أفكار وآراء

اليـمـن هـل مـن مخـرج ؟!

24 أبريل 2018
24 أبريل 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

يعاني اليمن الشقيق من حرب قاسية تدخل عامها الرابع وبصرف النظر عن أسباب اندلاع الحرب إلا ان المنطق السياسي يقول بأن هذه الحرب لم تستطع كل الأطراف الداخلة فيها تحقيق الأهداف التي أعلنتها من وراء تلك الحرب وبالتالي لا بد من التسليم بأهمية إيجاد مخرج سياسي ، وإنهاء الحرب على قاعدة أساسية وهي التنازلات الموضوعية من الفرقاء وإنقاذ اليمن وشعبه من كارثة إنسانية بدأت ملامحها في التشكل ، وهو ما أشارت إليه تقارير الأمم المتحدة من خلال التقرير الذي قدمه مبعوث الأمين العام للشؤون الإنسانية في اليمن.

وعلي ضوء الكارثة المخيفة التي تعيشها اليمن فإن المنطق يقول بأن وقف الحرب اصبح ضرورة يمنية أولا وإقليمية ودولية ثانيا ، حيث إن مسألة الحسم العسكري حتى لو تم السيطرة على العاصمة صنعاء سوف يخلق فوضى مسلحة وايضا سوف يخلق اقتتالا على ضوء ما حدث في افغانستان حيث حروب الكر والفر وبالتالي ينزلق اليمن الى حروب قبلية اهلية من الصعب السيطرة عليها وبالتالي قد تنهار الدولة اليمنية في النهاية بشكل أو بآخر وهو أمر مأساوي .

خيار التسوية

الحرب في اليمن عند اندلاعها كانت التقديرات تشير الى ان الحسم قد يكون خلال عدة اشهر ومع دخول العمليات العسكرية ومع انتهاء العام الاول اصبحت تلك الحرب تتجه الى حرب لا نهاية لها وتدخلت اطراف اقليمية ودولية فاقمت من المشكلات داخل المدن اليمنية خاصة محافظة تعز التي تعرضت الى مآسٍ حقيقية خاصة على الصعيد الإنساني. والحرب في النهاية هي خيار بشع يمس المدنيين بشكل خاص حيث ان خطر المجاعة والامراض ونزوح الملايين من اليمنيين اوجد كارثة انسانية خطيرة واصبح الوضع في اليمن حسب التقارير الدولية كارثي يحتاج الى عملية إنقاذ كبيرة وسريعة أيضا . ولا شك ان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الجديد البريطاني جريفيث قد اطلع مجلس الأمن الدولي مؤخرا حول أهمية التسوية السياسية في اليمن وإطلاق المفاوضات خلال شهرين كما انه التقى بالفرقاء اليمنيين جميعهم ، محذرا بأن الوضع في اليمن خطير ويحتاج الى جهود سياسية لإيجاد مخرج ينقذ اليمن وشعبه من أهوال الحرب ونتائجها الكارثية .

ان الاطراف الداخلة في الحرب من الحوثيين من جانب ، والتحالف العربي من جانب آخر ، لا بد ان يدركوا ان الحرب وبعد مضي اكثر من ثلاث سنوات لابد ان تتوقف وان خيار التسوية هو الافضل ، وان وقف الحرب المتبادل من الطرفين سوف يهيئ الأجواء نحو تسوية سياسية شاملة ويعطي فرصه حقيقية لمبعوث الأمين العام لإيجاد أرضية مناسبة لنجاح التسوية السياسية وإحلال السلام في اليمن الشقيق وإنهاء المعاناة الإنسانيه لملايين اليمنيين ، بدلا من الاتجاه نحو مزيد من التصعيد ، وهذا بلا شك سوف يساعد على إطلاق المصالحة الوطنية تمهيدا لتنفيذ البرنامج السياسي المتمثل في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على ضوء مقررات الشرعية الدولية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني المشترك وأي صيغ سياسية تساعد الفرقاء اليمنيين على الحفاظ علي بلدهم وإبعادها عن شبح التقسيم والمزيد من الدمار والانهيار.

