1316911
1316911
المنوعات

الفيلم يصنع الأسئلة.. وليست مهمتي البحث عن أجوبة غير موجودة في الحياة

24 أبريل 2018
24 أبريل 2018

المخرج رشيد مشهراوي في حوار مع «عمان الثقافي» عن «كتابة على الثلج»

لم أجامل السلطة الفلسطينية.. وانتقدتها كثيرا في فيلم «فلسطين ستيريو»

حاوره في طهران ـ عاصـم الشـيدي -

كان المخرج الفلسطيني المعروف رشيد مشهراوي يسير وسط مجمع تشارسو السينمائي في طهران وعشرات القنوات الفضائية تحيط به من أجل الحصول على تعليق أو حوار من خمس دقائق فقط بعد عرض فيلمه «كتابة على الثلج» في مهرجان فجر السينمائي في طهران والذي طرح الكثير من الأسئلة وأثار الكثير من النقاش. وقال لي صحفي سوري كان يسير معي «هذا دليل نجاح المخرج ونجاح فيلمه». وبعد جولة من الحوارات مع القنوات الفضائية «عربية وفارسية وغربية» تقدمت منه وقلت له: ألا تحتاج إلى فنجان قهوة بعد كل هذا العناء، فرد عليّ: إذا كانت على وقع بقايا زيارتي لعمان فنعم. فكانت جلسة حصيلتها هذا الحوار.

• فيلم كتابة على الثلج ناقش قضية تناقش لأول مرة سينمائيا تقريبا وهي قضية الانقسام الفلسطيني، ما الجديد الذي قدمه الفيلم، وما القراءة المغايرة التي طرحها الفيلم لقضية الانقسام؟

نحن في فلسطين نعيش في حالة أنا أسميها «نكبة الانقسام» وإذا كانت النكبة الأولى في عام 48 كانت بسبب الاحتلال الصهيوني فإن النكبة الحالية أصعب لأنها انقسام داخلي، انقسام بين فلسطيني وفلسطيني. أنا من غزة، أنا لاجئ، وبالنسبة لي طرح موضوع الانقسام ضمن أولوياتي، نحن نعاني كثيرا من الاحتلال وحياتنا اليومية متأثرة بكل ممارسات الاحتلال، ولا نستطيع مقاومة الاحتلال أو نحصل على أي شيء ما دمنا منقسمين، ونحن ما زلنا منقسمين. الفيلم يحاول يخلي موضوع الانقسام ملموس بيننا، ونفتح حوله نقاشا فلسطينيا فلسطينيا أو عربيا أو حتى عالميا، بس أول لا بدّ أن يكون النقاش فلسطينيا فلسطينيا. الفيلم أيضا يطرح أشياء لها علاقة بالمشهد العام، يطرح الفيلم نموذجا غير موجود في الحياة وهو نموذج التعايش في نهاية الفيلم، لأنه يرينا أننا نحن المنقسمين في أي لحظة سنكون كلنا مهددين بتهديد واحد، في أي لحظة البيت الذي نحن فيه سينفجر بنا وكلنا سنذهب ضحية، وأننا نتصارع على سلطة غير موجودة في الحقيقة.

إذا تريد الجواب فإن الفيلم يقول للفلسطينيين إن لديكم قضية مهمة وعلينا أن نواجهها.

• لكن الفيلم اعتمد في خطابه على كليشيهات جاهزة ومعروفة ومكررة .. الفتحاوي يتهم الحمساوي بالتطرف والحمساوي يتهم الفتحاوي بأنه باع القضية وتوقف به الزمن في أوسلو، الفيلم صور الانقسام وفق المطروح والمتداول سواء في الخطاب العادي أو في الخطاب الإعلامي ولم يقدم صورة جديدة أو مغايرة؟

بالنسبة لي هذا الفيلم نابع من ألم، وأنا أحببت أن تقال الأشياء كما هي، أن تلمس الأشياء مباشرة وليس بشكل رمزي أو بشكل تعبيري، لأن تعاملنا مع المواضيع بالالتفاف على المعاني وعلى الأشياء بالترميز لها غير مجد .. أنا أعتبر أن الذي عنده جرح لازم يضغط عليه من أجل الشفاء منه ولو أحدث ذلك الضغط ألما. فيلم «كتابة على الثلج» مرتبط بالانقسام الفلسطيني ولذلك لا بد أن تقال الأشياء وبشكل مباشر وتسمى الأشياء بأسمائها؛ لأنه بغض النظر، فنحن لا نحكي حمساوي أو فتحاوي، نحن نتحدث عن التطرف وهو مرفوض في أي مكان، ولكن نحن نواجه في العالم العربي أن جهات تستغل الدين وتستعمله لمصالحها، وتشكك بالآخر وتخونه وليس لديها إلا لغة السلاح، والسلاح هنا ليس كمشروع وطني، وإنما من أجل الحصول على النفوذ والسلطة. وأنا أحترم كل الآراء التي تقال في هذا الجانب ولكن أنا في الفيلم أحببت أن تقال الأشياء كما هي وأن تلمس بشكل مباشر.

