1301471
1301471
المنوعات

إشارات حول مكتبات عُمان وكتبها

08 أبريل 2018
08 أبريل 2018

في ظل التطور التكنولوجي المذهل يرى أناس تراجع الاهتمام بالكتاب الورقي وعدم قدرته على منافسة الكتاب الإلكتروني ويجادلون أن معظم قارئي العصر ما عادوا ينصرفون لكتاب مطبوع على الورق بقدر اهتمامهم بالكتاب الموجود في أجهزتهم يتصفحونه ويقرأونه حتى أنهم يستأجرونه إن رغبوا بثمن يسير أو دفع قيمته الأقل كلفة إن راق لهم وهؤلاء القائلون بذلك يتنبأون باختفاء الكتاب الورقي وزواله نهائيا من عالم الناس على المدى القادم طال أو قصر، ولست من هؤلاء بالتأكيد ليس فقط بسبب أميتي الإلكترونية، ولكن لكثير من المعطيات أراها أمامي تنقض مثل هذه التصورات ليس في الساحة العربية فحسب ولكن في العالم الأكثر تطورا حيث منبت التكنولوجيا ومكان ازدهارها، وفي كل عام تختتم معارض الكتب في اليابان وأمريكا وأوروبا وغيرها بمبيعات فلكية وكم جاءتنا وكالات الأنباء بخبر كتاب وصل عدد نسخ طبعته الأولى المليون وتردف الطبعة الأولى ثانية وثالثة وتتنافس دور النشر الكبرى للظفر بنشر ذلك الكتاب مقابل المال الكثير ويكون الكتاب أحيانا رواية مثيرة لكاتب بارز أو كتابا في علم من العلوم أو مذكرات لأحد الزعماء السياسيين. وتتبارى مؤسسات طباعة الكتب في شتى أمم العالم لتدفع مئات الألوف لنيل الموافقة على ترجمته إلى لغة هذه الأمة أو تلك.

ثم بعد ذلك هذه المكتبات الضخمة المشتملة على ملايين الكتب في مدن العالم الكبرى هل سيتوقف من الغداة زوارها الكثر عن التوافد عليها وتمسي مغلقة أبوابها للأبد لانتفاء الحاجة لها؟ لا أتصور ذلك!! ولماذا نذهب إلى العالم البعيد وهذه معارض الكتب العربية نراها أمامنا كل شهر في إحدى العواصم ويتسابق كبار الناشرين للمشاركة فيها وطوال أيام فترتها نرى الألوف من محبي الكتب يتبادرون نحوها ويخرجون منها بالكم الوافر من الكتب المتنوعة وأغلبها حديث الطباعة وفي كل عام يلحظ زائرها العديد من دور النشر الجديدة التي ظهرت ولم تكن موجودة من قبل في بيروت والقاهرة ودمشق والرباط وتونس وغيرها. وهذه علامات دالة كلها أن الكتاب مازال له ألوف العشاق من جمهوره ومتابعيه.

ولا أريد هنا الاستطراد في هذا المجال وهو مجال يطول القول فيه وإنما أردت من كلماتي هذه مدخلا للحديث عن المكتبات العمانية قديمها البعيد وحديثها المعاصر ومساهمة أهل عُمان في صنع الكتاب ونشره واقتنائه والاحتفاء به شأنهم في ذلك شأن إخوتهم العرب وشأن أمم العالم الأخرى الدانية والقاصية.

وقد كانت عناية أبناء عمان بالكتب ملحوظة منذ أقدم العصور حتى لقد قيل إن كتاب «ديوان الإمام جابر بن زيد الأزدي» كان من أقدم المؤلفات العربية إن لم يكن أقدمها مطلقا فهو من مصنفات القرن الأول الهجري وقد وصف بأنه ضخم كبير الحجم وهو الآن من الكتب المفقودة وذكروا أن أصله كان موجودا بخزانة الكتب العامة في بغداد التي دمرها التتار وقد نسخه أحد علماء المغرب قبل كارثة التتار بعد أن مكث في بغداد لفترة طويلة من أجل ذلك وحمل تلك النسخة معه بعد الفراغ منها ولم يتمكن أحد من العثور عليها والتي يبدو أنها ضاعت كذلك واختفى أمرها في طيات الزمن.

