1318243
1318243
إشراقات

صفات عباد الرحمن وأحوالهم ذكرها الله تعالى في آيات كتابه العزيز

26 أبريل 2018
26 أبريل 2018

عادة السفيه لا يضبط ما يقول لسانه أما عباد الرحمن فيصونون أنفسهم عن الجهالات والسفاهات -

أمرنا بالانتباه إليها لنيل عظيم المزايا وواسع الهبات -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ خالد بن سالم الخوالدي عضو الهيئة التدريسية بكلية العلوم الشرعية ان الله تعالى اختص الله تعالى عباد الرحمن بعظيم المزايا وواسع الهبات وجميل الألطاف فقد شرفهم سبحانه بذكر صفاتهم وأحوالهم في آيات الله العزيز (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) الى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

وأوضح في الجزء الأول من محاضرته (عباد الرحمن) ان الله تعالى أراد منا ان ننتبه لها وان نسعى سعيا حثيثا للاتصاف بها حتى ننال تلك الدرجات ونتبوأ تلك المراتب التي جعلها الله تعالى له.

وقال: إن أول شرف ناله هؤلاء الأفراد ان الله تعالى نسب عبادتهم إليه وهذا تشريف وتكريم فقال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) وإذا ما نسب الشيء الى الله جل وعلا فإن ذلك بلا شك اختصاص وتكريم منه سبحانه وتشريف لذلك الشيء فحينما يقال هذا بيت الله هذا تشريف وتكريم لذلك البيت وحينما يقال (ناقة الله) هذا تشريف وتكريم لتلك الناقة لأنها آية من آيات الله وحينما يقال (عبدالله) هذا تشريف، وهكذا حينما يقال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) فهذا تشريف وتكريم لأولئك العباد.

وذكر المحاضر ان أول صفة من صفات عباد الرحمن (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) والمعنى انهم يمشون بسكينة وسمت وتواضع من غير استكبار أو تجبر على عباد الله ومن غير استخفاف واستهتار أيضا فليس من صفات عباد الرحمن التكبر وليس من صفاتهم الاستخفاف أو الخفة وإنما من صفاتهم الصمت ومن صفاتهم الوقار ومن صفاتهم التواضع هذه هي صفتهم (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) فإذا ما مشي أو فعل أو قال كانت هذه الصفات متوفرة في مشيته وهيئته في قوله وفعله في تعامله مع الآخرين.

والصفة الثانية (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، انهم لا يجارون أهل الجهالة والسفه فعادة السفيه الجاهل أنه لا يضبط ما يقول لسانه ولا يحسب حسابا لما يأتي به من أفعال ومثل هذا يعجبه ان يكون الناس مسايرين له في خفته مساوين له في طريقته لكن هؤلاء العباد المخلصون لا ينهجون هذا النهج بل من صفاتهم يصونون أنفسهم عن متابعة الجاهلين واستخفاف أهل الخفة فلا يجارون جاهلا في قوله ولا يجارون جاهلا في فعله، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) فهم في الصفة الأولى يكفون الأذى عن الناس (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) وفي الصفة الثانية يحتملون الأذى من الناس إذا ما توجه اليهم هذا الأذى. ويشير فضيلته بأن بعض أهل التفسير قالوا بأن قوله تعالى (قَالُوا سَلَامًا) أي قالوا قولا معروفا ولم يجاروا أهل الجهالة في جهالتهم وسفاهتهم، وقال بعضهم بل لسان حالهم انهم يقولون سلّمنا أنفسنا من هذه الجهالة فلا يقابلون جهالة الجاهلين إلا بالصمت ويقول هؤلاء بأن هذا أولى من النطق لان الجاهل لو قال له العاقل السلام عليكم أو قال له سلاما إذا ما نطق بجهالته زاده ذلك جهالة فوق جهالته، ولكنه لو أعرض عنه وسكت فإنه يصون نفسه من جهالة ذلك الجاهل ولا يتابعه عليها فهذا محتمل وهذا محتمل وكله خير بل ان نطق الإنسان بالمعروف إذا ما جهل الجاهل عليه، هذا في حد ذاته أمر بمعروف ونهي عن منكر والإنسان مأمور بذلك وواجب عليه، فإذا ما نطق الجاهل بشيء من الجهالة نهاه عن جهالته بقول معروف حسن فذلك من صفات عباد الرحمن (قَالُوا سَلَامًا) أي قالوا قولا معروفا.

