الاقتصادية

صندوق النقد: التيسير الكمي طــال أمد تطبيقه.. والإفراط في تسهيل الإقراض يعرض الاستقرار المالي العالمي للخطر

15 أبريل 2018
15 أبريل 2018

تقرير: أمل رجب -

تشير بيانات النمو العالمي التي صدرت مؤخرا عن الحكومات والمؤسسات المالية المعنية إلى أن المؤشرات توضح اتجاها إيجابيا لنمو الاقتصاد العالمي، وتواصل اقتصاديات معظم الدول تعافيها الملموس حيث تتراوح نسب النمو عالميا إلى ما بين 3 و3.7% وفقا لتوقعات عدد من المنظمات الدولية والتي تشير أيضا إلى استمرار اتجاه النمو في العامين الجاري والمقبل مدعوما بزيادة أسعار النفط التي أدت إلى معاودة النمو في الدول المصدرة لخام النفط وبالتالي مزيدا من الدعم للنمو الاقتصادي العالمي.

وبينما تسود حالة من التفاؤل بسبب هذه المؤشرات تبدو في الأفق بوادر أزمة جديدة ربما تقود الاقتصاد العالمي إلى الوقوع في أزمة ائتمان جديدة، فقد حذر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي من أن سياسات التيسير الكمي التي تم اتباعها من قبل العديد من البنوك المركزية العالمية كوسيلة لتقليص تبعات الأزمة المالية واسعة النطاق التي اندلعت في عام 2008، ربما أدت إلى إفراط في منح ائتمان مبالغ فيه لمؤسسات وشركات لا تتمتع بمركز مالي قوي.

ويعد التيسير الكمي آلية مالية لدعم الاقتصاد، وتم إطلاقه من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأوروبية عقب الأزمة العالمية بهدف تشجيع إقراض الشركات وأصحاب المساكن سعيا إلى رفع معدلات النمو وزيادة التضخم إلى ما يقارب 2% كوسيلة لتنشيط الاقتصاد.

وأوضح تقرير صندوق النقد أن استمرار الأوضاع المالية التيسيرية في السنوات الأخيرة طال أمد تطبيقه مما يثير المخاوف من أن يكون الوسطاء الماليون والمستثمرون الباحثون عن العائد قد أفرطوا في تقديم القروض لمقترضين خطرين، مما قد يعرض الاستقرار المالي للخطر فيما بعد. وأشار التقرير إلى أن هذه المخاوف تستند إلى دراسة تمت في حالات بلدان مختارة والتي تشير إلى أن الفترات التي تم خلالها الالتزام بخفض أسعار الفائدة المصرفية وتيسير الأوضاع المالية قد تتسبب في انخفاض معايير الاقتراض وزيادة تحمل المخاطر. وعلى هذه الخلفية، ألقى التقرير نظرة شاملة على عدد كبير من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة منذ عام 1991 لدراسة تطور المخاطر المرتبطة بتخصيص الائتمان للشركات - أي مدى تقديم القروض للشركات الأكثر خطرا مقارنة بالشركات الأقل خطرا، وعلاقة ذلك بقوة التوسع الائتماني وارتباطه بتحليل الاستقرار المالي، مع التركيز على الائتمان المخصص للشركات بالتحديد وليس حجم الائتمان أو النمو الائتماني ككل، واعتبر التقرير أن الشركات الخطرة هي تلك التي تتمتع بجدارة مالية ضعيفة أي ببساطة غير القادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية بمجرد نشوب أزمات.

ويخلص التقرير إلى أن مخاطر تخصيص الائتمان تزداد في فترات التوسع الائتماني السريع، وخاصة إذا تزامن التوسع الائتماني مع معايير الاقتراض المتراخية أو الأوضاع المالية الميسرة، وقد ازدادت هذه المخاطر على مستوى العالم في السنوات السابقة على الأزمة المالية العالمية وبلغت ذروتها قبل وقوع الأزمة بقليل. وشهدت تراجعا حاداً بعد الأزمة ثم عادت إلى متوسطها التاريخي في 2016، وهي أحدث سنة تتوافر عنها بيانات قابلة للمقارنة عالمياً. وربما تكون

مخاطر تخصيص الائتمان قد سجلت زيادة أكبر مع عودة الأوضاع المالية التيسيرية في عام 2017. وتمثل زيادة مخاطر تخصيص الائتمان مؤشرا لزيادة المخاطر المعاكسة على نمو إجمالي الناتج المحلي ولارتفاع احتمالات الأزمات المصرفية والضغوط على القطاع المصرفي، ومن ثم تكون زيادة مخاطر تخصيص الائتمان للشركات مصدرا مستقلاً في حد ذاته للهشاشة المالية، أي القابلية العالية في الأوساط المالية لاندلاع الأزمات. وتؤكد النتائج أهمية مراقبة مخاطر تخصيص الائتمان كجزء لا يتجزأ من الرقابة الاقتصادية الكلية/‏‏المالية. ويتضمن التقرير فصلا به مقاييس جديدة يسهل حسابها، ويعتمد معظمها على بيانات الكشوف المالية للشركات، وهي متوافرة في كثير من البلدان ويسهل محاكاتها للاستخدام في سياق الرقابة الاقتصادية الكلية/‏‏المالية. ولهذا الغرض، يمكن أن يستفيد صناع السياسات من جمع هذه البيانات في حينها. ويوضح التقرير أن المرتكزات المختارة للسياسات والمؤسسات قد تساعد صناع السياسات في الحد من زيادة مخاطر تخصيص الائتمان في فترات التوسع الائتماني السريع نسبياً. ذلك أن تشديد موقف السياسة الاحترازية الكلية، وإعطاء السلطة الرقابية مزيداً من الاستقلالية عن البنوك، وتقليص التواجد الحكومي في قطاع الشركات، وتوفير حماية أكبر للمساهمين أصحاب حصص الأقلية، كلها أمور ترتبط بزيادة أقل في مخاطر تخصيص الائتمان للشركات أثناء فترات التوسع الائتماني.

