مرايا

ربما :اختلفنا .. من يفهم الثاني أكــــثر!

18 أبريل 2018
18 أبريل 2018

د. يسرية آل جميل -

مدخل:

(كم هو مُؤلمٌ ألا تبدو.. أنت!)

قبل أعوامٍ كثيرة مضت من الآن، طُلبَ مني المُشاركة في طرحِ بعضٍ من مقالاتي الوجدانية، التي أحبُّ أن أطلق عليها خواطر عبر الجرائد و المجلات، هُنا في السلطنة وخارجها، و الخواطر لمن لا يعرف هي عبارة عن ترجمة حرفية لما يدور في النفس البشرية من مشاعر تتعلق بالحُب.. والطُهر.. والعفافْ، وهي أدبٌ راقٍ جدا، له أصوله وجذوره المُتناولة في تاريخِ أدبنا العربي الذي درسناهُ وتعلَّمناه، وقرأنا ما جاء فيه من قصائد ومعلقات لشعراءٍ لن يأتِ بمثلِ شعرْهم العُذري من يكُنْ.

وحقيقة لا أخفيكُم أني ترددتُ كثيراً قبل اتخاذِ قرارٍ بالقبولِ أو الرَفض، لا خشيةَ أن يُتهَم طرحي بالركاكة والضعف اللغوي والتركيبي، أو ما شابه ذلك، فلله الحمد و الفضل ومن بعده، أسرةٌ نشأتُ في كنفها، و أساتذةٌ أجِّلاء، من بحرِ علمهم امتلكُ الآن مفاتيح الأبجدية، التي أصوغُ بها فوقَ الأوراق ما تقرأونهُ أسبوعا وراء الآخر، والذي رُبَّـــمـــا يتفق مع ذوقِ القارئ، ورُبَّما لا، و ربَّما يعجبُ مِزاج القارئ، وَ ربَّما في بعضِ الأحيانِ أو الأسبابِ.. لا.

ويُسعدني كثيرا بما يفوق وصفهُ أن يُرسل قارئاً ما فيقول لي: وجدتُ نفسي بين الأسطُر وكأنَّ (الكاتب) أنا، كما أتقبَّل بكلِ سرور أن يقول الآخر لم أجدْ في كلامك مُفيدْ. ولا غرابَة في ذلكْ، فالأصلُ في كُلِ شئٍ الاختلافْ، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود:118].

ومَعنى الاختلاف لمن يجهَله، أنْ يكون لي وِجهة نَظر، وأن يكون للآخر وجهة نظرٍ أخرى، فكما يقول روبرت هينلين: (لن أتعلم أبدا من شخص يوافقني الرأي)، الاختلاف يا كرام هو أن تقرأ مقالي مرة، فتقول: رائعْ، وأن تقرأه أخرى فتقول: (عادي). وتأكدوا أن مثل هذه النماذج أحترمها جِدا وأقدِّر نقاشها وتحاورها معي؛ لأنه ينبغي أن أتيقن، وأنتم كذلكْ، أن الآخر مهما بلغتُ من درجات العُلا، يفضلني بشيء واحد على الأقل.

إلا إن الذين أعنيهم في هذا الموضوع بالذات، أولئكَ الذينَ تختلف زاويةَ قراءتهم لي -عفوا- لمقالاتي أو خواطري، فيبدأون في تأويلها وتحريف معانيها

وتحميلها ما لا علاقة لها به، فيُلصقُونَ بها معاني رذيلة لا تمت بصلة إلا لما يدورُ في عقلِهم الباطن، فبكُلِ أسف، ومع مرور أعوام و أعوام لي في الكتابة، صدقَ ظني وحدسي ومبررات ترددي في الطَرح، ليقيني أن عقلية بعض القراء لا تزال بحاجة إلى تأهيل تام لاستقبال الجديدْ، الذي عادةً ما نرفضهُ دونَ أن نُمعنَ في معانيه.