الكل خاسر

ان تجارب الحروب مريرة بالتأكيد ، وهي تشكل خسارة للجميع ، بصرف النظر عن نتائجها في المفهوم العسكري ، وفيما يخص الأوضاع في اليمن الشقيق ، فإن اليمن بجغرافيتها الجبلية المعقدة وتركيبتها القبلية لا تعطي مؤشرات على كسب الحروب فيها بسهولة. فالجغرافيا لها كلمتها فيما يخص الحروب ولعل نموذج افغانستان هو نموذج حي من خلال عدة حروب اقليمية ودولية شهدتها افغانستان طوال تاريخها الحديث بل ان الاتحاد السوفيتي السابق فشل واندحر في افغانستان ، كما ان الولايات المتحدة لم تستطع القضاء علي حركة طالبان بعد سنين من الحرب القاسية ، بل إن حركة طالبان عادت الآن وأصبحت تشن هجمات متواصلة على العاصمة كابول ذاتها ، ومن هنا فإن الحروب من خلال الجغرافيا المعقدة لا يمكنها النجاح حتى لو كان هناك نصر مرحلي او جزئي ومن هنا فإن الحرب في اليمن استنفدت أغراضها بمعنى ان الحسم العسكري اصبح مستبعدا بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على الحرب .

ويبدو لي ان الكل خاسر في الحرب اليمنية وفي مقدمتهم اليمن أرضا ومقدرات وشعبا ، كما ان زعزعة الاستقرار للمنطقة ككل ، يعد أيضا هاجسا امنيا لا بد من وضعه في الاعتبار نظرا لاتساع عمليات القصف المتبادل بين الطرفين والخسائر البشرية المتواصلة ، وبالتالي فإن المفهوم العسكري يقول بأن إطالة أمد الحرب يعني بأن أطراف الحرب أصبحت غير قادرة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية ، التي رسمت قبل الحرب وهذا هو المنطق العسكري الصحيح.

فالحرب الخاطفة أصبحت مصطلحا عسكريا يقصد به إنهاء المعركة بأسرع وقت ممكن وان عدم حدوث ذلك يدخل الحرب في إشكالية الزمن وهو الأمر الذي حدث في الحرب في اليمن كنموذج يمكن الاستشهاد به في ظل الجغرافيا الجبلية وفي ظل تدخلات إقليمية أخرى ، لا يمكن إنكارها، وهذا ما يجعل من مسألة حسم الحرب عملية أكثر صعوبة وتعقيدا .

وهناك عامل مهم في الحرب في اليمن وهو السلاح المتواجد على الأراضي اليمنية والتي قدرتها بعض المعاهد العسكرية في فترات سابقة بنحو سبعين مليون قطعة سلاح وهو كم كبير من السلاح مما يعني أن الحرب الأهلية في اليمن وأيضا بوجود قوات التحالف العربي فإن المشهد اليمني سوف يزداد تعقيدا اكثر مما هو عليه الآن ، كما ان دائرة القلق من نتائج الحرب من الطبيعي ان تتسع حول اليمن نظرا لاستمرار هذه الحرب ، والتي جعلت الشعب اليمني الشقيق يعيش واحدة من اكثر المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث . وعلي ضوء تلك الحقائق فإن قرار وقف الحرب المتزامن من الأطراف ذات العلاقة هو القرار الصحيح وان الدخول في مفاوضات سياسية جادة هو الخيار الأسلم لإنقاذ اليمن ، ووقف نزيف الدم هناك. ولا شك أن بذل مزيد من الجهود السياسية هو أمر مهم ولعل السلطنة وقيادتها الحكيمة قد بذلت جهودا سياسية مضنية من اجل إنهاء الحرب والجلوس علي طاولة الحوار إدراكا من السلطنة بأن الحروب هي في النهاية ممارسة مدمرة لكل الأطراف ، والجميع فيها خاسر، ومن هنا فإن تلك الجهود العمانية المخلصة سوف تتواصل لإخراج الأطراف المتحاربة من هذه الحرب ومن المآزق الذي اصبح واقعا لا يمكن التهرب منه علاوة على ان تقارير المنظمات الدولية وحقوق الإنسان في الغرب يضع ضغوطا متواصلة على فرقاء الحرب لوقف تلك الحرب على الأقل من الناحية الإنسانية وفتح المطارات والموانئ لوصول مساعدات الإغاثة للشعب اليمني الشقيق، الذي يعاني الأمرين .

