1302564
1302564
المنوعات

لا أنسـى فضل البـوكـر.. ولا أتجاهـل الخبـرة الأكاديمية والمعرفية خلال كتابة الرواية

09 أبريل 2018
09 أبريل 2018

الروائي التونسي شكري المبخوت[/caption]

الروائي التونسي شكري المبخوت في حوار مع «عمان الثقافي»:-

حــــــــاوره: عـاصـم الشـيـدي -

يحدث أن تصنع رواية واحدة فرقا في حياة الروائي، يحدث أن تصعد به عاليا وتصبح روايته بين كلاسيكيات الرواية، ولكن نادرا ما تكون تلك الرواية هي التجربة الأولى للروائي.. لكن ذلك حدث بالنسبة للروائي التونسي شكري المبخوت فإن ذلك حدث تماما، حدث أن كتب رواية «الطلياني» ولقيت رواجا شعبيا في تونس، ثم فازت بجائزة البوكر ولقيت رواجا شعبيا عربيا استثنائيا، ثم ترجمت إلى الإيطالية وهناك استقبلها الجمهور الإيطالي بكثير من الترحاب وكثير من الاحتفاء بالرواية والروائي.

تناولت الرواية فترة زمنية بين حكم الرئيس التونسي الشهير الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي من خلال قصة حياة شخصية «عبدالناصر الطلياني» الطالب اليساري الذي جسد طموحات جيله، كما جسد خيباتهم وانكساراتهم وتشظيهم وما صاحب ذلك من صراع أيديولوجي بين اليساريين والإسلاميين. الرواية فازت بجائزة البوكر عام 2015 وفي 2018 زار المبخوت مسقط ودار حول الرواية وتداعياتها هذا الحوار.

• نبدأ هذا الحوار من فوزك مؤخرا بجائزة الملك فيصل.. ماذا تمثل لك هذه الجائزة خاصة أنها جاءت بعد فوزك بجائزة البوكر للرواية العربية؟

هذه جائزة ذات مصداقية عالية ومحترمة جدا، وهي من أقدم الجوائز العربية التي حافظت على نوع من الألق بسبب أنها مؤسسة تشتغل بمواصفات دولية. وحين أقول هذا أقول أيضا إن جلّ الباحثين العرب الجادين شاركوا فيها، وبهذا لم تكن الفرصة سانحة للجميع، لذلك فالحصول عليها ليس سهلا، والفوز بها مدعاة للاعتزاز والشرف، مع الإشارة الى أنها جائزة تتوج مسارا من الأعمال وليست جائزة عن عمل واحد فقط، كتابا واحدا أو مقالا واحدا، الأمر الآخر الذي ينبغي ذكره أن هذه الجائزة هي في حقيقة أمرها جائزة أكاديمية، المحكمون فيها أكاديميون واللجنة التي تنتقي الفائز أكاديمية، فثمة ضرب من الاعتراف من المجتمع الأكاديمي بالفائزين بها وهذا الاعتراف مهم جدا. لكن في ما يخص البوكر الأمر مختلف تماما.

• لن أسألك حول ما إذا كانت جائزة الملك فيصل قد صنعت منك نجما ولكن هل صنعت نجوميتك جائزة البوكر عندما فزت بها عام 2015؟