أول رسالة بريدية جاءتني أشعرتني بصدمةٍ لم أكن لأتجاوزها لو أنني لم أرفع جهازي المحمول وأدير أرقام عِدة هواتف لفئةٍ -هي النُخبة المثقفة- التي تُستشار و يُؤخذ برأيها الحَكمْ في مثل هذه الأمور، معظمهم أعلامُ على رأسها نارُ في الوطن العربي، فأجمعوا على أن مجتمعاتنا الشرقية لا تزال تُعاني

ثقافةَ الحَسدْ والحقد من نجاحِ الآخرين، وكُرههم في بعض الأحيانْ، الأمر الذي يدفع بعض الألسنة الوقورة جدا جدا أن تستعرض عضلاتها في فن القذف و السَبْ، دُونَ وَعي بما ليس لهم به عِلمْ.

(قرأتُ مقالاتك، وسعدتُ بما تتضمنه من قيمٍ سامية تتعلق بالحُب الصادق الذي لا ينبُع إلا من قلمٍ ترعرعَ في بيتٍ مشهود له فوق رؤوس الأشهاد بالدين والأدب والفضيلة) سيري على خُطى الرحمن، والله نسأل أن يرعاكِ. على هذا اتفقوا جميعا على اختلافهم، فأمدوني بثقة أكثر وأكثر، أضفتها إلى تلكَ التي يمدُني بها أهلي ومعارفي وصديقاتي، وزوجي الذي يقرأ لي قبل أي أحد، بل ويصَّوب لي ما قد أحيد عنه، فيضيفُ لي ويحذف كيف يشاء.

إن الذي بيني وبينكم هو كما قيل لي: لم لا تكتبين ما يـُفهـَم؟ فقلت كما قال أبو تمام: وأنت لم لا تفهم ما يـُكـَتب؟ الكتابات صنوان وغير صنوان، لذلك سوف تبقى جدلية الاختلاف ما بقي البشر، لذلك: أيها المعنيون لا تبحثوا عن «الممنوع في تفكيرهم» حتى تعثروا عليه، اقرأوا الأحرف كما هي ظاهرة وافهموها كما أريد، لا كما تُسقطون عليها من انعكاسٍ لما تريدوا أن يكون.

وهذا مربطْ الفرسِ، أنا أعترفْ أني أتناولُ طرحاً يـُميزني عن الآخرين، ويميز الآخرين عني مما لم يتطرق إليه أحدٌ قبلْ، ولا أظنُ أن أحدا سيحَاوْلْ أن يقرُب هذه المنطقة أبدا، لا تعاليا على البَشرْ أو غُرورا وما شابهْ، فما يطرحهُ غيري في الاقتصاد.. لا أستطيع له، وما يطرحه آخر في الفن.. لا خبرة لي فيه، وما يطرحه ثالث في الدين.. ليس من شأني، وما أطرحه أنا في الوجد لا يتمكن فيه.. لا يتناوله غيري.

هُناك تعدّدية في الطرح، تكفل للقارئ أن يجد تنوعا، ولكُلٍ شأنُه الخاص في تقبُّل واختيار أو رفض ما يتفق وذائقته، له مُطلق الحق في ذلك، وكامل الحُرية، لكن الذي ليسَ من حقه، أن يرى في أسمى مشاعِر الإنسانية وأصدقها وأطهرها خُروج عن الحُدود! فمثل هؤلاءِ أقولُ لهم: اقلبوا صفحة الجريدة،

لا تقرأوا لي أبدا، لا علنا ولا خِلسةْ بين أنفسُكمْ، لا تقرأوا لي ما أخُط عن مشاعِر الحُب، وطهارة القلب، ثم تتحدثون عنه بمُنتهى الكُره، الذي يُزيدكمْ احتراقًا، و يُزيدني كالعُودِ طيبا، وحاولوا، حاولوا جدا، أن تُميزوا بين الحُب، وبين الأشياءٍ الأخرى.

- إليه حيثما كان:

كل شيء يمكن إخفاؤه إلا ملامح عيني

عندما تحن.. عندما تتألم

عندما تفقد.