وتوالى منذ ذلك الوقت المبكر تأليف علماء عمان للكتب وأغلبها في الفقه ومنها في علوم اللغة العربية وفي الفلك وغير ذلك ولئن فقد الكثير من تلك الكتب لأسباب كثيرة فإن الموجود منها يؤشر الى الجهود المبذولة في هذا السبيل ومن بين الكتب العمانية المتبقية من الحقب القديمة كتاب «الجامع الصحيح» للإمام المحدث الربيع بن حبيب الأزدي وهو من كتب القرن الثاني الهجري وكتب أخرى تنتسب للقرون الهجرية الأولى ما زال بعضها موجودا وتتوفر منه أكثر من نسخة ولعل من بين الكتب العمانية الأشهر كتاب «بيان الشرع» الذي يعد موسوعة فقهية كبرى في سبعين مجلدا وهو من تأليف العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي النزوي وقد ألفه في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري وقبله كتاب «جامع ابن جعفر» المتكون من ثلاثة أجزاء وقد طبع الآن محققا وصاحبه من كبار علماء القرن الثالث الهجري وكذلك «جامع أبو الحواري» وهو أيضا من علماء القرن الثالث الهجري والكتاب يتألف من خمسة مجلدات وجامع أبو سعيد المسمى «الجامع المفيد» وهو من أربعة أجزاء ومؤلفه من علماء القرن الرابع الهجري وكتاب «الضياء» للعلامة سلمة بن مسلم العوتبي من علماء القرن الخامس الهجري أخرجته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية محققا أنيق الطباعة في ثلاثة وعشرين مجلدا ومن كتب هذا العالم أيضا كتاب «الأنساب» الشهير جدا في التاريخ والنسب وقد قامت وزارة التراث والثقافة بطباعته في مجلدين قبل سنوات ثم أعيد طبعه بعد تحقيقه في أربعة مجلدات وظهرت منه طبعة محققة أخرى في بيروت غير الطبعة العمانية وللعلامة العوتبي كذلك كتاب «الإبانة» في اللغة طبعته وزارة التراث والثقافة محققا طبعة فاخرة في أربعة مجلدات ضخمة.

وهذه الكتب إنما نذكرها كأمثلة للتأليف العماني الذي بدأ في القرن الأول الهجري وظل متواصلا في غير انقطاع قرنا بعد آخر حتى لحظتنا هذه في شتى وجوه المعرفة ومن الصعب الإلمام بكل تلك الكتب التي تواتر ظهورها على مر القرون حيث لا يكاد قرن يخلو من خمسة أو ستة علماء من أهل التأليف الذين لا تزال معظم مؤلفاتهم موجودة ومنها الذي فقد ولم يبق منه سوى عنوانه أو شيء من النقولات التي أخذت منه.

وأصحاب الكتب من العمانيين كثرة كاثرة ومنهم من ينتمي لأسرة واحدة يتوارثون العلم أبا عن جد لمدة ثلاثة قرون أو أكثر كمثل آل مداد وغيرهم ومن بين أشهر العلماء المؤلفين العلامة ابن بركة والشيخ أبو الحسن البسيوي والشيخ خميس بن سعيد الشقصي صاحب «منهاج الطالبين» الذي زادت مجلداته على الثلاثين وتولت نشره «مكتبة مسقط» ومن المتأخرين العلامة جميل بن خميس السعدي مؤلف كتاب «قاموس الشريعة» الذي يعد أكبر كتاب عرف عند العمانيين وقد صدر عن مكتبة «الجيل الواعد» مع الفهارس في واحد وتسعين مجلدا والعلامة الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي وله العديد من المؤلفات معظمها أصبح اليوم مطبوعا وشيخه العلامة جاعد بن خميس الخروصي وبعدهم الإمام نور الدين السالمي الذي أثرى المكتبة العمانية بمؤلفاته في الفقه واللغة والتاريخ والنحو وأصول الدين وغير ذلك من فروع العلم.

وقد لقيت هذه المؤلفات التي مر ذكرها عناية فائقة وتكرر نسخها على توالي القرون مما يؤكد اهتمام العمانيين بالكتاب واجتهادهم في الاعتناء به والمحافظة عليه. وقد تسرب الكثير من مخطوطات عمان إلى خارجها حتى لا تكاد توجد مكتبة كبرى في العواصم العربية والأجنبية لا توجد بها نسخة أو أكثر من المخطوطات العمانية، وقد استطاعت وزارة التراث والثقافة وهيئة الوثائق والمحفوظات الحصول على صور من بعض تلك المخطوطات المغتربة وهما لا تزالان تواصلان مساعيهما للوصول إلى الكثير الباقي المتوزع في شتى أنحاء العالم. ونحن هنا فقط نعطي إشارات وأمثلة عن المؤلفات العمانية التي وصلت إلينا والتي أنبأتنا عن اهتمام أسلافنا بالكتب وقد وجدت شروحا واختصارات وتعليقات على تلك الكتب منها الموجز ومنها الأكثر اتساعا.