صحيح هذا ينبغي الاعتراف به، رغم أن رواية «الطلياني» طبعت ثلاث طبعات قبل الحصول على البوكر ما يدل على الإقبال عليها، رغم ذلك فإن الحصول على البوكر جعل الاسم ينتشر عربيا، وحتى خارج العالم العربي، أنا دعيت إلى مهرجانات أدبية غربية بعد الحصول على البوكر، فهذه هي قيمة البوكر، الكتاب يصبح محط أنظار ومتابعة من قاعدة واسعة من القراء، وبشكل عام هذه أهداف الجوائز: تطوير الكِتاب ونشره وتوزيعه ولفت الانتباه إليه، فهذا فضل للبوكر لا أنساه في مسيرتي الأدبية خصوصا أنها كانت روايتي الأولى وهي التي كان لها وقع خاص لدى القراء. طبعا هنا بقطع النظر عن نوعية المواقف التي قوبلت بها الرواية فهي قد نقدت بشكل كبير، فهي أحيانا نقدت نقدا، بصراحة، لا معنى له، ولكنه وجهة نظر علينا احترامها، وكانت هناك مقالات ومواقف مجّدت الرواية.. بقطع النظر جائزة البوكر تخلق ديناميكية ثقافية في الحياة الأدبية العربية فهي تصنع الحدث فعلا بفضل القائمة الطويلة فالقصيرة فانتظار الفائز النهائي وتحرك السواكت في العالم العربي.

• ولكن هناك من يتساءل في ظل وجود الكثير من الجوائز التي تعنى بالرواية من الذي يصنع من؟ هل القيمة الفنية التي تحملها الرواية هي التي تصنع النجومية أم أن الجائزة هي التي تصنع نجومية الروائي بغض النظر عن القيمة الإبداعية؟

بصفة عامة جوائز الرواية ليست كثيرة في العالم العربي.

• ليست كثيرة!!

ربما إذا قستها بجوائز الشعر.

لكن دعني أحدثك عن فكرة الجوائز، الجوائز لا يمكن أن تعيش وتستمر وتفرز أسماء إلا إذا كان هناك كم من الكتابات الروائية، فالملاحظ أن هناك تطورا على الأقل كميا، تطور في الرواية العربية من حيث إقبال دور النشر عليها وهذا ليس مجانيا وإنما هو صدى لإقبال القارئ العربي على الرواية، والسؤال الذي يمكن أن يطرح لماذا يقبل القارئ العربي على الرواية في ظل تراجع بعض الفنون مثل الشعر والمسرح المكتوب وفنون أخرى وهذا سؤال مهم في لحظة الثقافة العربية اليوم. الجوائز جاءت في حكم أن آلة النشر ومكينة النشر أصبحت تنتج روايات كثيرة. الجائزة لا تصنع رواية وإنما تصطفي مما هو موجود ما تعتقد اللجنة التي تشكلت أنه الأفضل فيما قدم إليها، علينا أن ننتبه.. فشكري المبخوت لم يفز بالبوكر مطلقا وإنما فاز بها في سنة معينة مع مجموعة من المنافسين وعبر اختيار رواية الطلياني عن ذوق اللجنة أو اتفاق ما داخل اللجنة.. علينا أن ننتبه لهذا الأمر. بطبيعة الحال لو لم يكن في هذه الرواية أو تلك شيء ما جمالي أو أدبي لما لفتت الانتباه.. لا أدافع عن الجوائز ولا معنى لمهاجمتها، ولكن أحب أن أنبه إلى أن هذه الجوائز موجودة أصلا لتطوير حركة النشر في أي ثقافة من الثقافات، فنحن منزعجون من وجود أربع أو خمس جوائز ولكن انظر لفرنسا على سبيل المثال، يوميا هناك جوائز، هناك حوالي 1000 جائزة في فرنسا توزع على مدار العام، الحياة الثقافية الطبيعية فيها جوائز، والحياة التي ليس فيها جوائز هي التي فيها مشكلة. لكن ربما ما تلمح إليه هو مسألة الرضى عن نتائج لجان التحكيم، وهذه إشكالية قوية، ولكن من لا يثق في جائزة من الجوائز لا يترشح لها بكل بساطة، أي لا أستطيع أن أترشح ثم أضمن منذ البداية أنني سأفوز، وإذا لم أفز تكون اللجنة ظالمة.