• البعض قد يقول أن سبب تصوير الشاب الحمساوي بأنه متطرف والفتحاوي بأنه منفتح وقابل للحوار ومستوعب لحماقات الآخر نفهمها من خلال معرفتنا أن السلطة الفلسطينية/‏‏ فتح هي التي مولت إنتاج الفيلم.. المخرج ماذا يمكن أن يقول؟

لا أعرف بأي قدر أنت ومن شاهد الفيلم متابعين لمسيرتي السينمائية، لأن لدي فيلم بعنوان «فلسطين ستيريو» وهو فيلم طويل قدمت فيه نقدا ذاتيا للسلطة الفلسطينية، وبشكل قاس جدا. ولاحظ أنا عندما أنتقد الفلسطينيين فهم بالنسبة لي ليسوا هم بل نحن، يعني أنا. فأنا أنتقد ذاتي أولا؛ لأني كسينمائي لست راض عن الكثير من الأشياء، وقدمت في حياتي حوالي 20 فيلما موجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولكن لما يكون معنا جرح فلسطيني فلسطيني سواء السلطة أو حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر فليس علينا أن ندفن رأسنا تحت التراب، ولا نتعامل مع مشاكلنا.. نحن نقوى عندما نتعامل مع مشاكلنا بشكل صريح وواضح. أنا لدي ملاحظات في فيلم «كتابة على الثلج» والذي يريد أن يتتبع ما وراء الأشياء هناك مقولات مثل: أنتم ماذا فعلتم صار لكم 20 سنة تقاوموا؟ أنا أريد أن تقال الأشياء وجها لوجه، خلينا نجلس مع بعض ويقول كل واحد ماذا يفكر كفلسطيني وكيف ينظر للآخر.

• أيضا أردت السؤال بما أنك أنت السيناريست أيضا حول رمزية الزمن المستخدمة في الفيلم، الساعات الكثيرة التي انتشرت في البيت الضيق وأغلبها متوقف.. ماذا أردت أن تقول؟

حاولت الحديث عن الزمن الفلسطيني أو الزمن العربي ولكن بالتحديد الزمن الفلسطيني المتوقف وأحيانا المحنط وأحيانا يرجع لوراء، كل ساعة بشكل مختلف، ليس بينها أي انسجام. طوال الفيلم غسان مسعود يصلح في الساعة وما تتصلح، بل وتسقط على الأرض في الآخر، هناك مقولات أيضا أن هذه الساعة التي ذهبت من فلسطين على الأردن على لبنان إلى تونس ثم عادت إلى فلسطين هي ربما المقاومة بكل تنقلاتها وهي اليوم متوقفة أو محنطة أو تعود للوراء إن شئت أن تقرأ الرمز بهذه الطريقة.

• الفيلم يختتم بعبارة موحية «نستنّى شوية»؟

لأني متفائل، وأحب أن أكون متفائلا بشكل مستمر، وأحب للسينما ان تكون متفائلة. أحب أيضا أن أعطي طرحا حتى لو لم يكن موجودا في الحياة، ولكن هناك أمل، ومهم أن تعطي السينما هذا التفاؤل والأمل من أجل أن تتبناه الناس وتمارسه على أمل أن يصير حقيقة. وتكون لدينا محاولة للتأثير على من يستطيع تغيير الواقع.

• حركة الشخصيات في الفيلم كانت محصورة في مساحة مكانية محدودة جدا.. هل أنت ترمز إلى غزة أم إلى فلسطين أم إلى أن حركة الفلسطينيين باتت مقيدة ومحدودة منذ اللحظة التي دخلوا فيها إلى داخل البيت بكل ما يحمله من دلالة ؟

تفسير جميل جدا وتستطيع أن تقول نعم. ولكن أيضا فلسطين كلها الممثلة في ذلك البيت لا تملك السماء ومهما حاولنا فنحن محاصرين من قبل الاحتلال ليس في غزة فقط ولكن في كل فلسطين، المحتل الإسرائيلي يستطيع أن يدخل أينما يشاء في الوقت الذي يشاء ويعمل ما يريد ويخرج، ونحن لا نملك إلا أن ندين ونشجب ونندد أو كما تريد ولكن هم يعملون ما يريدون.. ذلك البيت الضيق هو حياتنا نحن الفلسطينيين المحاضرين، الاحتلال يقصفنا، في حين أولويتنا ليست دائما مقاومة الاحتلال، ولكن نحن ضد بعضنا البعض والسؤال أنت مع من وأنا مع من!!

• مصير الشخصيات كان مفتوحا جدا، المصاب لم نعرف إن كان جاسوسا أم لا رغم أن حديثك عن أن البيت كان يضم كل أطياف الفلسطينيين يقوي الطرح.. إذن أنت تترك القضية مفتوحة أيضا بأحداثها وبأسئلتها وباتهاماتها أيضا؟

طول ما الاحتلال ما زال قائما فإن الأسئلة ستبقى مطروحة ومفتوحة أيضا، حتى قضية الانقسام الفلسطيني الفلسطيني سيبقى مفتوحا ومطروحا، وبالعكس قد يتراجع للوراء أحيانا كما رأيت مع الزمن. والسينما كما أرى تبتدع الأسئلة أكثر مما تبتدع الإجابات والحلول وتترك المشاهد يفكر ويحلل ويبني تصورات. ثم أنا ليست مهمتي أن أضع حلولا وأجوبة لأسئلة هي غير موجودة في الحياة أصلا، أنا أساهم في صنع تفاهم ووضع الأسئلة أمام الجميع ولكن الأجوبة ليست لدي حتما.

• كيف استقبل الفيلم في المهرجانات التي عرض فيها؟

بشكل عام كمخرج أنا راض كثيرا على استقبال الفيلم، لأنه يثير النقاشات التي أريدها. وإذا كنا نتحدث عن الرسالة السياسية في الفيلم كثيرا، لكن أيضا هناك إعجاب بالفيلم من حيث هو سينما وتقنيات سينمائية، وكما تعرف ليس سهلا أن تشتغل على فيلم طويل بخمسة ممثلين وفي مكان ضيق جدا كالمكان الذي دارت فيه أحداث الفيلم.