أفكار وآراء

الشعبوية تنتصر في انتخابات المجر

11 أبريل 2018
11 أبريل 2018

عبد العزيز محمود -

قد يتخذ أوربان مواقف أكثر تشددا في مواجهة مطالب ألمانيا وفرنسا بتعزيز الاندماج الأوروبي، لكن تشدده لن يصل لدرجة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي يحرص على الاستمرار فيه للاستفادة من أمواله في إنعاش الاقتصاد المجري.

لم يكن فوز فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر وعراب الشعبوية الأوروبية، بولاية رابعة هي الثالثة على التوالي في الانتخابات التشريعية التي أجريت في المجر يوم الأحد الماضي (الموافق ٨ ابريل الجاري) مفاجأة، فقد سبق له الفوز هو وتحالفه الحاكم بشكل ساحق في انتخابات ٢٠١٠ و٢٠١٤ كما فاز قبلها في انتخابات ١٩٩٨.

وبدا واضحا من النتيجة أن أكثر من ثلثي الناخبين المجريين يدعمون سياساته اليمينية الشعبوية المناهضة للهجرة ولتعميق الاندماج الأوروبي، وأيضا إصلاحاته الاقتصادية التي حققت تطورا ملموسا خلال السنوات الثماني الماضية.

وبالأرقام فقد حصل أوربان وتحالفه الذي يضم: حزبي فيدز والشعب الديمقراطي المسيحي على ١٣٤ مقعدا من أصل ١٩٩ مقعدا في الجمعية الوطنية (البرلمان)، مقابل ١٣١ مقعدا حصلا عليها في انتخابات ٢٠١٤، بعد أن فازا بتأييد ٤٨.٥٪ من إجمالي أصوات الناخبين مقابل ٤٤.٨% في الانتخابات السابقة.

وبهذه النتيجة يكون أوربان ملهم الشعبوية الأوروبية والذي يقود المجر منذ عام ٢٠١٠ قد حقق ذروة انتصاراته على الرغم من تراجع شعبيته بشكل مؤقت في عام ٢٠١٥ بسبب زيادة الضرائب، وهو ما نجح في تجاوزه باتخاذ موقف متشدد من الهجرة وبنائه جدارا على طول الحدود مع صربيا لصد موجات اللاجئين.

وبهذه النتيجة أصبح مؤهلا للاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء لأربع سنوات مقبلة يمكنه خلالها تعزيز سلطاته والاتجاه بالمجر أكثر نحو أقصى اليمين فيما يشكل دعما لكل حركات اليمين الشعبوي الأوروبية.

وهذا يعني أيضا استمرار التحالف الذي يضم فيدز (الاتحاد المدني المجري) وهو حزب قومي ذي توجهات يمينية شعبوية، وحزب الشعب الديمقراطي المسيحي وهو حزب يميني كاثوليكي في حكم المجر حتى عام ٢٠٢٢.

هذا الفوز الساحق لم يكن وليد الصدفة، وإنما كان نتيجة لنجاح أوربان وتحالفه في تجديد شباب الاقتصاد المجري بالسيطرة على عجز الموازنة، وخفض معدل الدين العام وسداد دين صندوق النقد الدولي وخفض معدل البطالة من ١١٪ إلى ٣.٨٪ ورفع متوسط الأجور بنسبة ١٣٪ سنويا ونمو الناتج المحلي الإجمالي بواقع ٤٪ .

لكن ورغم هذا النجاح مازال أمام المجر، التي تقع في وسط أوروبا ويبلغ تعداد سكانها نحو عشرة ملايين نسمة ، وتتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وقتا حتى يمكنها مكافحة الفقر وتحسين أوضاع الطبقة المتوسطة.

كما كان الفوز محصلة للتعديلات التي أجراها أوربان علي قانون الانتخابات لصالح التحالف الحاكم، وأيضا على الدستور للحد من صلاحيات المحكمة الدستورية والسيطرة علي وسائل الإعلام، فضلا عن تقديمه مساعدات قبيل الانتخابات لملايين الأسر والمتقاعدين.

ولا شك أن تشتت المعارضة أفاد أوربان كثيرا، فالمعارضة المجرية الليبرالية واليسارية فشلت قبل الانتخابات في توحيد صفوفها، مكتفية بشن حملات تتهم رئيس الوزراء بالشمولية والفساد والمسؤولية عن تردي الخدمات العامة والتعليم والرعاية الصحية.