• سأعيد السؤال بشكل آخر هل الجوائز تصنع ذائقة الجماهير، أحدثك ونحن في معرض مسقط للكتاب ، وبعض الروايات الفائزة بجوائز أو المترشحة للجوائز بدأت تنفد، في المقابل هناك روايات أهم فنيا ولكن لا يقبل عليها القراء ويقبلون على الروايات الست لأنها على قائمة جائزة معروفة؟

ما يقبل عليه الناس ليس دائما مقياسا، في العالم العربي هناك كتّاب يبيعون أكثر حتى لو لم يكونوا على قائمة جوائز، والكتب الأكثر رواجا لا تعني الكتب الأكثر قيمة، وهذا أمر مهم، للجمهور ذوقه بطبيعة الحال، ولعامة الناس أذواقهم الخاصة، وللجان التحكيم ذوقها، أرى التعدد والتنوع أمرا ايجابيا وليس سلبيا، الذي يهمنا المطالعة وتطوير هذا القطاع وتطوير الدورة الاقتصادية للكتاب، هناك ناشر وهناك مؤلف له حقوقه، ولاحقا مترجم، وهذا أمر مهم وهو جزء من الغاية التي تسعى إليها أي جائزة أدبية، وأنا أرى هذا الأمر إيجابيا لكل كتاب، كل كتاب يصنع قراءه ليس بالضرورة ضمن نظام الجوائز ولكن الجوائز من بين أدوارها تطوير مسألة القراءة ولفت الانتباه إلى أعمال تكون ربما منتقاة من بين عدد كبير، فالوصول إلى 6 روايات من بين 150 ليس بالأمر الهين.

• بما أننا نتحدث عن دور الجوائز في التعريف والترويج بالكتاب إلى اللغات الأخرى، ترجمت روايتك للإيطالية، كيف استقبلت هناك؟

زرت إيطاليا بعد ترجمة الرواية ثلاث مرات بدعوات في لقاءات أدبية وما أذهلني ذلك الحضور للقارئ الايطالي مع العلم أنهم يدخلون للندوات باقتطاع تذاكر تتراوج بين 10 ـ 6 يورو، في ألمانيا رغم أنه ترجم فصل واحد من الرواية ولكن الإقبال كان كبيرا وهناك اهتمام على الأقل بالرواية حتى لا أقول أشياء أخطئ فيها، أنا كنت متخوفا من ترجمة الرواية لأنني أعتقد أن نقل الرواية إلى لغة أجنبية ليس غاية في رأيي، ليس من المهم أن نترجم، المهم أن ينافس ما يترجم في السوق الذي ترجم العمل إيه. إيطاليا بلد له قراء نوعيون، ليس مثل فرنسا يقرأون في الميترو وفي كل مكان، هناك قاعدة القراء أقل ولكنها منتقاة وذكية.. قلت ينبغي حين يترجم الكتاب أن لا يباع منه ألفين أو ثلاثة آلاف نسخة لأن هذا الرقم مخجل بالنسبة لنسب المبيعات في أوروبا وأعتقد أن رواية «الطلياني» حسب الناشر وجدت حظوة وسارت في نفس حدود الروايات الإيطالية. الأمر الثاني الذي كنت متخوفا منه نوعا ما هو أن الرواية حتى بالنسبة للعالم العربي اعتقدت أنها محلية ولكن ما لفت انتباهي هو تفاعل القارئ الايطالي معها فالكثيرون وجدوا فيها جزءا من حياة الايطاليين ولو في فترات معينة.

• صنفتك جريدة نيويورك تايمز بين 5 كتاب عرب يستحقون المتابعة والقراءة بعد ما سمي بالربيع العربي.. كيف تنظر لهذا التصنيف وعلى أي أساس.

والله لا أدري، ولكن التصنيف على أساس من ينبغي أو تنصح الجريدة بمتابعتهم لوجود تميز بطبيعة الحال.

• هل لرواية «الطلياني» علاقة بالموضوع لأنها تناولت ما يمكن أن نعتبره تماسا بالأوضاع في تونس لاحقا.