وفي نفس السياق الخاص بالتحوط ضد هذا النوع من الإقراض الخطر نشر الصندوق دراسة خاصة تفصيلية حول نفس الموضوع وقاد الدراسة كلاوديو راداتس كيفر رئيس قسم تحليل الاستقرار المالي العالمي في إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية وجيروم فاندنبوش الخبير الاقتصادي في إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية. وأشارت الدراسة إلى ان الأجهزة الرقابية التي تتابع صحة النظام العالمي تدرك أن تراكم الديون بسرعة أثناء فترات الرواج الاقتصادي يمكن أن تنشئ مشكلات فيما بعد. ولهذا تحرص هذه الأجهزة على مراقبة حجم الائتمان الكلي في الاقتصاد. وحين تسرف الشركات في الاقتراض، قد تقرر الأجهزة الرقابية والتنظيمية فرض قيود على النمو الائتماني.

وأوضحت الدراسة أن المشكلة هي أن هناك أمرا مهما يتم إغفاله عند قياس حجم الائتمان، وهو مقدار ما يتدفق من هذه القروض الإضافية إلى الشركات الأخطر - أي التي من المرجح أن تعجز عن السداد في أوقات العسر - مقارنة بالشركات الأخرى ذات الجدارة الائتمانية. وقد درس الباحثون بيانات تغطي 25 عاما عن الشركات غير المالية في 55 اقتصادا صاعدا ومتقدما. وخلصوا إلى أن الشركات الأسرع في مراكمة الديون تزداد خطرا في فترات النمو الائتماني السريع، مقارنة بالشركات الأبطأ. وبدورها، تشير هذه الزيادة في مخاطر تخصيص الائتمان إلى ارتفاع احتمالية حدوث هبوط اقتصادي حاد أو أزمة مصرفية في غضون فترة تصل إلى ثلاث سنوات.

ومع تراكم القروض التي تحصل عليها الشركات الأقل نسبيا في مستوى الجدارة الائتمانية، تضاف جرعة زائدة من المخاطر - بالإضافة إلى المخاطر التي قد تنشأ عن سرعة نمو الائتمان ككل. وبالطبع، قد يكون إقراض الشركات الخطرة أمرا عقلانيا تماما ومربحا إلى حد كبير لكنه قد ينشئ مشكلات أيضا إذا كان نتاجا لعملية فحص ضعيفة لجدارة المقترضين أو كان انعكاسا للإفراط في تحمل المخاطر. وتجد الدراسة انه لحسن الحظ، يمكن للأجهزة التنظيمية اتخاذ خطوات لحماية النظام المالي، عند الضرورة، فيمكنها إلزام البنوك بحيازة المزيد من رأس المال أو فرض حدود لنمو القروض المصرفية، مما يكبح المخاطر ويعزز هوامشها الوقائية، ومما يمكن أن يساعد أيضا من إحكام السيطرة على المخاطر هو ضمان استقلالية أجهزة الرقابة المصرفية.

وقدمت الدراسة تفسيرا لسبب ازدياد تدفق الائتمان إلى الشركات الأخطر في أوقات الرخاء مشيرة إلى أن ذلك قد يرجع إلى إفراط المستثمرين في التفاؤل إزاء آفاق الاقتصاد في المستقبل، مما يقودهم إلى إقراض الشركات الأضعف. وإذا كانت أسعار الفائدة منخفضة بدرجة غير معتادة، قد يصبح ذلك حافزا للبنوك والمستثمرين على تقديم أموال - في صورة قروض أو سندات - للشركات الأخطر التي تدفع أسعار فائدة أعلى نسبيا. وهذا النمط من “البحث عن العائد” سائد في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات الأخيرة بسبب طول فترة الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة، وبالتالي يمكن أن تكون مخاطر تخصيص الائتمان مؤشرا جيدا لمدى الإقبال على تحمل المخاطر.

وخلصت الدراسة إلى وجود نمط عالمي واضح في تطور هذا المقياس الجديد للهشاشة المالية، فبعد المستويات المرتفعة التي بلغتها مخاطر تخصيص الائتمان في أواخر التسعينات، عادت إلى الانخفاض في الفترة من عام من 2000 إلى 2004، عقب الأزمتين الماليتين في آسيا وروسيا وفقاعة أسهم شركات الإنترنت (دوت كوم). ومن مستوياتها المنخفضة التاريخية في 2004، ارتفعت المخاطر إلى مستوى الذروة في 2008، حين تفجرت الأزمة المالية العالمية، ثم شهدت هبوطا حادا قبل أن ترتفع من جديد إلى مستويات مقاربة لمتوسطها التاريخي في نهاية 2016، العام الذي يمثل آخر نقطة لتوافر البيانات. وربما تكون المخاطر قد واصلت الارتفاع في 2017 مع استمرار الانخفاض الشديد في تقلب الأسواق وأسعار الفائدة في الاقتصاد العالمي.