مليار دولار كل عام ، على مدى العشرية القادمة ، بينما لا يزيد المبلغ المستثمر حاليا لهذا الغرض عن 7 مليارات دولار رغم أن الخبراء يقدرون حجم الإيرادات التي تدرها الزراعة الإفريقية بعد مشاريع التطوير والتكييف بحوالي 85 مليار دولار سنويا ، مثلما تدفع القارة السمراء بيئيا الثمن باهظا جراء التغيرات المناخية ، فرغم أن نصيبها من انبعاثات الغازات الدفيئة يقل عن 4% ، إلا أن ذلك لا يمنع من اختفاء حوالي 4 ملايين هكتار من الغابات سنويا بسبب التصحر ، ونزوح حوالي 10ملايين إفريقي بسبب نقص المياه مع احتمال تضاعف عدد هؤلاء ثلاث مرات في 2020 ، إذ ان 58 % فقط من الأفارقة يتوفرون على المياه الصالحة للشرب ، هكذا هي الأرقام في إفريقيا بحسابات«النيباد»السياسي الاقتصادي وحسابات «زلاك» التجاري الحر .