ويضيف: الإنسان قد يصيبه أذى من قبل الناس الشتم أو السب أو اللعن أو الأذية أو غير ذلك من الأمور وقد يكون بعض أهل السفاهة ممن أغرق في هذا الجانب فليس له هم سوى فلان وفلان.

وعباد الرحمن يصونون أنفسهم عن هذه الجهالات وهذه السفاهات فلا يتابعون هؤلاء ولا يجندون أنفسهم للجم أفواه هؤلاء بل يصونون أنفسهم فلا يقولون إلا قولا معروفا إذا ما وُجهوا بمثل هذه الجهالة ولا يجارون عليها.

خدمة الخالق

أما الصفة الثالثة التي ذكره الله تعالى لعباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) فحالهم في النهار كف أذى واحتمال أدي وحالهم في الليل خدمة الخالق جل وعلا والإخبات إليه سبحانه وتعالى فهم متصلون بالله مراقبون له يتبعون أوامره في ليلهم وفي نهارهم، فليلهم بين التهجد والقيام والركوع والسجود (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، هذا هو حال عباد الرحمن، فليسوا أهل غفلة عما يقربهم الى الله وليسوا أهل حرمان لأنفسهم من هذا الخير العظيم الذي هو ربيع الأبرار وبهجة القلوب وحياة النفوس، فلا ينسى الواحد منهم مهما كان حاله ووضعه أن يجعل لنفسه وِرْدا يقف فيه بين يدي الله، صافا أقدامه بإخبات حاضر القلب بخشوع وتضرع يرفع أكف الضراعة الى ربه سبحانه سائلا منه التسديد والتوفيق والإعانة والتأييد والحفظ والهداية لكل خير، هذه الحال حال لا يحرم شخص عاقل منها بل عليه ان يحافظ عليها، وقد قال القطب رحمة الله عليه ان هذا الحال يصدق على من صلى شيئا من الليل وقرأ القرآن ولو كان ذلك قليلا ومن زاد بلا شك زيد له في الأجر وكلما تقرب العبد الى الله تعالى بعبادة أعظم كان ذلك أعلى في الدرجة له عند الله.

ويضيف: لكن التعاسة في حال أولئك الذين لا يعرفون هذا الأمر ولم يجربوه في حياتهم ولم يسعى الواحد منهم في حث نفسه عليها فإن ذلك حرمان من كثير من الخير فكم من أمراض القلوب تتساقط بقيام الليل وكم من ذنوب يتوب العبد منها الى ربه سبحانه وتعالى بقيامه لليل وكم من إقبال على طاعة يتحقق بقيام الليل وكم من صفاء روح ورقة قلب تتحقق للإنسان بقيام الليل وكم من دعاء يجاب وكم من إعاذة يعاذ الإنسان بها بقيام الليل فبمثل هذا الأمر يتصف عباد الرحمن.

أهل خوف من الله

أما الصفة الرابعة (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) وهي لصيقة بقيام الليل تابعة له لمناسبتها ان يكون هذا الابتهال والتضرع لله تعالى فيها، في أثناء التهجد والقيام.

وهذه الصفة تعني ان عباد الله هؤلاء أهل خشية من الله أهل خوف من الله أهل شفقة على أنفسهم من عذاب الله يخشون الله يحرصون على طاعته يخافون عقابه يحذرون بطشه ونقمته هذه صفتهم فهم يخافون العذاب الذي أعده الله تعالى للعصاة المذنبين ويعلمون بأنهم ليسوا قادرين على تحمل ذلك العذاب وهو عذاب لا يستقر للشخص الذي يصطليه قرار، ولا يرتاح (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) هذه الخشية من عذاب الله صفة من صفات عباد الرحمن وإذا ما توافرت هذه الصفة في النفس كفتها عن الشرور ودفعتها الى خيرات عظيمة وهل يجترئ العاصي على عصيانه إلا بسبب خلو قلبه من الخشية من الله وهل يكرر العاصي ذنبه إلا بسبب غفلته عما أعده الله تعالى للمذنب من عذاب شديد وهل يجترئ العاصي على ترك الطاعة إلا بسبب غفلته من تلك العقوبة التي أعدها الله تعالى لمن ترك الطاعة فهذه الخشية أمر مهذب للنفس مقوم للسلوك ضابط للأحوال جميعا وهي من صفات عباد الرحمن انهم يخشون عذاب الله وليسوا غافلين عن ذلك ولا ناسين له.