وطالما ان الكل خاسر في الحرب في اليمن فالحكمة تقتضي وقف هذه الحرب ، ومن هنا فإن على الفرقاء ان يتوصلوا إلى قناعة سياسية بأن حسم الحرب لصالح احد الأطراف اصبح غير ممكن في ظل تشابك الأطراف الإقليمية في الحرب ، خاصة وان هذه الأطراف الإقليمية دخلت في حسابات تتعدى المشهد اليمني وهذه حقيقه لا يمكن إنكارها أيضا .

الأمم المتحدة وخيار السلام

ترسم الامم المتحدة صورة قاتمة للوضع الإنساني في اليمن من خلال التقرير الذي قدمه الممثل المختص للقضايا الإنسانية في اليمن ، حيث اكد ان ملايين اليمنيين يعانون الأمرين على الصعيد الغذائي والصحي وتفشي الأمراض ووصول الحالة اليمنية الى مستوى غير مسبوق بسبب الحرب ، علاوة على تدمير البنى التحتية لعدد من المدن اليمنية وتوقف الكثير من المستشفيات والمدارس والجامعات عن العمل ، وتدني نشاطات الجمعيات التطوعية ونزوح الملايين الى محافظات يمنية افضل حالا نسبيا ، خاصة المحافظات الجنوبية ، ومن هنا فإن تقرير الأمم المتحدة يشير الى حالة مزرية على الأرض ، علاوة على إغلاق مطار صنعاء والذي يعد شريان الحياة لوصول المساعدات وتنقل المواطنين ، ومن هنا فإن الأمم المتحدة لابد ان تواصل جهودها الإنسانية أولا ، وجهودها السياسية ثانيا حتى تنجح المفاوضات والتي سوف يطلقها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة خلال الأسابيع القادمة، كما أشار الى ذلك أمام مجلس الأمن الدولي .

ان الوضع في اليمن الشقيق هو وضع خطير من خلال ما ينقله الإعلام اليمني والعربي والدولي ومن خلال التقارير الدولية ، ومن هنا فإن عدم وقف الحرب في اليمن سوف يخلق المزيد من الكوارث لهذا البلد الشقيق ، مما قد ينتج عنه انهيار الدولة اليمنية وانطلاق حروب قبلية وفوضى عارمة في اليمن بكل ما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج .

ان الحكمة تقتضي وقف الحرب بشكل فوري متزامن والجلوس على طاولة الحوار وهذا بلا شك سوف يساعد على لملمة الأوضاع المعقدة في اليمن ويفتح الأمل للشعب اليمني نحو استعادة الأمن والقرار ويفتح صفحة جديدة من التعايش بين مكونات الشعب اليمني وإقامة الدولة المدنية القائمة على القانون والنظام والمواطنة وتداول السلطة مع وجود الدستور اليمني الضامن لوحدة البلاد وأمنها ليتفرغ اليمن للتنمية والتطوير واستثمار الموارد الطبيعية الكبيرة لبناء اليمن الجديد المستقر بكل فئات الشعب اليمني وليكون اليمن بلدا عربيا يلعب دوره الوطني والقومي على الساحتين العربية والدولية وأن ينعم الشعب اليمني بخيرات بلده، أما التصعيد واغتيال القيادات وقصف المدن فإنه لا يساعد أبدا على التهيئة لوقف الحرب ، بل انه يفاقم من معاناة الأشقاء اليوم وغدا .