أفكار وآراء

حروب المستقبل ..عندما يدمر الإنسان نفسه بنفسه !!

28 أبريل 2018
28 أبريل 2018

د . سيف بن سليمان المعني -

[email protected] -

التقدم العلمي في نظم الحاسب الآلي في تطور مستمر وقياسي وأسعارها رغم قدراتها العالية إما بقيت ثابتة أو أن أسعارها في تراجع، والسبب في ذلك يعود إلى رخص المعالجات، حيث ستصل قيمة شرائح الكمبيوتر التي تدخل في أغلب الآلات التي تستخدم في المنزل وفي المصانع والسيارات والأدوات المنزلية .. الخ أصبحت زهيدة الكلفة، لا تتعدى قيمتها العشر بيسات، ولذلك الآلات التي تحتاج إليها القوات المسلحة ليست استثناء من هذه القاعدة، فمعدات حروب المستقبل سيكون لنظم الحاسب الآلي دور فاعل ومؤثر في كفاءتها وتصويبها ودقتها، وما نشهده ونسمعه عن التطورات في هذا الجانب يشبه إلى حد ما الخيال العلمي، لكن الحقيقة قد تكون في بعض الأحيان أغرب من الخيال العلمي، وقد شهدنا الدور الكبير الذي لعبته الطائرات بدون طيار في أفغانستان، والعراق ودقتها في مهاجمة أهدافها، فقد وفرت على الدول المستخدمة لها الكثير من المال والجهد الحربي والمواجهات التقليدية وكذلك الحرج السياسي، فهذه الطائرات تدار وتوجه ، إما عن بعد أو عبر الأقمار الصناعية ، إلى أهدافها وتصحيح مساراتها، فالحرب الإلكترونية أصبحت واقعا وليس خيالا علميا وتشكل جانبا مهمًا في المواجهات العسكرية، ومن يمتلكها بالتأكيد يمتلك التفوق على الخصم الأقل منه استخداما لهذه التكنولوجيا، فالجندي البطل والشجاع قد لا يكون فاعلا في حروب المستقبل وساحة المعركة على الرغم من أهمية وجوده ، فالرجل الآلي أو الأسلحة الذكية هي من سيقوم بذلك، وإن أردنا أن نسميها بالشجاعة فسينطبق عليها ذلك القول. هذا التقدم العلمي الهائل في مجال برامج الحاسب الآلي سيطر على كثير من تطور العلوم وفرض واقعا جديدا على دول العالم، فبرامج الحاسوب دخلت في كثير من المعدات التي تستخدم في الصراع العسكري إلى جانب الطائرات بدون طيار، ووسائل جمع المعلومات عن الخصم، وقد تكون هناك تكنولوجيا أفضل مما نراه بيننا الآن لكنها ما زالت سرا من أسرار الدول التي تقتنيها أو تجري التجارب عليها، يرى بعض الخبراء في تكنولوجيا الروبوتات العسكرية في الولايات المتحدة أن عام 2025م قد يشكل منعطفًا مهمًا في التحول إلى الحروب التي تعتمد على الجندي الآلي أكثر من الجندي البشري. في الآونة الأخيرة تم الإعلان عن روبوتات طائرة لا يتعدى حجمها كف اليد تحلق إلى الهدف المبرمجة لأجله تحمل متفجرات صغيرة يصل حجمها 3 جرامات، لكنها مؤثرة، تتعرف على أهدافها بين آلاف الحشود، تناور… وتقتل بطلقة واحدة في جبهة الإنسان وتخترق دماغه وتقتله على الفور، وهذا النوع من الروبوتات رخيصة الصنع مقارنة بالأعمال التي يمكن أن تقوم بها، فكما تشير مجلة «الأخبار» اللبنانية، فإن سربا من هذه الطائرات بقيمة 25 مليون دولار كافية لقتل نصف سكان مدينة وفق معايير يحددها مطلقها، ويمكن إطلاق عدد كبير من هذه الروبوتات الرخيصة الثمن لتنفيذ مهام محددة ودقيقة . صحيح أن الأبحاث لا تزال مستمرة للعمل على تحسين أداء هذه الروبوتات على مختلف الأصعدة، لكن مع ذلك تبقى التطبيقات التي تحملها والتجارب التي تجرى عليها يمكن أن تفيد الشركات المطورة لهذه البرامج ومراكز الأبحاث، وللأسف، لا تعيق محدودية هذه الطائرات من حيث الحجم، الطاقة، مسافة الاتصال...إلخ الباحثين والمهندسين من محاولة تصميم تطبيقات شريرة باتت تشكل هاجسا بين العلماء والحكومات كتزويدها برشاشات آلية، أو بعبوات ناسفة. الموضوع لم يقف عند هذا الحد، فمع تصاعد أسهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العالم كله، توسعت المخاوف لتشمل أيضا تزويد هذه الطائرات بخوارزميات ذكاء اصطناعي قد يكون فيها البشر هم النقطة الأضعف، خاصة وأن الجيوش هي أحد أكبر الممولين لبرامج أبحاث تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تدخل في مجال الحروب، وإجراء التجارب عليها لزيادة فاعليتها وطرق استخداماتها .