أهل اعتدال

والخامسة (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) من أهم صفات الرحمن انهم أهل اعتدال ليس عندهم شطط في شيء وليس عندهم تضييع في شيء لا في الأفعال ولا في الأقوال ولا في الأعمال أو الإنفاق فهم ليسوا أهل شطط في تعاملهم مع الناس. وليسوا أهل ضعف ووهن وقلة حيلة بل هم أهل صبر على تحمل الأذى وهم أهل نشاط في نهارهم بفعل الطاعة وفي ليلهم بفعل الطاعة وهم أهل اعتدال أيضا فيما يتعلق بإنفاقهم.

فليسوا أهل إسراف وليسوا أهل تقتير فلا يصل بهم الإنفاق الى حد السرف ولا يصل بهم الاقتصاد الى حد البخل بل هم معتدلون في إنفاقهم والاعتدال بلا شك انه خير الأعمال بل منهج الإسلام مبني على التوسط في كل شيء حتى في عبادة الإنسان لربه لا يغلوا الإنسان فيها بل يكون متوسطا فيها لان التوسط روح الدين ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لنا ذلك وأمرنا ان نكون متوسطين حتى في العبادة وفي حديث الثلاثة الذين جاءوا فسألوا عن عبادة الرسول فأخبروا فكأنهم رأوها قليلة وقالوا أين نحن من رسول الله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو ليس محتاجا بسبب ذلك الى كثرة عبادة أما نحن فلم تغفر ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر وبالتالي نحن نحتاج الى مضاعفة عبادة فقال أحدهم أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثاني أنا أصلي الليل ولا أرقد، وقال الثالث وأنا لا أتزوج النساء. فحرم كل واحد منهم نفسه من نعمة وحاجة فطرية جعلها الله سبحانه وتعالى في نفس الإنسان فلما علم رسول الله ذلك دعاهم وقال لهم أنتم الذين قلتم آنفا كيت وكيت. فأخبروه أنهم قد قالوا ذلك. فقال لهم أما أني أتقاكم لله وأخشاكم له. ولكني أقوم وأرقد وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني.

فبين لهم صلى الله عليه وسلم ان منهجه منهج الحنيفية السمحة المعتدلة التي لا شطط فيها ولا غلو ولا إفراط فيها ولا تفريط وهذا يمتد حتى في النفقات، فالله سبحانه وتعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاعتدال في النفقة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) أي ممسك غاية الإمساك. (ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).

فعباد الرحمن متصفون بالاعتدال في كل شيء ملبسا ومأكلا ومشربا ومركبا ونفقة وبذلا، كل ذلك لا بد ان يكون مغلفا بالاعتدال والوسطية ليس فيه إسراف وليس فيه تقتير.

لا يشركون بالله

الصفة السادسة (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) عباد الرحمن هم أبعد ما يكونوا عن هذه الصفات الثلاث التي ذكرها المولى جل وعلا (الشرك بالله) ان يشركوا مع الله تعالى غيره هذا أمر بلا شك انه أشنع الكبائر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أي نوع من أنواع القتل بغير وجه حق هذا من أكبر الكبائر، (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) فحرمة دم المسلم لا شك أنها حرمة عظيمة، وكما ورد (لئن يقتلع الإنسان البيت الحرام حجرا حجرا كان ذلك أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم) فلا يتسببون في قتل مؤمن من غير وجه حق ووجوه الحق في القتل هي ما يكون وفق الحكم الشرعي ويكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي أيضا، كأن يكون الإنسان -مثلا- قاتلا لنفس عمدا فهذا بلا شك انه مستحق للقتل قصاصا إلا ان عفى ولي الدم ولكن يقوم بذلك الحاكم الشرعي أو من خوله الحاكم الشرعي، وليس ذلك لعامة الناس وإلا لحلت الفوضى في دنيا الناس، أو الزاني المحصن أو المرتد عن دينه فهؤلاء جميعا يستحقون القتل ولكن ذلك وفق الحكم الشرعي ووفق المناط الشرعي وبإذن الحاكم الشرعي وليس ذلك أمرا مباحا هكذا الناس يفعلونه بأنفسهم ويقدرونه بأنفسهم وإنما هذه أحكام تجري فيها سنن الأحكام على حسب أصولها. (وَلَا يَزْنُونَ) والزنا من أكبر الكبائر وإذا كان القتل قتلا للنفس من جهة حسية فإن الزنى قتلا للنفس من جهة معنوية لأنه يقتل العفة ويقتل الشرف ويقتل الكرامة ويقتل الحياة ويكسر حياء المجتمع ولا شك ان الزنا أمر عظيم يجب على الإنسان ان يجتنب كل ما يقرب إليه (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا) لأن الاقتراب منه يفضي إليه، وقال صلى الله عليه وسلم (العينان تزني وزناهما النظر، والأذنان تزني وزناهما السمع، واللسان يزني وزناه الكلام، والرجل تزني وزناها السعي، واليد تزني وزناها البطش، ويصدّق ذلك ويكذبه الفرج) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