نعم هي بنيت على هذا، وتعرف في الأسلوب الإعلامي الأمريكي خاصة هناك مثل هذه التصنيفات، بطبيعة الحال أنا أعرف ما أفعل، ولم أبحث عن مثل هذا التصنيف ولكن بالنسبة للقارئ الاجنبي والأمريكي أو المتأثر بالصحافة الأمريكية هذا أمر مهم، وأنا لا يمكن إلا أن أراه بعين الرضى نوعا ما، ولكن لا أعرف ما هي معاييرهم.

• لاقت روايتك رواجا شعبيا كبيرا إضافة إلى احتفاء النقاد بها، أقول هذا رغم أنك رجل أكاديمي، والبعض يتخوف من الروايات أو حتى الشعر الذي يكتبه الأكاديميون لأنهم يحاولون أن يطوعونها وفقا للنظريات السردية.. السؤال كيف استطعت الهرب من النظريات لكتابة رواية بكل تلك السلاسة والجمال؟

لا أعرف. ولكن لي فكرة حول تلك الاعتراضات.. الأكاديمي لا يستطيع كتابة رواية متخلصا من الثقافة الأكاديمية نعم ولكن أيضا علينا أن نتحدث عن أن الرواية تكتب بخبرة ثقافية واجتماعية وسياسية وأيضا خبرة فكرية. لماذا نلغي الخبرة الأكاديمية التي هي جزء من تكوين الشخص ومن ثقافته. الأمر الثاني النظريات النقدية كلها لا تغني عن الذائقة الأدبية التي تتأتّى من قراءة الروايات؛ لأن الرواية فن مرن جدا، له قدرة كبيرة على المباغتة وليس له قواعد واضحة نهائية، فكل النظريات التي تسمّى نظريات نقدية هي تحاول أن تبحث فيما يمكن أن نسميه، كما قال بعض الدارسين، بمحو القصة، ولكن أنت إذا تعرف النحو وأن الفاعل فيه مرفوع، المفعول به منصوب، هذا لا يعني أن نطقك سيكون سليما من الخطأ النحوي واللغوي، وبذلك حتى لو عرفت النظريات وصدقتها فإن التطبيق مرتبط بالأسلوب، والأسلوب كما يقال أسلوب شخصي لذلك لي هذا الاحتراز إزاء إقصاء الخبرة الأكاديمية والخبرة المعرفية.

الأمر الثاني علينا أن ننتبه جيدا، فالروايات الكبرى في التاريخ تحمل معرفة والكتابات اليوم وبينها الروايات لم تعد قصصا ساذجة بل تحمل مضمونا معرفيا وأحيانا هناك أكثر من ذلك، فلا تكتب رواية بدون دراسات علمية وتاريخية وآثارية.

إذن هناك معرفة هي التي تقدمها الرواية، السؤال الذي ينبغي أن يطرح حينما تكتب الرواية وفيها بعد معرفي هل تستنسخ الرواية مثلا، هل تستنسخ المعارف العلمية أم أنها تقدم معرفة أدبية، ما هو أسلوب هذه المعرفة الأدبية، كيف يمرر من خلال السرد إلى آخر كل هذا، فأنت تجد في دستوفسكي معرفة نفسية ثمينة لا يمكن أن يقدمها علم النفس.. إذن علينا أن نتخلص من هذه القسمة أن الرواية مجرد خيال والعلم هو المعرفة، لا الرواية لها وظيفة معرفية سواء في إنتاجها أو في محمولها الفكري.

• شخصيات رواية الطلياني كانت في بنيتها كلها منكسرة أو منهارة أو تريد أن تنتحر أو نهاياتها الانتحار أو قريب من ذلك، لكن أيضا في نفس الوقت حاولت أن تحتفي بالحياة، كيف صنعت هذا المزيج بين انكسار واحتفاء بالحياة؟