هنالك مخاوف مبررة من سرعة تطور الروبوتات في المواجهات القتالية وتبنيها كسلاح شأنه شأن بقية الأسلحة الفتاكة في العالم، ما يخشاه العالم من هذا التطور الهائل في تقنية الروبوتات هو أن تنقلب على البشر على طريقة أفلام الخيال العلمي؟ هذا السؤال بدأ منذ سنوات يقضّ مضاجع عمالقة التقنية والعلوم في العالم، فقد حذر علماء في الذكاء الاصطناعي عبر فيلم قصير بعنوان (Slaughterbots: https:/‏‏/‏‏www.youtube.com/‏‏watch?v=jgIZM_ujcuo) الذي عرضه علماء الذكاء الاصطناعي بجامعة كاليفورنيا في مؤتمر الأمم المتحدة حول الأسلحة التقليدية والذي انعقد برعاية حملة «أوقفوا الروبوتات القاتلة».

التطور المذهل الذي تشهده الروبوتات العسكرية سيجعل من السلاح النووي من أسلحة الماضي الذي سيمكن مستخدمي هذا النوع من السلاح القضاء على الأعداء دون تعريض الجنود الحقيقيين للمواجهة أو المخاطر، المطلوب هو فقط تحديد صفات عدوك وتعريفه ووضعه في ذاكرة الروبوت ثم أطلق العدد المناسب من الطائرات الصغيرة المبرمجة لهذا الغرض إلى أهدافها المعادية وستقوم بالمهمة بكل دقة، وسرب من هذا النوع من الطائرات الصغيرة (الروبوتات) كما أسلفت لا يتعدى حجمها كف اليد، تمتلك مهارات ذكاء اصطناعي هائل، حيث يمكن للمعالجات داخل هذه الروبوتات أن تتفاعل بمقدار 100 ضعف من عقل الإنسان، كما أنها تقوم بمناورات جوية عشوائية تبعدها عن القناصة، وهي تتشابه إلى حد بعيد مع أي جهاز طائر أو محمول في هذه الأيام، بها كاميرات وأجهزة استشعار وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، وفيها تقنية التعرف على الوجوه، يمكن تحميلها بجرامات صغيرة من المواد الشديدة الانفجار، وكل ما تحتاجه هذه الطائرات أو الروبوتات أن تبرمج على نوعية الأشخاص المراد مهاجمتهم وقتلهم، كالعمر، الجنس، الزي، اللون، نوع السلاح الذي لديه، اللياقة البدنية …الخ وستهاجم هذه الروبوتات الطائرة الشخص المحدد وتقتله بطلقة واحة في جبهته على الفور، يمكن لهذه الروبوتات أيضا أن تهاجم الأشخاص الذين يستخدمون هاشتاج معين على صفحاتهم الفيس بوك أو تلفوناتهم، يمكن لهذه الروبوتات الطائرات المدربة كفريق أن تخترق المباني والسيارات والقطارات، وتتجنب الرصاص، وهي لا يمكن وقفها. هذه الروبوتات الطائرة ليست فقط ستوجه ضد العسكريين الرسميين، بل ستوجه أيضا ضد المعارضين، والمحتجين، والطلاب والسياسيين، والناشطين على الإنترنت (المعارضين) فهذه الأجسام الطائرة قادرة على تتبع الضحية في أي مكان كان سواء كان بالشارع، أو بداخل بيته أو يمارس الرياضة ... الخ.

الفيلم الذي أعد لهذا الغرض والذي انتشر حول العالم بشكل مذهل على مواقع التواصل الاجتماعي يندرج ضمن محاولات يقوم بها العلماء المعنيون في حملتهم تسليط الضوء على مخاطر تطوير أسلحة مستقلة يمكن أن تطلق النار على أهدافها بدون إشراف بشري، يخشى العلماء أن تصنيع واستخدام الأسلحة التي يتحكم فيها العقل الاصطناعي، مثل الروبوتات الطائرة والدبابات والرشاشات الآلية، سيكون مدمرا للأمن الدولي والوطني والمحلي والشخصي وستكون له تداعيات خطيرة على سلامة البشرية. لقد شاهدت الفيلم الذي يوضح هذا النوع من الأسلحة وكيفية التعامل مع الأعداء المحتملين، إنه أمر مخيف، ولمن أراد الاطلاع على الفيلم فقد أشرت إلى قناة اليوتيوب التي تنشره.

لهذه الأسباب تصاعدت في الآونة الأخيرة الدعوات المطالبة بوقف تطوير تكنولوجيا “الروبوت القاتل”، وتكررت التحذيرات المصحوبة بتجارب علمية “مرعبة” بشأن مخاطر استغلال التكنولوجيا في هذا النوع من الأسلحة.

وعلى الرغم من أن الروبوت القاتل لم يدخل الخدمة بشكل فعلي بعد، ولا يزال حبيس مراكز تطوير تكنولوجيا الأسلحة الذكية، فإن الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم تجعله أقرب للخروج إلى الواقع في حروب الغد لحسم المعارك. فمن كان يتصور في يوم من الأيام أن تقصف طائرات بدون طيار أهداف بشرية بدقة عالية، أو تحريك دبابة آليا في ساحات المعارك، أو استخدام الروبوت في الكشف عن الألغام واختراق الحصون التي لا يمكن للإنسان الوصول إليها، هذه المخاطر تبرز تساؤلات أخلاقية كبيرة في وجه الدول الراعية لتطوير مثل هذه الأنواع من الأسلحة الغبية وليست الذكية. كما أوضحت وباختصار شديد، فإن العالم يتقدم تكنولوجيا بسرعة فائقة، وبالقدر الذي يتطور في الجوانب العلمية والإنسانية التي تخدم البشرية، هنالك من يستفيد من نفس التكنولوجيا في جوانب القتل والإبادة والتدمير، أكثر من أي وقت مضى، فهل أصبح الإنسان يبحث عن إبادة نفسه بنفسه؟