أفكار وآراء

من ملامح الحرب الباردة الجديدة !!

27 أبريل 2018
27 أبريل 2018

بقلم: سمير عواد -

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معروف باستخدامه كلمات حادة ومسيئة، عندما يتحدث عن خصومه السياسيين. فقد وصف كيم يونج أون، رئيس كوريا الشمالية، خلال النزاع معه بأنه بدين يلعب بالصواريخ، ولم يتوان عن وصف منافسته على منصبه هيلاري كلينتون- خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016- بالغشاشة كلما تحدث عنها، كما أهان جيمس كومي الرئيس السابق للشرطة الفيدرالية الأمريكية الذي تحول إلى غريم له. غير أن الملفت للأنظار أنه رغم خلافه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن ترامب يختار كلماته دائما ويتفادى توجيه كلمات نابية له، ويتساءل المراقبون إلى متى؟، حيث إن اللغة التي يستخدمها ترامب عند الحديث عن روسيا بدأت تشتد. فقبل شنه هجمات عقابية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وجه ترامب كلمات قوية باتجاه موسكو وقال أنه عليها الاستعداد لما هو قادم.

وقد استغل ترامب اتهام القوات الحكومية السورية باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين في مدينة «دوما» للتهجم على بوتين حيث ذكره بالاسم وقال: إن روسيا وإيران مسؤولتان عن دعم بشار الأسد الذي سيدفع الثمن باهظا. وبعد أيام نصح روسيا بالاستعداد لمواجهة الصواريخ الذكية التي ستوجهها أمريكا إلى سوريا.

منذ الثامن من أبريل 2018، أصبح هناك مخاوف محقة في العالم من نشوب نزاع جديد بين الشرق والغرب ويبدو أن بوتين مستعد له، فقد استفز الغرب من خلال محاولة الاستخبارات الروسية اغتيال الجاسوس الروسي المزدوج في انجلترا سيرجي سكريبال وابنته، حسبما اتهمته بريطانيا، ثم دافع عن بشار الأسد بعد اتهامه باستخدام السلاح الكيماوي للمرة الثانية ووصف التهمة بأنها مسرحية، وأوحى ترامب بأنه قد تحدث مواجهة بين القوتين الكبريين في سوريا. وأكد الكرملين كامل استعداده لمواجهة أي تطور محتمل وحذر من أنه إذا تعرض الجنود الروس في سوريا إلى القتل أو أصيبوا بجراح نتيجة الضربات الأمريكية، سوف تكون النتائج مدمرة وارتفعت شعبية بوتين بصورة صاروخية في بلاده. لكن لم تحدث مواجهة حتى بعد قيام واشنطن ولندن وباريس بضرب أهداف في سوريا بعشرات الصواريخ البعيدة المدى، والتي لم تُسفر عن خسائر تُذكر، مثلما حصل قبل عام عندما وجه ترامب ضربة عقابية للحكم السوري لم تُسفر أيضا عن أية خسائر.

غير واضح إذا كان العالم سوف يشهد مواقف من هذا القبيل تحبس الأنفاس خشية وقوع مواجهة حقيقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. فالنهج الذي تعمل به واشنطن في سوريا غير واضح على العكس من النهج الروسي المعروف والمؤيد للرئيس السوري بشار الأسد. كما صرح ترامب أن الحلفاء الثلاثة سوف يستمرون بتوجيه ردود عسكرية واقتصادية ودبلوماسية كلما لجأ بشار الأسد إلى استخدام أسلحة كيماوية ضد أبناء شعبه. وقد أجهض وزير الدفاع الأمريكي هذا الاحتمال لاحقا عندما أعلن استبعاد شن بلاده هجمات جديدة ضد أهداف للنظام السوري.

عدم وضوح مثل هذا الموقف بات معروفا في واشنطن، خاصة وأن ترامب لا يعمل بسياسة محددة وبالخصوص تجاه روسيا. فقد قدمت واشنطن صواريخ لأوكرانيا المتنازعة مع روسيا وفرضت عقوبات ضد أصحاب المليارات الروس المقربين من بوتين. ثم قيام واشنطن مع أكثر من عشرين حكومة غربية قبل اسابيع بإبعاد دبلوماسيين روس كإجراء عقابي ردا على تورط موسكو المحتمل في محاولة اغتيال الجاسوس الروسي وابنته في انجلترا. لكن الملفت للأنظار أن ترامب لم يتعرض لبوتين شخصيا وبحسب وسائل إعلام أمريكية ن ربما يخشى ترامب أن يكشف الروس عن سر العلاقة بينه وبين موسكو، واحتمال دعم الأخيرة له في انتخابات الرئاسة أمام منافسته السابقة كلينتون. وأنه من المحتمل أن ترامب مدين بفوزه بمنصبه بشكل ما حتى ولو كان جزئيا إلى الرئيس الروسي بوتين.

لا يستعين ترامب وحده بوسائل إعلام منحازة له في إشاعة الأخبار التي تناسبه ونفي التي لا تناسبه، بل يتقن بوتين هذه اللعبة جيدا. وعندما فرض الغرب عقوبات جديدة على روسيا بعد ضمها إقليم القرم وأوقف تصدير خضروات وفاكهة إليها، زعمت وسائل الإعلام الروسية أن الغرب هو المتضرر من ذلك أكثر من الروس، الذين لا يشعرون أنهم بحاجة للحصول على هذه البضائع. وطالب معلقون روس بأن تنهج موسكو سياسة تجعلها مستقلة عن الغرب من كافة النواحي.

غير أن بوتين اكتشف ثغرة في السياسة الخارجية، عندما ترددت واشنطن في موقف محدد عندما نشأت الحرب في سوريا ورفضت تسليح الجيش السوري الحر بحجة خشيتها وقوع أسلحتها بأيدي جماعات أصولية مسلحة وسعيها للحصول على السلطة في دمشق. ونتيجة التدخل العسكري الروسي في سوريا لصالح نظام بشار الأسد، تغيرت موازين القوى في المنطقة وعاد الروس إليها بعد غياب استمر ثلاثة عقود. ولكن بوتين لا يملك استراتيجية للخروج من سوريا. كما تمكن الرئيس الروسي من دق اسفين بين تركيا وحلف شمال الأطلسي «ناتو» وعندما التقى زعماء روسيا وإيران وتركيا مؤخرا في اسطنبول كان واضحا للعالم من يملك مفتاح الحرب والسلام في سوريا، بالتأكيد ليس الغرب المتردد والذي فقد نفوذه في المنطقة.

ومن جانب آخر لا يزال مجلس الأمن الدولي عاجزا عن اتخاذ قرار ضد بشار الأسد لأن موسكو تعرقل أي مشروع قرار من هذا النوع وكذلك بكين، مثلما حصل مؤخرا عندما ضمت الصين صوتها إلى جانب روسيا عندما أفشلتا مشروع يدين سوريا بسبب اتهامها باستخدام السلاح الكيماوي في مدينة «دوما».

والجدير بالذكر أن الصين دخلت حديثا الى الساحة السياسية الدولية وتقف إلى جانب روسيا في الحرب الباردة الجديدة وهو تحالف يثير قلق الاستراتيجيين في الغرب. فالصين تنفق مليارات الدولارات على التسلح الأمر الذي يضمنه حصولها على أرباح ضخمة لكونها أكبر بلد مصدر للبضائع في العالم وبحسب مجلة «فرانكفورتر ألجماينه فوخه» فإنها تنفق على السلاح بالمستوى نفسه الذي تنفقه دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة.