الملف السياسي

يوم الأرض والمقاومة الفلسطينية

09 أبريل 2018
09 أبريل 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

كانت أحداث يوم الأرض مشهودة حيث سطر النضال الفلسطيني صفحة جديدة تضاف إلى صفحات الكفاح والنضال والذود عن الأرض المقدسة في وجه أبشع احتلال عرفه التاريخ .

ان سقوط عشرات الشهداء والجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني على ارضهم المحتلة واندفاعهم نحو ارض أجدادهم هو صرخة مدوية في ضمير العالم الذي آن له ان يتحرك لرفع الظلم عن هذا الشعب المقاوم والصابر طوال قرن من الزمان، ومن هنا فإن ما شهدته أحداث يوم الأرض ورغم آلامها وسقوط عشرات من المناضلين الفلسطينيين ستبقى شاهدة على الصمود والفخر لهذا الشعب الفلسطيني النبيل الذي يقف شامخا على ثوابته الوطنية رغم الظروف القاسية ، والمؤامرات التي تحاك له من الغرب والشرق، ورغم الحصار والجدار العازل والتنكيل اليومي من قبل قوات الاحتلال .

الرهان الأبدي

رغم كل تلك القسوة والمرارة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة وأيضا في الشتات ، إلا أن الرهان الأبدي سوف يكون هذا الشعب المناضل فلم يسجل التاريخ القديم والحديث أن هناك شعبا ناضل وكافح من اجل ارضه وحريته ومقدراته وانكسر ، ولعل النموذج هنا هو شعب جنوب إفريقيا، الذي واجه عنصرية بغيضة ، لم ير لها التاريخ مثيلا عدا ما حدث لشعوب الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، ومن هنا فإن ذلك الرهان سوف ينتصر في نهاية المطاف .

كل عام وبمناسبة يوم الأرض يتذكر الشعب الفلسطيني ارضه ويزحف نحو الأرض المسلوبة والتي لا تزال مبانيها وبيوتها ومزارعها وذكرياتها شاهدة على الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني من خلال وعد بلفور المشؤوم الذي شرد شعبا بكامله تقريبا من ارضه ليعطيها لليهود المغتصبين .

ان الرهان على العرب اصبح ضعيفا، إن لم يكن منعدما، في ظل تناحر وتشتت في كل الاتجاهات وفي ظل جامعة عربية أصبحت تائهة ، في ظل تلك الخلافات والانقسامات والخصومات ، كما أن الأمم المتحدة ، قد تكون الأكثر إمكانية لتحقيق المكاسب السياسية على الأقل ، ومن هنا ندعو هذه المنظمة الدولية للاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل وتشجيع البعثات الدبلوماسية للدول المختلفة ، لفتح سفاراتها في القدس الشرقية، وأولها الدول العربية، علاوة على انضمام السلطة الوطنية الى ما تبقى من منظمات وهيئات إقليمية ودولية تساهم في فرض واقع جديد على الأرض مما يجعل الكيان الإسرائيلي تحت الضغط الإقليمي والدولي كما ندعو السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تحرك دبلوماسي نحو إفريقيا وأمريكا اللاتينية ، حيث المشاعر المؤيدة للقضية الفلسطينية ، كما ان التحرك نحو الأمم المتحدة ، وتقديم طلب العضوية الكاملة ، هو أمر حيوي في هذه المرحلة ، فالرهان على الدول العربية اصبح غير فعال ، بل إن ذلك التحرك الدبلوماسي الفلسطيني يعد خطوة مهمة لإفشال أي خطط لتصفية القضية الفلسطينية مثل صفقة القرن التي لا تزال محل جدل حول بنودها والإعلان عنها رسميا من الولايات المتحدة .

واشنطن خارج الحسابات

أثبتت الإدارات الأمريكية طوال اكثر من نصف قرن بأن الولايات المتحدة أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية ، ولم تكن وسيطا نزيها طوال الجهود السياسية التي بذلت لإيجاد تسوية عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بشكل خاص والصراع العربي- الإسرائيلي بشكل عام بل كان انحيازها واضحا وصارخا .

لقد تعدت إدارة الرئيس الامريكي الحالي ترامب كل المعايير والقوانين الدولية عندما أصدر قرارا بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة واعتبار المدينة المقدسة عاصمة للكيان الإسرائيلي ، ورغم المواقف الأوروبية والدولية المناهضة والرافضة لهذا القرار غير القانوني الا ان ترامب يريد تنفيذ قراره يوم الخامس عشر من مايو القادم ، وهو تاريخ اسود للعرب حيث قيام الكيان الإسرائيلي الغاصب واعتراف واشنطن به كدولة .

