أفكار وآراء

قمة ترامب - أون إلى أين؟

25 أبريل 2018
25 أبريل 2018

عبد العزيز محمود -

في أكتوبر ٢٠٠٦ أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية لها استتبعها جولة جديدة من المحادثات السداسية بهدف إغلاق منشآتها النووية مقابل مساعدات غذائية، لكن المباحثات انهارت في عام ٢٠٠٩ بعد خلافات حول الطاقة والتفتيش.

بالتأكيد هي بادرة حسن نية أن تستبق بيونج يانج القمة المرتقبة بين الرئيسين دونالد ترامب وكيم جونج أون بالإعلان عن تعليق تجاربها النووية والصاروخية البالستية العابرة للقارات وإغلاق موقع اختبارات نووية في بونجاي ري، وهي خطوة اعتبرها الرئيس الأمريكي مهمة قبل انعقاد القمة التي قد تنهي عقودا من الصراع وتبادل التهديدات بين البلدين.

اتفاق الرئيسين على الاجتماع معا في مايو أو يونيو المقبلين جاء بعد إعلان أون استعداده للتخلي عن ترسانته النووية مقابل ضمانات أمنية ومساعدات اقتصادية، وهو عرض لم يكن بوسع ترامب تجاهله بعد اقتراب كوريا الشمالية من امتلاك القدرة على ضرب الأراضي الأمريكية بسلاح نووي.

ورغم فشل المحادثات بين البلدين حول البرنامج النووي الكوري الشمالي طوال عقدين كاملين، لكن الوضع أصبح يتطلب استئناف تلك المحادثات وعلى أعلى مستوى، فالولايات المتحدة تريد من كوريا الشمالية أن تفكك برنامجها النووي الذي تهدد باستخدامه ضدها، بشرط أن تتعهد بالقيام بذلك قبل بدء أي محادثات.

وهذا ما قامت به كوريا الشمالية بالفعل، التي تطالب بضمانات أمنية قبل انخراط البلدين في محادثات صعبة ومعقدة، يتوقع أن يسبقها أو يتخللها الإعلان عن انتهاء حالة الحرب بين الكوريتين، والتي اندلعت في خمسينات القرن الماضي بين كوريا الشمالية المدعومة من الاتحاد السوفيتي والصين، وبين كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة، وانتهت في عام 1953بتوقيع هدنة وليس معاهدة سلام.

من الناحية الفنية مازالت كوريا الشمالية في حالة حرب مع الولايات المتحدة، التي تحتفظ بـ 30 ألف جندي من قواتها في كوريا الجنوبية، التي تنشر فيها أنظمة دفاع صاروخية متطورة، وتجري معها مناورات عسكرية تعتبرها بيونج يانج تهديدا وجوديا.

لكن هذا الوضع أصبح بالإمكان تغييره، فالولايات المتحدة قررت اعتماد سياسة جديدة في التعامل مع كوريا الشمالية تجمع بين استخدام القوة الصلبة والناعمة، على أساس أن هذا يمنحها خيارات أكثر في أية مباحثات محتملة، بينما أصبحت كوريا الشمالية أكثر رغبة في التهدئة وليس التصعيد، لاختراق العزلة الدولية المفروضة عليها، وتجنب أي مواجهة عسكرية محتملة مع الولايات المتحدة.

صحيح أن الرئيس أون أعلن في ديسمبر الماضي أن الردع النووي لبلاده مسألة لا رجعة فيها، لكنه أصبح يعتقد الآن أنه يمتلك ترسانة نووية وقدرات صاروخية بالستية تمكنه من التفاوض من مركز قوة مع الرئيس الأمريكي، كما أن بلاده تعاني من جراء العقوبات الأخيرة التي فرضها مجلس الأمن، وتسببت في تقليص احتياطياتها من العملة الصعبة وبالتالي وارداتها من المنتجات الأساسية، وفي مقدمتها البترول والغاز.

وهكذا بدأ التحضير للقمة الأمريكية الكورية الشمالية بزيارة قام بها الرئيس أون للصين، بينما التقى الرئيس ترامب في واشنطن بشينزو آبي رئيس وزراء اليابان، ثم كلف جورج بومبيو مدير المخابرات الأمريكية بلقاء الزعيم الكوري الشمالي في بيونج يانج.

