أفكار وآراء

فوز «أوربان» فـي المجر.. هل يمهد لانقسام أوروبا؟

20 أبريل 2018
20 أبريل 2018

بقلم: سمير عواد -

كانت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد الموافق الثامن من أبريل الجاري في المجر، مخيبة لآمال الأوروبيين، وخصوصاً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذين كانوا يأملون بخسارة حزب «التحالف المدني المجري» Fidesz الحاكم في المجر. وعلى العكس منذ ذلك، تمكن حزب رئيس الوزراء المجري المثير للجدل، فكتور أوربان، من الفوز بوضوح وبصورة أثارت اليأس في نفوس خصومه الأوروبيين.

ويستعد «أوربان» البالغ 54 عاماً من العمر، ليشغل الولاية الرابعة في منصبه، ويستحوذ حزبه على 134 مقعدا في البرلمان وثلثي عدد الأصوات بعد تعديل دستور البلاد الذي عاد بالنفع على «أوربان» وحزبه. وكان واضحاً منذ البداية أن أحد أبرز أسباب فوز حزب «أوربان» كان الانقسام القائم بين أحزاب المعارضة، والنهج المتشدد تجاه الاتحاد الأوروبي والرافض لهيمنة ألمانيا وفرنسا على سياسات أوروبا ومعارضته لفتح بلاده الأبواب أمام اللاجئين في إطار عملية توزيعهم بالتساوي على دول الاتحاد الأوروبي وتخويفه الرأي العام في بلاده وأوروبا من «أسلمة» القارة الأوروبية على حد زعمه. والملفت للنظر أن هذه المواقف المتشددة تجد تأييداً لدى غالبية الناخبين في المجر وفي عدد غير قليل من دول الاتحاد الأوروبي.

وتعتقد صحيفة «دي فيلت» الألمانية، أن الفوز الثالث على التوالي لأوربان في الانتخابات البرلمانية سوف تكون له عواقب. إذ أن المجر طرف في مجموعة «فيزيجارد» التي تنتمي إليها سلوفاكيا وبولندا والتشيك وتُعتبر جميعها ناقدة لسياسات الاتحاد الأوروبي وخاصة تجاه اللاجئين. وأضافت الصحيفة أن «أوربان» أصبح يشعر بعد فوز حزبه أنه زعيم الشعبويين الأوروبيين الذين يجب أن يعتبروا نهجه ومن «بودابست» أصبح هناك بوادر مقاومة تقوم بها دول مجموعة «فيزيجارد» ضد خطط إصلاح الاتحاد الأوروبي ، التي يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القيام بها. وقد زادت العراقيل أمام توصل الاتحاد الأوروبي لسياسة موحدة في مواجهة أزمة اللاجئين بسبب الفوز الكبير الذي تحقق لحزب أوربان، الذي يعتبر تأييد ثلثي الناخبين المجريين له، تأكيداً على نهجه المتشدد تجاه اللاجئين. وتجدر الإشارة إلى أن «أوربان» أكد قبل الانتخابات الأخيرة أن حزبه سيخوض انتخابات مصيرية سوف تحدد نتائجها موقف الناخبين من أزمة اللاجئين ومخاوفهم من انتشار الإسلام في أوروبا. وقال «أوربان» أمام مؤيديه بعد إعلان فوز حزبه: لقد فزنا، وتحقق للمجر نصر كبير، وبوسعنا الآن الدفاع عن قيمنا ونهجنا.

ويرى أوربان أن فوز حزبه يُعتبر اندفاعة كبيرة للشعبويين في أوروبا، لذلك واجه فوزه فتوراً من قبل خصومه في الاتحاد الأوروبي. فقد حرص رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، على تذكير «أوربان» بضرورة احترام القيم الأوروبية وبعد ساعات من التردد أبرقت المستشارة الألمانية ميركل مهنئة «أوربان» وتضمنت رسالتها تذكيراً له بالعلاقات التاريخية بين ألمانيا والمجر، على الرغم من تراجع هذه العلاقات في العامين الماضيين نتيجة اختلاف المواقف خاصة حيال أزمة اللاجئين. لكن جان أسلبورن، وزير خارجية دوقية لوكسمبورج، كان الأكثر وضوحاً في التعبير عن موقفه وصرح لصحيفة «دي فيلت»، أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي إقناع الدول الأعضاء بالعمل وفقاً لميثاقه وقيمه وعدم لجوئها إلى تبني إيديولوجيات قومية وإشاعة الخوف في نفوس مواطنيها والتضامن مع دول الاتحاد في تحقيق السلام في أوروبا والعالم.

في الوقت نفسه، انهالت برقيات التهاني من الشعبويين الأوروبيين على مكتب رئيس الوزراء المجري، علامة على حالة الانقسام التي تعاني منها أوروبا. وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف في فرنسا، أن الفوز الكبير لأوربان، يشير إلى رفض المجريين الواضح للهجرة المكثفة التي يؤيدها الاتحاد الأوروبي. وأكدت أن انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة في عام 2019، سوف تنتهي بانتصار ساحق للأحزاب الأوروبية الرافضة للهجرة وسياسات الاتحاد الأوروبي.

وقد أصبحت الأحزاب الشعبوية في أوروبا ممثلة في البرلمانات والحكومات، والآن اكتشفت الأحزاب التقليدية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي أن استعادة الناخبين الذين أيدوا الأحزاب الشعبوية بسبب الشعور بأن الأحزاب التقليدية لم تعد تمثل مصالحهم، ويريدون معاقبتها بحجب أصواتهم عنها في العمليات الانتخابية. ولذلك يلاحظ أن الأحزاب التقليدية بدأت تنهج سياسة متشددة حيال اللاجئين ويتهجم البعض مثل قادة الحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا الألمانية على الإسلام ويزعمون أنه لا تأثير له على الحياة الثقافية والهوية الألمانية، والهدف واضح وهو أن هذا الحزب يريد بأي ثمن الفوز بالانتخابات القادمة في الولاية التي حقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي في الانتخابات الأخيرة فيها فوزا كبيرا تمكن من خطف آلاف الناخبين التقليديين للحزب البافاري الحاكم فيها.

وأوضحت صحيفة «دي فيلت» أن الحزب الحاكم في المجر، استغل احتفالات مؤيدي نهج «أوربان» ضد اللاجئين، ليعلن عن مشروع قانون ينص على الضغط على المنظمات غير الحكومية والناقدة لسياسات أوربان، وعرقلة نشاطاتها إلى حد كبير، وتأكيدها أن التبرعات التي تحصل عليها لا يتم استخدامها في تشجيع الهجرة إلى أوروبا وتهديدها بفرض ضرائب عالية عليها تصل إلى 25 بالمائة.

والجدير بالذكر أن المجر تستفيد كثيراً من أموال الدعم الأوروبية على الرغم من الشكوك الأوروبية بأنها تحترم القيم الأوروبية، وتحصل المجر سنوياً على 4.5 مليار يورو من بروكسل وحصلت منذ عام 2004 عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي على 48 مليار يورو.

وتُعتبر الأحزاب الشعبوية في أوروبا مقربة من روسيا في ظل رئيسها الحالي فلاديمير بوتين، وكانت ولا تزال تؤيد نهجه في الأزمة السورية، ولذلك فإنها ترى في الموقف الواقعي الجديد للحكومات الغربية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، تأكيدا لموقفها المناهض للعقوبات ضد روسيا ونهج الرئيس السوري، واعتراف الحكومات في واشنطن ولندن وباريس وبرلين أن حل الأزمة السورية غير معقول بدون روسيا وإيران.