أفكار وآراء

تعزيز التعاون العربي لمنع تمدد الإرهاب

10 أبريل 2018
10 أبريل 2018

مختار بوروينة -

[email protected] -

المتتبع لمختلف وثائق المنظومة العربية في الآونة الأخيرة بخصوص تعزيز الأمن في العالم العربي ومكافحة الجريمة والإرهاب يجدها قريبة من حقائق الميدان ، وقريبة من التوافق العربي ، مما يؤسس للانتقال إلى مستوى آخر في المعالجة والاستمرار في بحث مشروع خطة أمنية وإعلامية للتوعية والوقاية من الجريمة والإرهاب ومشروع الأمن الفكري الذي تحتكم توجهاته على عدم الاعتماد على الحلول الأمنية فقط .

وفق ذلك ، لم يتأخر وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق الوطني الليبية، عبد السلام مصطفى عاشور، عقب اختتام أشغال الدورة الـ35 لمجلس وزراء الداخلية العرب، بالتأكيد على أن بلاده بدأت في احتواء المجموعات المسلحة بالداخل وإطلاق عمليات الحوار والمصالحة بعد أن بدأت تتعافى بفضل دعم الأشقاء في الجزائر وتونس ومصر وستكون في وضع أفضل مستقبلا بفضل التنسيق العربي المكثف لمحاربة الجريمة بكل أشكالها .

كما لم يتأخر وزير الداخلية التونسي لطفي براهم، بتأكيد وحدة موقف الجزائر وتونس حول ملف الإرهاب والسعي لتوسيع التعاون في مجال مكافحة هذه الآفة ليشمل باقي الدول العربية وأهمية الاستعداد لاستئصالها في الوطن العربي، واستباق أي تحركات إرهابية عبر لقاءات وربط اتصالات مع الدول التي تعاني من ويلات الإرهاب لتبادل المعطيات حول تواجد الشباب التونسي ضمن المنظمات الإرهابية الناشطة فيها، نافيا أن يكون عددهم 6 آلاف مقاتل تونسي .

تصريحات الوزيرين اللذين مس الإرهاب بلديهما، والمنفتحة اعترافا على دول أخرى ، جاءت في ظل قضايا عدة بحثتها الدورة التي تطرقت إلى المنابع الفكرية والبيئة الاجتماعية المغذية له ، والفضاء الافتراضي الذي أصبح ملاذا للتنظيمات الإرهابية وتحديا أمنيا للبلدان العربية، ودراسة مقاربات مثارة للقضاء على الهجرة غير الشرعية، وأهمية التعاون بين البلدان العربية لمنع أنشطة الإرهاب وتمدده وتجفيف منابعه الفكرية والمالية، وقطع التواصل بين المتعاطفين معه لاسيما عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال.

البيان الختامي وإن شدد بالإجماع على ضرورة توحيد جهود الدول العربية لمواجهة التحديات المطروحة المرتبطة بالأمن الفكري ومكافحة التطرف المفضي إلى الإرهاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الأنترنت ، فقد أكد على أن جرائم العنف والإرهاب والمخدرات وغسل الأموال وتهريب الأسلحة وتجارة البشر والهجرة غير الشرعية وغيرها من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية والتي تعتمد في الكثير من الأحيان على التقنية الحديثة، تستلزم توحيد التصورات الأمنية وتنسيق العمل المشترك لمواجهتها والوقاية منها، فضلا عن التأكيد بشأن خطورة الإرهاب باعتباره تهديدا مستمرا للسلم والأمن، وأنه لا يوجد مسوّغ لأفعال الإرهابيين وعملياتهم الإجرامية .

ويؤكد أيضا على التعاون لمنع أنشطة الإرهاب وتمدده وتجفيف منابعه الفكرية والمالية وقطع التواصل بين المتعاطفين معه لاسيما عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال، والتشديد على دور الأجهزة الأمنية في الدول العربية في إحباط العديد من المخططات الإرهابية والقضاء على كثير من التنظيمات والخلايا الإرهابية التي ترتبط بجهات خارجية تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية، وأن الانتصارات التي تم تحقيقها على الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية يجب ألا تنسي ضرورة مواجهة التحديات الحالية المرتبطة بعودة المقاتلين الأجانب أو انتقال الجماعات الإرهابية إلى مناطق أخرى، وبالتالي يجب تنسيق الجهود المشتركة مع المجتمع الدولي لمكافحة هذه الظاهرة ومواجهتها .