هذا واقعنا، حين ننظر إلى الشخصيات في حياتنا، الشخصيات التي تصنع أو تبحث عن حريتها، التي تخط مسارا خاصا بها في حياتها، فإنها من ناحية تحمل شوقا وحبا للحياة وهو أمر أساسي، وهو الذي يصنع لديها هذه البهجة وهذا التألق وهذا البهاء في أدائها اليومي، ولكن أيضا هي شخصيات تخرج عن النمط المسطور الثابت المكرس اجتماعيا واخلاقيا وهذا يعني أن تدخل الشخصية الروائية بتميزها في صدام مع منظومة القيم والمنظومة الاجتماعية فيكون الانكسار؛ لأن الحرية ليست شيئا مطلقا بل هي بناء مستمر لكي يثبت الفرد فرديته ولكي يصنع كيانه وذاتيته. إذا هذه المراوحة تعبير عن عمق انساني، وذكرته في الرواية وهذا الصراع بين عوامل الحياة وعوامل الموت وهذا مذكور في الرواية وهي مفتاح التقطه أنت ويعبر عن الانسان في عمقه وليس الإنسان الذي يموت كما ولد دون أن يذكر أثرا في الكون أو المحيط.

• هل الانكسار الذي عاشته شخصيات الطلياني هو الذي قادها إلى ما حدث في تونس عام 2011؟

سؤالك صعب، ولكن فيه كثير من الصواب عندما فكرت فيه الآن. ما وقع في تونس أن هذا المجتمع المحافظ، وبالتالي هو مجتمع منافق إذ إن المحافظة لا تفرز إلا النفاق، هذا المجتمع عاش منذ الثلاثينات من القرن الماضي حركة تحديث فكري وثقافي، لا تنسى أنني أكتب في بلد أنتج الشابي بتمرده وبهذه الرؤية الرومانسية، وحين أقول الرومانسية لا أعني الرومانسية بالمعنى الشكلي، ولكن في دلالتها العميقة وأن يكون الشابي بهذه الروح يعني أنه ابن جيل عبّر عن هذه الروح، هذا الجيل وجد فيه أيضا طاهر حداد الذي قدم تصورات عن المرأة والعمل والنص الديني مغايرة تماما عن الإرث الماضي، هذه الثقافة عرفت أيضا «أبو رقيبة» الرجل الذي جاء كالفيل وداس على كل شيء أمامه، كما يقول المثل، من أجل الحداثة والقيم الحديثة. فأي تونسي يمكن أن ينتج مثل هذا الوضع وهذا التراكم التاريخي والاجتماعي في مجتمع أخرج المرأة منذ البداية من التقاليد والعادات القديمة ودمجها في المجتمع، في التعليم، في كل نواحي الحياة، هذا كله هو تونس، هل هو إيجابي أم سلبي هذا موضوع ثان.. أردت أن أقول لك أن هذه الديناميكية التي عبرت عنها هي التي ستخلق انكسارات، ونوعا من الجدل مع الواقع، وتخلق نوعا من التوتر، وتخلق أيضا انكسارات تتراكم، ولكن نتيجة هذا التراكم الذي يقع هو أن الإنسان يصبح يبحث عما هو أرقى من وضعه الذي يعيش فيه.

• قدمت في روايتك هجاء مرا لليسار وبالتالي لأبو رقيبة لماذا كل ذلك النقد لليسار رغم أنه حمل ثورة ضد التخلف وضد القيم التقليدية البالية؟

هناك جانبان. يمكن أن تقرأ الرواية على أنها نقد حاد ومر لليسار.. ولكن يمكن أيضا أن تقرأ قراءة إيجابية بمعنى أن اليسار أو الشخصية اليسارية التي نراها نموذجية وتقاوم الظلم وتبحث عن العدل أخرجتها، في الرواية، من هذا التصور المفهومي إلى الواقع، فاليساري هو إنسان.. فما قمت به هو في رأيي إرجاع اليساري إلى إنسانيته، أي أن هذا اليساري ليس ثابتا دائما على مبادئه وقيمه، فيمكن أن يتردد ويخون ليس لأنه يساري ولكن لأنه إنسان. هذا الجانب الأول، أما الجانب الثاني فالفكرة الأساسية في تقديري في الرواية هي أن هذه الشخصيات كلها تبحث عن حريتها الفردية، وهذه الفكرة في تقديري مهمة؛ لأن هذا البحث عن الحرية هو الذي أنتج التراجعات والانكسارات والخييبات وضروب البهجة التي يشيعها النص أو التي يشيعها النص في العالم الروائي الذي بنيته، فالمهم بالنسبة لي أن أعتبر أن الحرية أهم من اليسار وبالتالي فليذهب اليسار واليمين للجحيم المهم هذه المتابعة لبحث الإنسان عن ذاته وحريته.