ان يوم الارض الذي امتزجت به دماء الشهداء الفلسطينيين الأحراز لن يمر هدرا، فتضحيات الشعب الفلسطيني مستمرة والنضال سوف يتواصل فهذا هو قدر الشعوب العظيمة والتي تواصل الكفاح رغم خيبات الأمل من الأشقاء ، ومن هنا فإن الولايات المتحدة لابد من إخراجها من حسابات المفاوضات لأنها لم تعد وسيطا نزيها وقد كان قرار القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس صائبا وشجاعا في قطع الاتصالات مع واشنطن ، بل ورفض استقبال نائب الرئيس الأمريكي وهو الأمر الذي لا تجرؤ على اتخاذه عدد كبير من دول العالم .

إن أمام العالم المتحضر قضية فلسطينية عادلة ولابد ان ينصف الشعب الفلسطيني وان يتوقف هذا العالم الذي يتحدث عن حقوق الإنسان والمعايير الدولية عن الازدواجية والأنانية ومجاملة الكيان الإسرائيلي ، الذي يستغل اللوبيات المتصهينة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية

هل بقي للعرب دور

في ظل تلك التداعيات التي تمر بها الأمة العربية والخلافات ، هل بقي للعرب دور فيما يخص قضيتهم المركزية ام ان مشاكلهم وصراعاتهم وخلافاتهم التي استغلها الآخرون ماليا واستراتيجيا قد جعلتهم اكثر ميلا نحو القبول بأي حلول ولو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية .

فصفقة القرن المدمرة عرضت عليهم في اجتماعات مغلقة وسوف تتضح الأمور في القمة العربية المقرر عقدها في السعودية في الخامس عشر من الشهر الجاري في السعودية ويفترض أن تكون قضية العرب المركزية في رأس سلم الأولويات وإيجاد موقف عربي موحد يستند إلى التأكيد على المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 والتي تتلخص في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وتضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية مع إيجاد علاقات طبيعية بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية مع استرجاع الجولان السوري المحتل والأراضي اللبنانية المحتلة، ويبدو لي ان هذا الطرح لابد ان يكون احد القرارات الأساسية للقمة العربية لأن ذلك يعني ان العرب لا يزال لهم دور قومي في قضيتهم المركزية وثانيا إن السلام الشامل لا يمكن ان يتحقق إلا وفق الرؤية العربية والتي تؤيدها دول العالم والأمم المتحدة وثالثا تصبح صفقة القرن لا قيمة لها.

ولعل ماحدث من تضحيات كبيرة في يوم الارض الخالد وماتلاه من ايام مجيدة في سجل التاريخ الفلسطيني المشرف يكون حافزا للدول العربية في قمة السعودية في التأكيد على المبادرة العربية، وعلى ثوابت القرارات العربية حتى يحترم العالم تلك القرارات ويكون سندا لها وبدون ذلك تكون الدول العربية قد خذلت الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ويسجل التاريخ ذلك الخذلان العربي المبين وهو أمر لا ترضاه العروبة ولا النخوة العربية الأصيلة .

الوحدة الفلسطينية

عامل مهم يرفد القضية الفلسطينية وهو التلاحم الفلسطيني وهو وحدة الفصائل وإيجاد موقف واحد وان تكون هناك لحمة وطنية، فالكيان الإسرائيلي استفاد كثيرا في السنوات الماضية من الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني وتحديدا بين حركتي فتح وحماس ، ومن هنا ندعو دوما الى إنهاء أي خلاف فالقضية الفلسطينية هي الآن في مفترق طرق ، وفي وضع حساس ، وهذا يحتاج إلى إرادة فلسطينية واحدة فالشعب الفلسطيني في كل أراضي فلسطين يقوم بالنضال والكفاح فالشهداء من كل مدن ومحافظات فلسطين المحتلة من الضفة الغربية وقطاع غزه والقدس ، وهذا يعني بأن القيادات الفلسطينية والحركات والفصائل آن لها تتحد فالعدو واحد وواضح وهو إسرائيل .

القضية الفلسطينية وهي الأشهر على مدار التاريخ حيث النضال والتضحية والصمود تحتاج إلى رؤية سياسية جديدة تضع مصلحة فلسطين فوق كل اعتبار ، فالشعب الفلسطيني سيبقى على ارضه ، ولن يتزحزح قيد أنملة ، مهما تآمر المتآمرون ، ومهما رسمت الخطط لتصفية القضية الفلسطينية ، ورغم ضعف العرب ومشاكلهم ، الا ان هناك بصيصا من الأمل في ان تحمل القمة العربية القادمة أملا في التشبث بقضية العرب المركزية والتأكيد على مقررات قمة بيروت وهذا هو اضعف الإيمان. وبدون ذلك ستكون الساحة مهيأة لخطط واشنطن السيئة للقضية .