مرايا

الماضي الجميل .. البساطة أهم ما يميزه والحاضر أكثر راحة وتعقيدا

18 أبريل 2018
18 أبريل 2018

كتبت- رحاب الهندي -

في السنوات الحالية كثيرا ما تجد أناسا يتحدثون عن الماضي بحسرة، واصفين ماضيهم بأنه أكثر راحة ونقاء وصلحا مع الذات، وكان بعيدا عن المظاهر التي تغمر حياتنا الآن في كل شيء.

وحين نستذكر الماضي القريب أو البعيد نكتشف أنه كان خاليا بعض الشيء من مظاهر الراحة والرفاهية، وأن أجدادنا في بعض المناطق لم يسعدوا بالكهرباء أو الماء المسال في بيوتهم، وحتى المدارس كانت في الغالب بعيدة جدا ويضطر البعض للوصول إليها مشيا على الأقدام، وهذا الماضي بعيد بعض الشيء، ولكن يفتقده البعض، ويتحدث عنه بشوق وحنين، ولسان حالهم يتذكرون أن الماضي اليوم أصبح جميلا.

عائلة النبهانية استقبلتنا وهي تجتمع يوم الجمعة اجتماعها الدائم، وكان الأجداد والأشقاء والأبناء والأحفاد مجتمعين لتناول وجبة الغداء، فتحدثنا مع الجد سالم فابتسم مرحبا بنا، ثم تحدث عن الماضي بحنين قائلا: كان جدي رحمه الله مزارعا مميزا، وكانت مزرعته كبيرة، فكان يجمعنا نحن الأطفال من كل العائلة لنساعده في الزراعة والسقي والحصاد، ويعلمنا حب النبتة وكيف نسقيها ونعتني بها، وفي الصباح كان يحضر للمزرعة رجل الدين يعلمنا قراءة القرآن واللغة العربية.

كانت حياتنا أكثر بساطة، وأكثر تعلقا بالزراعة، والآن لم تعد الزراعة تهم الأطفال وحتى آباءهم، فقد تركوها للعاملين عندهم.

ثم تحدث إلينا ولده محمد متابعا قوله: معظم الناس فعلا يحنون للماضي ليس؛ لأنه كان صعبا أو سهلا، بل لأن أيامهم وذكرياتهم وحياتهم هي الأساس.

وعلينا ألا ننسى أن الحياة قديما افتقرت إلى أدوات التكنولوجيا التي عرفها الإنسان في العصر الحديث، وبالتالي كانت حياة الناس صعبة وشاقة في جوانب كثيرة، ففي السفر كان الناس يرتحلون من بلد إلى بلد باستخدام الإبل، وفي البيوت كان الناس يستخدمون أدوات بسيطة بدائية في إشعال النيران لإنضاج الطعام أو حفظه.

في المقابل أصبح الناس في عصرنا الحاضر يتنافسون في استخدام التكنولوجيا في جميع شؤون حياتهم الخاصة والعامة، ففي بيوت الناس تجد معظم الأدوات التي تسهل على الناس حياتهم وتبعد عنهم المشقة والتعب، وتختصر عليهم الوقت والجهد والمال، وفي الحياة العامة تجد السيارة وأدوات النقل المتطورة التي تنقل الإنسان من مكان إلى مكان آخر يبعد آلاف الأميال بساعات قليلة.

إلى جانب الاتصالات والتواصل بين الناس، فبعد أن كان الناس في الماضي يجدون مشقة كبيرة في التواصل مع بعضهم البعض تطورت أدوات الاتصال في العصر الحديث، حيث أصبح الناس يتواصلون بينهم بدون عوائق زمانية أو مكانية بفضل الشبكة العنكبوتية التي ربطت الناس مع بعضهم البعض، وسمحت لهم بالتواصل بجميع أشكاله المرئية والمسموعة والمكتوبة.