من جهة أخرى يلتقي الرئيس أون مع نظيره الكوري الجنوبي مون جي إن غدا الجمعة «الموافق 27 أبريل الجاري» في قرية بانمونجوم الكورية الجنوبية لمناقشة سبل تخفيف حدة التوتر بين الكوريتين وإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي.

وبالتوازي مع عملية تمهيد الأجواء صعدت كوريا الشمالية من سقف مطالبها بالتلويح عبر وسائل الإعلام بأن تعهد الرئيس أون بنزع السلاح النووي لا يتضمن التخلي عن 60 قنبلة نووية بالإضافة إلى عدد غير معروف من الصواريخ البالستية.

وفي اجتماعه مع أعضاء الحزب الحاكم حدد الرئيس الكوري الشمالي شروطا جديدة لنزع السلاح النووي تتضمن توافر بيئة دولية مواتية للتنمية الاقتصادية وذلك في إشارة إلى ضرورة أن تحصل بلاده على مساعدات دولية لتطوير اقتصادها ورفع العقوبات التجارية والمالية والخاصة بالطاقة.

وفي المقابل شددت واشنطن على ضرورة التزام بيونج يانج بتفكيك ترسانة أسلحتها النووية بالكامل خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام، وهي فترة قصيرة قد لا يكون بوسع الرئيس أون الموافقة عليها خاصة وأنه يدرك أن السلاح النووي هو الورقة الوحيدة الرابحة التي يمتلكها..

ووسط حالة من الشد والجذب تبدو المحادثات المرتقبة بين البلدين صعبة ومعقدة، في ظل خلافات حادة حول التفاصيل، ومخاوف من رفض بيونج يانج تفكيك كل ترسانتها نووية، وهو ما قامت به دول أخرى، ففي مطلع التسعينات تخلت جنوب إفريقيا عن ترسانتها النووية، وفي عام 1991 تم تفكيك الترسانة النووية السوفيتية في أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان، لكن وفي المقابل أدى تخلى دول أخرى كالعراق وليبيا عن طموحاتها النووية لتعرضها لحملات عسكرية أمريكية.

وهذا ما يثير قلق كوريا الشمالية التي تتخوف من مصير مماثل، ولعل هذا ما دفعها للتلويح بالاحتفاظ بجزء من ترسانتها النووية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدا لها فضلا عن كونه إخلالا بتوازن القوى في جنوب شرق آسيا، قد يدفع كوريا الجنوبية واليابان وتايوان لامتلاك السلاح النووي، وربما يهدد بانهيار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واشتعال سباق تسلح نووي حول العالم.

ومع تباين وجهات نظر البلدين حول تفكيك أو تجميد ترسانة كوريا الشمالية النووية، تثور مخاوف جدية من أن تلقى قمة ترامب أون نفس مصير محادثات أخرى سابقة، ففي عام 1994 وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون توصلت واشنطن وبيونج يانج إلى اتفاق يقضي بتجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي، لكن الاتفاق انهار في عام ٢٠٠٢ مع تسلم الرئيس جورج دبليو بوش منصبه واتهامه بيونج يانج بامتلاك برنامج سري لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب.

وفي عام ٢٠٠٥ عقدت مباحثات سداسية حول تجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي بمشاركة الكوريتين والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان، لكنها انهارت مع فرض الولايات المتحدة عقوبات على بنك في ماكاو بتهمة غسيل الأموال لصالح بيونج يانج.

وفي أكتوبر ٢٠٠٦ أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية لها استتبعها جولة جديدة من المحادثات السداسية بهدف إغلاق منشآتها النووية مقابل مساعدات غذائية، لكن المباحثات انهارت في عام ٢٠٠٩ بعد خلافات حول الطاقة والتفتيش.

بصراحة تاريخ المحادثات الأمريكية الكورية الشمالية في هذا الصدد لا يدعو للتفاؤل، لكن من السابق لأوانه التنبؤ بنجاح أو فشل قمة ترامب أون التي تستهدف تجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي في المرحلة الأولى قبل عقد صفقة تحصل بموجبها بيونج يانج على ضمانات أمنية ومساعدات اقتصادية مقبل تفكيك ترسانتها النووية بطريقة يمكن للمجتمع الدولي التحقق منها.