وسطورنا هذه ليست مكرسة في الأساس لتناول المؤلفات والمؤلفين من أهل عمان قدر توجهها لإلقاء الضوء على خزانات الكتب كما كانت تسمى والتي نطلق عليها اليوم اسم المكتبات وأقدم مكتبة حفظت لنا المصادر ذكرها هي مكتبة «آل الرحيل» في صحار ويعود تأسيسها للإمام محمد بن محبوب بن الرحيل الصحاري تلميذ الإمام المحدث الربيع بن حبيب في القرن الثاني الهجري ويبدو أن هذه المكتبة قد تنامت وكبرت مع أبناء ذلك الإمام وأحفاده جيلا بعد جيل وهذه الأسرة خرج منها العديد من العلماء على مدى القرون ويقال إن هذه المكتبة وصلت ذروتها في عهد الإمام سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب أحد أئمة القرن الرابع الهجري الذي وصفت مكتبته المتوارثة من آبائه وأجداده بأنها كبيرة ضمت الألوف من الكتب ومن المكتبات القديمة مكتبة السلطان فلاح بن محسن النبهاني في القرن السادس الهجري التي يبدو أنها آلت إلى السلطان سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني الشاعر المعروف فزاد فيها العديد من العناوين وصارت من المكتبات المذكورة ومن المكتبات القديمة أيضا مكتبة المشايخ آل مداد في نزوى وهي مكتبة توارثها أفراد هذه الأسرة العلمية يأخذها الخلف من السلف ويضيف إليها وقد تولى عديد من أفراد هذه الأسرة مناصب رئاسة القضاء والإفتاء وكانوا ينصبون الأئمة ويوجهونهم ويعملون لهم كوزراء ومستشارين يخلف الابن والده ويخلفه ابنه لفترة امتدت إلى قرنين أو أكثر ومن المكتبات التي يشار إليها في تلك الأزمنة البعيدة مكتبة أولاد «بالروح» في نزوى وليس لدينا أي معلومات عنها وكذلك مكتبة العالم الشيخ بشير بن سعيد بن عبدالله بن أبي سبت في نزوى ويبدو أنها كانت مكتبة ضخمة حوت الكثير من الكتب وقد عبر عن قلقه عليها في أواخر عمره أن لا تجد من يرعاها بعده في أبيات ظريفة:

بكت عيني على كتبي

بدمع واكف ســــــــكب

وعيني طالما ســـــهرت

لها بالليل فــي طــــــرب

وبالإصباح مجـــــــتهدا

ببذل النفس في الطلب

تعيش اليوم مهــــــملة

كذي يتــــم بغــــير أب

فوا أسفي على مــن لا

يذوق حلاوة الكــــــــــتب

دعوت الله يحفــــــظها

ويكلؤها مـــن العــــطب

بــــــــوال عـــــــالم ثقــــــة

ولــــي مرتضــــى أرب

ومن المكتبات المذكورة في القرن الخامس الهجري مكتبة الشيخ ابن النظر ذلك العالم الذي مات في عز الشباب مقتولا كما قيل من قبل السلطان خردلة النبهاني وإن كنت في شيء من الشك بتلك الرواية التي هي أقرب للأسطورة في نظري وقد ورد فيها أن ذلك السلطان غريب الاسم أمر باقتحام تلك المكتبة وإحراقها بعد قتل صاحبها ومما ذكر عنها أنها اشتملت على مختلف صنوف العلوم ومن ضمن الكتب المحترقة كانت مؤلفات الشيخ نفسه وهي متنوعة بالغة الأهمية كما يظهر من عناوينها ومن أبرزها كتاب «سلك الجمان في تاريخ عمان» روى الشيخ السالمي عن مصادره أنه في مجلدين إضافة إلى كتاب «الوصيد في ذم التقليد» في مجلدين وكتاب «قرى البصر في جمع المختلف من الأثر» في أربعة مجلدات وكل هذه الكتب لم يبق منها سوى عناوينها.

وهناك أيضا مكتبة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي مؤسس دولة اليعاربة وقد خصص الإمام لها أموالا لشراء الكتب وصيانتها والإنفاق على المشرفين عليها ولتأجير الممتهنين لحرفة النسخ لمضاعفة عدد الكتب بها واقتدى بالإمام ناصر معظم أئمة اليعاربة خاصة الكبار منهم في السعي لجمع الكتب واقتنائها فكان لكل منهم مكتبته الخاصة «خزانته» ومنهم الإمام سلطان بن سيف الأول وابنه الإمام بلعرب صاحب قصر جبرين وأخوه الإمام سيف – قيد الأرض – وابنه الإمام سلطان بن سيف الثاني ولا تزال حتى اليوم توجد كتب متناثرة هنا وهناك تعود لمكتبات هؤلاء الأئمة مسجل عليها أنها من كتب خزانة الإمام فلان.

ومن المكتبات القديمة التي تذكر مكتبة الشيخ ابن بركة ومكتبة الشيخ المعاصر له أبو سعيد الكدمي الذي كان معاكسا له في آرائه وكان الأول من محلة «الضرح» في مدينة بهلا والثاني من بلدة «العارض» في مدينة الحمراء وكان وقتهما القرن الرابع الهجري.