واستطرد قائلا: بالنسبة للأعراف والتقاليد، فقد اختلفت أعراف الناس وتقاليدهم في عصرنا الحاضر عما سبق، وقد سبب هذا الاختلاف أن العالم أصبح كالقرية الصغيرة التي يتأثر فيها كل فرد بمعتقدات وأفكار الآخر بشكل أسهل مما سبق، فقديما كان بوسع المجتمعات أن تنغلق حول نفسها وتحتفظ بموروثاتها الاجتماعية والثقافية، بينما في العصر الحاضر لم تتح الحياة المعاصرة للمجتمعات ذلك، فالقنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة اقتحمت على الناس بيوتهم، وفرضت عليهم الاطلاع على ثقافة الآخر، وبالتالي إمكانية التأثر بها سلبا أو إيجابا.

كما اتخذت الحياة المعاصرة أنماطا معيشية تختلف عن الحياة قديما، فقد كان الناس على سبيل المثال قديما يجتمعون حول مائدة واحدة، وأما حديثا فقد أخذت الحياة طابعا استهلاكيا يركز على إشباع الحاجات المادية أكثر من إشباع الحاجات الروحية وإثبات الذات.

واختتم حديثه موضحا: طبعا لكل زمن جماله واعتزاز الناس به، فأبي يعتز بأيامه الماضية، وأنا أعتز بأيامي، وسيكبر الأطفال ويعتزون بأيامهم الحالية التي ستصبح بالنسبة لهما ماضيا جميلا من خلال ذكرياتهم ومسيرة حياتهم.

جميل بناسه

تحدثت الجدة آمنة النبهانية بقولها: الماضي جميل بناسه وأيامه، لكن كل شيء كان صعبا، فالطبخ على الحطب والماء كنا نحضره ونحن نمشي مسافات، لكن الأسرة كانت أكثر تلاحما ومساعدة لبعضها البعض.

كل شيء تغير بالنسبة للناس؛ لأن الحياة تغيرت، ففي الماضي كان التعب الجسدي أكثر. هذه الأيام نجد التعب النفسي أكثر، زمان الأعراس كانت أكثر بهجة ومرحا وتستمر سبعة أيام، وغالبا كان الزواج من الأسرة الواحدة أي الأقارب ابن العم أو ابن العمة، هذه الأيام تطورت ويتزوج الشاب من أسرة أخرى، وكل الأعراس كانت تقام في البيوت، أما اليوم فالعرس يقام في قاعة مكلفة ليوم واحد، الله يعين الشباب على زمانهم .

تضحك الحفيدة واسمها أيضا آمنة (طالبة جامعية) وتقو: سنة الكون أن يتغير، وكل شيء من حولنا يتغير، ما عاشه الأجداد من صعوبة الحياة كما نسمع منهم لم نعشه نحن الأحفاد، لكن يبق رابط واحد ما بين الماضي والحاضر ألا وهو الرضا والقناعة، فكل من يرضي بحياته مهما كانت سيعيش سعيدا.

وتطور الحياة هو الذي أوصلنا إلى مزيد من العلم والرفاهية والراحة، متكئين على علم مهول من تراثنا وحضارتنا السابقة وعلوم الأجداد، وهذا شيء لا يمكن لإنسان أن ينكره، والماضي المتغير لا يتغير في منطقة معينة، بل يتغير بكل مكان بتطور العلم والثقافة وانحسار الأدوات البدائية، إنها الحياة بكل معانيها، وأنا شخصيا أراها جميلة في الماضي والحاضر، وأملي كبير بالمستقبل أن يكون أكثر جمالا .

بهذه الكلمات الجميلة والابتسامة الواثقة لآمنة الحفيدة الشابة غادرنا عائلة النبهاني، وكلنا أمل في أن الحياة فعلا جميلة بصعوبة الماضي ورفاهية الحاضر، ونعم الماضي الآن أصبح جميلا، وهو يمر عبر صور الذكريات.