• لو قيض لك أن تكتب جزءا ثانيا للرواية أو رواية تكون امتدادا لهذه الرواية كيف سترصد صورة المجتمع التونسي بعد الربيع العربي؟

الصيغة في رواية الطلياني صيغة منفتحة أي أنها توقفت سنة 1990 الذي يهمني منها مرحلة نهاية بورقيبة وبداية ابن علي والجزء الثاني من الرواية جاهز ويتعرض لفترة التسعينات ويمكن أن آتي بجزء ثالث ورابع وخامس حتى نصل لفترة الثورة، ولكن الكتاب عن الثورة عملية صعبة. لأن المسافة الزمنية بيني وبين ما عاشته تونس ما زال مستمرا.. الرواية لا تعكس الواقع بمعنى أنها ليست استنساخا لهذا الواقع إنما هي استخراج للجوهري والأساسي، وللسمات العميقة للواقع فالواقع هو مجموعة من الأحداث السياسية والشخصيات ولكن ما هو العمق الذي في هذا الواقع هذا يتطلب فعل تأمل وفعل التأمل يحتاج لمسافة.

• كنتَ من الناس الذين فرحوا كثيرا وسُعدوا بالربيع العربي.. اليوم بعد سبع سنوات هل ما زال موقفك كما هو وهل ما زلتَ تعتقد أن الربيع العربي هو حالة قفز للعرب فوق الجدار الذي كان يفصلهم عن التقدم والحداثة؟

أنا لم أتحدث عن العالم العربي، أنا تحدثت عن تجربة بلدي في تونس، وهذا أمر مهم، كتبت مقالا في مجلة بحرينية وتحدثت فيه عن تحول الربيع العربي إلى شتاء قارس وهذا مكتوب في عام 2012 ولكن بالنسبة لتونس أعتقد وبحسب معايشتي للوضع، أن التغيير الذي وقع سمّه ثورة، أو انتفاضة، سمّه ما شئت، لكنه كان ضروريا بمنطق التاريخ، لأن ما كان موجود وما عشناه، كان حالة اختناق عامة ولم تكن المنافذ واضحة، بطبيعة الحال المهم في الحدث هذا أنه فتح الباب لممكنات كثيرة ليست كلها جيدة ولكن أعاد عجلة التاريخ لكي تتحرك بعد أن خلناها قد توقفت. اليوم حين أنظر إلى ما وقع، بطبيعة الحال، أنا لست راضيا تمام الرضى عن المسار الذي ذهبت فيه تونس، ولكن في الآن نفسه حين أوازن بين السلبيات والإيجابيات أجد احتمالات الإيجابية أكثر من السلبية، لذلك فمن هذه الناحية أنا واقعي ورغم تفاؤلي المتأصل فيّ وإيماني بالتقدم وغير ذلك، فإن هذا لا يجعلني أجعل الأمور في المطلقات، وإنما أنظر إليها في سياقاتها، والسياقات التونسية اليوم سياقات مهمة بالنسبة لتونس لا أتحدث عن كل العالم العربي ولكن ربما الخيبات في أماكن أخرى تفسر بهذه الخصوصية التونسية، فخصوصية تونس تكمن في وجود هذه المرأة التونسية، تكمن في هذا المجتمع المدني الذي استطاع أن يهيكل نفسه. وفي وجود دولة قوية عكس ما نتصور.