Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر : الكلمة القاتلة

25 أبريل 2018
25 أبريل 2018

رندة صادق -

[email protected] -

انتشرت منذ القرن الماضي مفاهيم جديدة تتعلق بحقوق الإنسان،تخطت “الاعتداء الجسدي” لتصل إلى “الاعتداء اللفظي”، ولعله إذا أردنا التفصيل أكثر والبحث بكيف نعتدي على بعضنا البعض؟ فإننا نصل إلى الاعتداء بالنظرة وهذا موضوع يستحق أن نبحث فيه في مقال آخر.

لطالما أدركت أننا جميعنا أشرار في مكان ما إذا كان الأمر يتعلق بدفاعنا عن أنفسنا أو في قتالنا من أجل مصلحة معينة نرغب بها بشدة، من جهة أخرى الشر قد يظهر يوما بلفظ قاتل ينال من ثقتنا بأنفسنا وذاك الكبرياء الفطري بداخلنا. الكلمة القاتلة مصطلح موجود في ذاكرة كل منا نتيجة جرح تحول إلى ندبة ظاهرة في جدار الذاكرة، نتحسسها ونستحضرها بكثير من تفاصيلنا .

هناك نوعان من الألم يمر بهما الإنسان بحسب رؤيتي، لذا هو ليس بكلام علمي ولكنه رأي انطباعي، ألم ينقسم إلى قسمين: ألم اجتماعي يتعلق بالظروف المحيطة بالإنسان، وألم قدري يتعلق بمرض أو بلاء، أما الألم الآخر هو الألم النفسي والذي هو ألم صامت يظهر باضطرابات نفسية وسلوكية، وهو أشد قسوة وأكثر نزفا من الألم الأول، لأنه يدور في أعماقنا ولا نملك معرفة حقيقية عن كيفية تطوره ولا نتائجه، فكيف نتعامل مع ما نجهله؟

في أحد المستشفيات صادفت قتيلة ضحية الكلمة، تنام بسرير تشارك فيه الغرفة التي توجد فيها قريبة لي، بداية ليس كل قتيل ميت، فنحن يعيش بيننا أناس قتلتهم القسوة والكلمة والظلم والحزن، أناس أصيبوا بشظايا اللفظ، وتم قنصهم بسلاح الكلمة، حتى باتوا يتحركون بيننا جثثا منتهية الصلاحية، لا نبض للحياة بتفاصيلها، “روبوتات” تأكل وتنام وتمارس وظائفها بطريقة آلية، فهم يعيشون ولا يحيون، لأن العيش هو القدرة على إبقاء وظائفنا الطبيعية تقوم بدورها، أما الحياة فهي أمر آخر، هي القدرة على جعل أجسادنا وأرواحنا في فرح تضاد الحياة، تنبض إرادة وأملا وتتقلب فيها الفصول الأربعة بكل جمالياتها.

تلك المسكينة حاولت الانتحار، لأن شريك حياتها وحبيبها وأبو أطفالها لم يقف عند حدود الخيانة والضرب، بل وصفها بأنها امرأة انتهت كأنثى وأصابها صدأ السنين، وان عليها أن تنزوي وتختفي ولا يحتاجها، القسوة هنا ليست بالخيانة ولا بضربها ولا أنه أهمل وجودها وأنوثتها، بل أنه أطلق عليها رصاصة الرحمة من وجهة نظره أعلن عليها الموت، وأنهاها بالضربة القاتلة:” أنتِ لم يعد لك دورا لا بحياتي ولا بحياة الآخرين”. هناك فرق بين الحب والنزوة، الحب هو الخير والنزوة هي الشر، لذا الحب عليه إن يعلمنا الرقي وان يهذب لغتنا وان يحولنا إلى كائنات شفافة وحساسة، لا إلى كائنات أنانية مريضة ترغب في قتل كل من حولها لتفوز بمتعة عابرة.

كثيرة هي قصص الخيانة والانفصال وهي تحدث، ولكن بإمكانها أن تحدث برقي لا بإسفاف وتوحش، كما حصل مع هذه السيدة، لأنها في ذروة ألمها وإحساسها بالإهانة قررت التخلي عن الحياة، كلامه قتل فيها عنفوانها وآمالها. لو أعدنا المشهد وحذفنا الكلام القاتل، أظن كانت الأمور أخذت شكلا آخر يمكنها من إيجاد طريقة لتخطي خيانته ومواجهة الوضع الجديد، بمحاولة لتبين طريقها، لماذا البعض لا يجيد الانسحاب الهادئ والعاقل؟ في حياتنا جميعا كلمة قتلت فينا أجزاء من عنفواننا وكرامتنا وسلبت رقصنا وتناغمنا مع ذاتنا وتركتنا أشلاء. لقد أنقذ الأطباء حياتها ولكن من سينقذ كرامتها، من سيرمم تشوهات أحاسيها؟ اليوم قتل رجل امرأة بكلامه، ولكن هذا لا يعني انه لا توجد نساء يقتلن بالكلمة رجالا أحبوهن وأخلصوا لهن. هذا العنف اللفظي قاتل، غاضب،بلا ضمير، أدبوه بدواخلكم روضوه، لتسير الأمور بمجرياتها، فلا تتحول إلى براكين تنفجر وتحرق الأخضر واليابس بحياتكم وحياة شركائكم.