إشراقات

تخـلـق بالحـلم.. واحـذر الغضـب

26 أبريل 2018
26 أبريل 2018

القاهرة: أماني أحمد -

الدين الإسلامي دين الرحمة والحلم، وخلقه خلق اللين والرفق، والله تعالى حليم يحب الحلم، قال تعالى في الحديث القدسي: «سبقت رحمتي غضبي». وكان صلى الله عليه وسلم يوصى بعدم الغضب وإمساك النفس وكظم الغيظ، فعن أبي هريرة رضى الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب».

الغضب قوة فطرية، غرزها الله تعالى في الإنسان، لأنه يحتاج إليها في الدفاع عن نفسه عندما تواجهه الأخطار، وعلى الإنسان أن يهذب هذا الغضب، وينبغي ألا يكون سريع الغضب، فيخرج عن الهدوء وحسن الخلق لأقل الأسباب، وكذلك لا يكون من الذين لا يغضبون إذا تعرضوا لأسباب مغضبة، كرؤية الفاحشة والمنكر، أو انتهاك المحارم، فهذا الغضب مباح.

كما يقول حامد أحمد الطاهر في كتابه «الأخلاق»: قد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أحلم الناس، ولكن كان يغضب للحق إذا انتهكت حرماته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما إلا أن يكون إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عن الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم».

قال الإمام أبو حامد الغزالي: «الغضب غليان دم القلب بطلب الانتقام». وقال الإمام الجرجاني: «الغضب تغير يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر». والغضب منه محمود ومنه مذموم، فالمحمود ما كان في جانب الدين والحق، والمذموم ما كان في غير الحق، والذي يخرج الإنسان عن حسن التصرف، ويدفعه إلى إطلاق اللسان بالسب والشتم، أو اندفاع الجوارح بالضرب والتهجم.

تتعدد مظاهر الغضب وتختلف صوره من حالة لأخرى ومن ذلك السباب فقد يندفع الغاضب في سب وشتم الآخرين ردا لعدوانهم عليه، وتسكينا لغضبه، وذلك شيء مذموم، لأن المسلم عفيف اللسان، حابس لسانه عن الفحش. قال صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء».

ويروى أن وفدا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام(الموت) عليك يا محمد. فقال صلى الله عليه وسلم: «وعليكم»، فأدركت عائشة رضى الله عنها قولهم، فقالت: بل السام عليكم واللعنة. فعاتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم لها: «قد قلت: وعليكم».

فالغاضب يسكنه الشيطان، ويهون عليه فعل الفواحش والمصائب. يروى أن امرأة من اليهود جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ليأكل منها، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها مسمومة، فامتنع عن الطعام وأعلم أصحابه بذلك، فغضبوا، وهموا بقتل المرأة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم أصحابه الحلم، فمنعهم من ذلك. كثيرا ما يثور الإنسان ويغضب، فيدعو على نفسه بالشر، أو يدعو على أهله وأولاده، ويحدث هذا نتيجة شدة الغيظ الذي يضيع معه التمييز بين الشر والخير، ومن ثم يقع في هذه المعصية التي نهى الله تعالى عنها يقوله: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا).

قد يدفع الغضب الإنسان أحيانا إلى فعل أمور أقرب إلى الحمق والغباء، ومن ذلك: أن يحطم الإنسان الأشياء التي يستخدمها من أوان ومقاعد وأثاث، وذلك ضرر وحمق، لأنه ضياع للمال بتكسير ما ينتفع به الإنسان، وفيه أيضا عصيان لله تعالى، لأن فيه طاعة للشيطان وتماد في الغضب. وقد يدفع الغضب الإنسان، فيجعله يسب الأيام والسنين، ويشتم ما أمامه من طير أو حيوان، والسب منهي عنه حتى لو كان لحيوان أو لجماد أو لزمان أو لمكان. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار».

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الديك وهو حيوان لا يعقل، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة».

ذم الله تعالى المشركين بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل، في الوقت الذي مدح فيه المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة والحلم، فقال تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين).

فالله تعالى حليم يحب الحلم وينهى عن الغضب، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب عندما جاءه رجل يطلب النصيحة، وقال: مرني بعمل وأقلل. فقال صلى الله عليه وسلم له: «لا تغضب».

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب، فإنه في ذات الوقت عظم جزاء الكاظم للغضبه، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى».

وكان صلى الله عليه وسلم مثالا رائعا لضبط النفس عند الغضب، يروى أن رجلا جاءه وهو جالس في المسجد مع أصحابه، وقال له بغلظة: يا محمد! احملني على بعيرين فإنك لا تعطيني من مالك، ولا من مال أبيك، وشده من جلبابه حتى احمرت رقبته صلى الله عليه وسلم، فلم يقابل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الغضب والحمق بمثله بل كان حليما، فذكر الله واستغفره ليهدأ، ثم طلب من الرجل أن يترك رقبته، ودعا رجلا من أصحابه، وقال له: «احمله على بعيرين: بعير شعير، وبعير تمر».

وبين النبي صلى الله عليه وسلم قوة من يكظم غيظه ولا يغضب، فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

إذا غضب الإنسان فعليه أن يذكر الله تعالى، لأنه بذكر الله تكون طمأنينة النفس. قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). والغضب جمرة من نار، يحركها الشيطان داخل الإنسان. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان». لذلك فقد أوصانا الله بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، فقال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم).

من علاج الغضب التخلق بالحلم والرفق بالجاهل، لضعف إدراكه وقلة علمه. قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).

ودخل رجل على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال له: والله ما تعطينا الجزل (العطاء الكثير)، ولا تحكم فينا بالعدل. فغضب عمر حتى هم أن يضربه، فقال له أحد الجالسين: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). وإن هذا من الجاهلين. فما جاوزها عمر حين تلاها، فقد كان عمر ممتثلا لحدود الله. وأخيرا تذكر عفو الله عنك، فاعف عن الناس. قال رجاء بن حيوة لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان: «أعطاك الله ما تحب من النصر فأعط الله ما يحب من العفو». لا تجعل الغضب يدفعك إلى الانحياز عن الحق، بل كن منصفا حتى وإن كنت غاضبا، وتذكر الحكمة: إياك وعزة الغضب فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار.

لا تخالط إلا أهل الحلم، وتذكر قول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: «انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذ لم يغضب، وما علمك بأمانته إذ لم يطمع».