خطورة الزنا

ويوضح: فقد يقع الإنسان في زنا العين حينما ينظر الى ما حرم الله عليه أو يقع في زنا السماع حينما يستمع الى الحديث المفضي الى الزنا أو يقع في زنا الكلام حينما يتكلم بالحديث المؤدي الى الزنا، أو يسعى الى المكان برجليه الذي هو محل حصول مثل هذه الفتن أو الفواحش فمثل هذه الأحوال كلها أحوال يجب على الإنسان ان يجتنبها ولذلك تجد بأن الشرع قد نهى عن كثير من الأمور سدا لذرائع الفساد ونأيا بالعباد عن الاقتراب من هذا الوحل القذر، فنهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية لأن الخلوة فيها شر عظيم (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). نهى عن الدخول على النساء (إياكم والدخول على النساء، قال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو قريب الزوج «أخوه أو قريبه، يمكن ان يدخل على أهله هكذا ليس عندهم أحد قال: (الحمو الموت) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وأمر المسلمين بغض أبصارهم لأن البصر بريد القلب، وأمرهم بحفظ فروجهم أي بستر عوراتهم (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى) هكذا أيضا أمر المؤمنات بالغض من الأبصار وحفظ الفروج، وحفظ الفروج هو الستر على قول بعض أهل التفسير أي يستروا عوراتهم لأن ذلك فيه حفظ لفروجهم ونأي بأنفسهم عن الاقتراب من أوحال هذه الرذائل كل هذه الأحوال نهى الشرع عنها لأنها تفضي الى الفتن، نهى النساء عن التبرج نهى عن مصافحة المرأة الأجنبية. (وَلَا يَزْنُونَ) ثم بين سبحانه أثر فعل هؤلاء لهذه الشرور (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) إلا من تاب من هذه الأمور ورجع الى الله وأناب إليه فإن ذلك كما الله تعالى في شأنه (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وتبديل الحسنات يحتمل ان يكون بإبداله الخير بدل الشر بمعنى انه يفعل الطاعة ويوفق إليها بدل المعصية فيبدل بالنفاق إيمانا وبالزنا تقوى وصلاحا وبأي معصية من المعاصي التي يتوب الى الله تعالى منها طاعة أخرى يوفق إليها وهكذا.

وقد يكون المعنى ان الله تعالى يكتب له بتوبته أجور من لم يعمل تلك الأعمال كأن يكتب للزاني إذا ما تاب الله توبة نصوحا أجر من مكّن من الزنا ثم قال معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين. أو يكتب له حسنات كثيرة بسبب توبته الى الله تعالى من ذلك الفعل. هذا كله محتمل وقد قال به عدد من أهل العلم (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) وهذه صفة لا بد ان ينبته لها عباد الرحمن انهم يسارعون الى التوبة الى الله إذا ما حصل منهم الخلل وهذه التوبة تكون مقرونة بالعمل الصالح ولا تكون فقط توبة مشتملة على ندم أو ترك للذنب. لان الله تعالى يقول (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) أربعة أشياء يتوب ويكون من المؤمنين المتقين ويعمل الصالحات ثم يسعى للوصول الى الهداية وهو الثبات على الطاعة الى ان يموت ولا يكون شخصا يجرب أحواله مرة يفعل ومرة يترك بل يجتهد في المحافظة على ما وفق من طاعة.