ويرفق البيان هده التحذيرات بإجراءات ميدانية تستهدف تعزيز الرقابة على الحدود وتأمينها لمنع الخطر الداهم الذي يشكله نزوح المقاتلين والإرهابيين من مناطق القتال وإيقاف تسللهم إلى داخل الدول وارتباطهم مع الخلايا النائمة، ومواجهة طرق ومنابع تهريب المخدرات ، وفي المجال القانوني أهمية تحديث التشريعات الوطنية الخاصة بالجرائم «السيبيرانية» بما يسمح بمواكبة ما يستجد من جرائم على الفضاء الافتراضي وتجاوز كل التغيرات التي يمكن أن تعتري التشريعات الوطنية في هذا المجال، وذلك من خلال تكثيف التعاون وتبادل الخبرات بين الأجهزة المختصة وعقد العديد من المؤتمرات والملتقيات العلمية وحلقات العمل في هذا الصدد . بيان دورة الجزائر وقف عند بعض التجارب لدول عربية ، القائمة على المصالحة والحوار والقضاء على «الراديكالية» واستئصال الإرهاب ومكافحة التطرف بكل أنواعه وأشكاله ، من شأنها أن تقدم نموذجا واقعيا وعمليا لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية، بعيدا عن أي تدخل في الشؤون الداخلية في سبيل الوصول إلى الحقوق والكرامة في كنف الأمن والاستقرار، وبما يضمن الحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها. في خطاب الرئيس بوتفليقة ، أمام وزراء الداخلية العرب ، تأكيد إن الحرب على الإرهاب غير مرتبطة بجدول زمني أو بنطاق جغرافي بل هي مسألة تظل قائمة ما دام هناك تهديد للـمواطنين وممتلكاتهم، وما دام هناك سعي من قبل هذه الـمجموعات الضالة لضرب استقرار مؤسسات الدولة أو محاولة فرض مرجعيات دينية أو إيديولوجية غريبة عن شعوبها، وأن التنظيمات الإرهابية تلقت، خلال السنة الماضية ، ضربات قاصمة في عدد من البلدان العربية ، وتم تفكيك العديد منها بعدما كادت تأتي على الأخضر واليابس فيها ، وبعد أن استولت على أجزاء واسعة من تراب هذه البلدان ورهنت مستقبل شعوبها وقيدت مواطنيها بربقة العنف الفظيع والتطرف ومارست عليهم كل أنواع الظلـم والتنكيل والعبث بالنفس البشرية. ويؤكد كرئيس عربي، في مجمع رسمي عربي، أن اندحار هذه الـمجموعات الإرهابية واضمحلالها في بعض البقاع من الوطن العربي واسترجاع الـمناطق التي كانت تنشط فيها لاستقرارها وعودة الأمن إليها لا يعني بتاتا انتهاء التهديد الذي قد ينجم عن بقايا عناصر هذه التنظيمات الإرهابية وزوال خطرها بل بالعكس لقد أخذ خطرها وتهديدها يعاودان الرجوع في أشكال جديدة ، لا سيما بعد تمكن بعضهم من الهروب والفرار نحو مناطق صراع أخرى بالبلدان العربية، منخرطين في مجموعات إجرامية ناشطة بها وبتسميات غير معروفة في كثير من الحالات، وهذا ما يعرف بتشظي الجماعات الإرهابية وتفريخها بعد أن تنشئ لنفسها بيئة حاضنة. الخطاب السياسي جد واضح، وبتفسير الخبراء فإن الضرورة تقتضي أن تكون إستراتيجية مكافحة الإرهاب «أفقية»، ولا يختلف اثنان في أن أول خطوة للقضاء على الإرهاب هي تجفيف منابعه الفكرية وبيئته الاجتماعية وتدمير شبكاته الاتصالية والتواصلية بعمل مكثف على الـمستوى التربوي والإعلامي والثقافي والإرشاد الديني، بما يحد من انتشار النزعة التطرفية ويجنب الشباب الانسياق وراء هذا الوهم القاتل ، مثلما يقتضي الأمر العمل على اعتماد إجراءات دقيقة لتأمين الـمعابر الحدودية واتخاذ تدابير أمنية احترازية واستباقية للإنذار المبكر والتبادل الـمكثف للـمعلومات ومنع اختراق الحدود، والإحاطة بالأشخاص الذين يكونون مرشحين للانضمام للتنظيمات الإرهابية، وطبعا التضامن بين الدول العربية في المجال المعلوماتي.

ما اتخذه اجتماع وزراء الداخلية العرب مؤخرا جاء أيضا متناغما مع ما قرره منذ أيام قليلة، مؤتمر البرلمان العربي حيث أقر البرلمانيون وثيقة عربية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب بمقاربة شاملة أمنية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وإعلامية، مشددة على أنها لا تعدُّ أعمالا إرهابية حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي .

كما لم يتأخر البرلمانيون العرب من التنويه بما حققته الدول العربية وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية من نجاحات بتوجيه ضربات موجعة للتنظيمات والميلشيات الإرهابية، والمطالبة بتوحيد الجهود ضد كافة أشكال الإرهاب وفي مختلف بقاع العالم العربي من أجل اجتثاث الإرهاب من جذوره والقضاء عليه نهائيا، واتخاذ كافة التدابير لحضر التحريض والتبرير والتشجيع على ارتكاب أعمال إرهابية، والتعاون والتنسيق بين الدول العربية فيما يكون ضروريا ومناسبا ومتفقا مع التزامات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة وعلى المستوى الوزاري وعلى مستوى المجالس الوزارية المعنية وماهو متفق عليه بموجب القانون الدولي.