وساهم موقفها المساند للاجئين في تراجع شعبيتها، بدليل الفارق الكبير في عدد المقاعد بين أوربان وتحالفه الحاكم الذي حصل على ١٣٤ مقعدا مقابل ٦٥ مقعدا حصلت عليها الأحزاب الأخرى، في الانتخابات التي شارك فيها ٦٨٪ من الناخبين مقابل ٣٢٪ امتنعوا عن التصويت.

واحتلت حركة جوبيك (من أجل مجر أفضل)، وهي حركة قومية يمينية تمثل النازيين الجدد، المركز الثاني بحصولها على ٢٥ مقعدا مقابل ٢٤ مقعدا حصلت عليها في الانتخابات السابقة.

بينما جاء الحزب الاشتراكي وحليفه حزب ديالوج (الحوار من أجل المجر) وهما يمثلان يسار الوسط، في المركز الثالث بحصولهما على ٢٠ مقعدا مقابل ٢٩ مقعدا في انتخابات ٢٠١٤.

وحصل حزب «ال ام بي» (السياسة يمكن أن تكون مختلفة) وهو حزب الخضر الليبراليين على ٨ مقاعد مقابل ٦ مقاعد في الانتخابات السابقة، يليه حزب « دي كيه» (التحالف الديمقراطي) وهو حزب ليبرالي اجتماعي بحصوله على ٩ مقاعد مقابل ٤ في انتخابات ٢٠١٤.

أما حزب «ايجوت» (معا) الليبرالي الاجتماعي فقد فاز بمقعد واحد بينما فشلت حركة «مومنتوم مزجالوم» (حركة الزخم) والتي تمثل يمين الوسط في الحصول علي نسبة الـ٥٪ من الأصوات، التي يتطلبها فوز أي قائمة حزبية، فالانتخابات المجرية تجرى بنظامي الانتخاب الفردي والقائمة.

وبهذه النتيجة تجتمع الجمعية الوطنية لانتخاب فيكتور اوربان رئيسا للحكومة المجرية الجديدة، والتي سيتولي فيها «سولت سيمجن» زعيم حزب «الشعب الديمقراطي المسيحي» منصب نائب رئيس الوزراء، ووفقا للدستور فإن البرلمان ينتخب زعيم الحزب أو التحالف الذي يحصل علي أكبر عدد من المقاعد رئيسا للوزراء.

ومع استمراره في الحكم حتى عام ٢٠٢٢ ، فانه من غير الوارد حدوث تغيير في سياسات أوربان، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على الأمن والتمسك بالحكم المركزي بكل ما يعنيه ذلك من سيطرة على الاقتصاد والقضاء ووسائل الإعلام، والحد من الحريات لاعتبارات المصلحة القومية.

كما يتوقع استمرار سياساته الاقتصادية والتي تتضمن خفض ضريبة الدخل ومنح حوافز لتعزيز النمو والتصدي للهجرة بهدف حماية الثقافة المجرية المسيحية مما يوصف بتهديد الغرباء من المهاجرين القادمين من بلدان ذات أغلبية مسلمة.

أوروبيا قد يتخذ أوربان مواقف أكثر تشددا في مواجهة مطالب ألمانيا وفرنسا بتعزيز الاندماج الأوروبي، لكن تشدده لن يصل لدرجة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي يحرص على الاستمرار فيه للاستفادة من أمواله في إنعاش الاقتصاد المجري.

والمؤكد أن فوزه الساحق في الانتخابات سوف يكون ملهما لكل أحزاب اليمين الشعبوية الأوروبية، والتي لا تخفي إعجابها بتجربته، وهي تستعد للمشاركة في 16 عملية انتخابية سوف تشهدها القارة العجوز خلال العام الحالي.

باختصار لم يكن فوز فيكتور اوربان رئيس وزراء المجر وعراب الشعبوية الأوروبية في الانتخابات الأخيرة مجرد فوز بولاية رابعة، وإنما كان انتصارا جديدا لليمين الشعبوي الذي يحكم المجر منذ عام ٢٠١٠وللشعبوية الاوروبية المتنامية ايضا .