ومن عهد اليعاربة مكتبة الشيخ خميس بن سعيد الشقصي الذي كان وراء بيعة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي والشيخ خميس هو صاحب كتاب «منهج الطالبين» كما هو معروف ومن القرن الخامس الهجري مكتبة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي صاحب كتاب «بيان الشرع» ومكتبة ابن عمه صاحب كتاب «المصنف» ومكتبة الشيخ عمر بن سعيد بن معد البهلوي وقد عاش بين أواخر القرن التاسع وبدايات القرن العاشر الهجري وكذلك تذكر المصادر مكتبة المشايخ آل مفرج في بهلا وقد تأسست في القرن الثامن الهجري على أيام الإمام محمد بن سليمان بن أحمد المفرجي ولعل شيئا من بقاياها ما زال موجودا حتى اليوم في مكتبة القاضي علي بن ناصر المفرجي ومن عصر اليعاربة مكتبة العلامة القاضي خلف بن سنان الغافري أحد قضاة الإمام سيف بن سلطان اليعربي – قيد الأرض- التي احتوت أكثر من تسعة آلاف كتاب كما ذكر ذلك صاحبها نفسه حين قال:

لنا كتب في كل فن كأنها جنان

بها من كل ما تشتهي النفس

ثلاث مئين ثم سبعون عدها

وتسعة آلاف لها ثمن بخس

تسعة آلاف عنوان في وقت لم تخترع فيه الطباعة بعد، ألا يدل ذلك على الهمة العالية وحب المعرفة والسعي لاقتناء الكتب.

ومكتبة حصن الرستاق وقد تحدثوا أنها ضمت ما يقرب من عشرة آلاف كتاب وقد احترقت هذه المكتبة للأسف خلال الصراع الذي وقع بين حكام اليعاربة في أخريات أيام دولتهم. وفي الرستاق مكتبة بيت الكتب في حارة «قصرى» وقد أوقف هذا البيت خلفان بن عزيز البيماني وكان البيت يمتلئ بالكتب لطلبة العلم وفي نزوى كان بيت الوقف المخصص لنسخ الكتب وحفظها به العشرات من المجلدات المهمة العائدة لعصور مختلفة وكلا البيتين تلاشت كتبهما في الأزمنة المتأخرة وتفرقت بين أيدي الناس، وفي بهلا يشار إلى مكتبة الشيخة العالمة شيخة بنت راشد الوائلية الحاوية للعديد من الكتب وكانت هذه الشيخة غنية ومغرمة باقتناء الكتب، وكان للشيخ خميس بن بشير بن عبدالله البرواني خزانة كتب في بلدة «المنزفة» بإبراء ذكر أنها ضمت عديدا من نفائس المخطوطات تفرقت بعد وفاة صاحبها وضاع معظمها ومنها ما كان بخطه الجميل وكان هذا الشيخ أحد ولاة الإمام سلطان بن سيف الأول اليعربي وبيته المسمى «بيت السدور» ما زالت أطلاله باقية في بلدته «المنزفة» في إبراء ومن المكتبات المتأخرة يمكن ذكر مكتبة الشيخ جاعد بن خميس الخروصي التي اشتملت على مخطوطات كثيرة في شتى صنوف العلوم وقد وصفها حفيده الشيخ مهنا بن خلفان بأنها لا توجد مكتبة مثلها في زمنها بالقطر العماني كله ولكن هذه المكتبة تعرضت للأسف للحرق وضاع كثير من كتبها بسبب هجمات طالت منازل الشيخ وممتلكاته وبعض كتبها موجودة في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي ومكتبة وزارة التراث والثقافة ومنها في مكتبة حفيده الشيخ مهنا بن خلفان الأديب والمؤرخ والباحث المعروف بمؤلفاته وبحوثه الكثيرة المتنوعة.

ولقد ضاعت كثير من المكتبات في عمان بسبب الحروب والنزاعات بين العمانيين أنفسهم أحيانا أو من قبل الغزاة الخارجيين في الأغلب كمثل ما حصل لمكتبة قصر جبرين التي احترقت من أثر قذائف المدافع أثناء حرب بين ساكني القصر وخصومهم ومثلما حصل لمكتبات في نزوى وبهلا أحرقها الفرس أثناء تسلطهم على عمان في عهد الإمام سيف بن سلطان الثاني وقبل ذلك في عام 280هـ حين غزا عمان القائد العباسي محمد بن نور وقام بتدمير وإحراق الكتب ضمن ما أتلفه وخربه. وفي سنة 675هـ احترقت مئات من الكتب أثناء هجمة أولاد الريس على نزوى في عهد السلطان كهلان بن عمر النبهاني. ولئن كان هذا ما وقع من جراء الحروب ونتائجها ومؤثراتها فإن هناك أيضا ما أصاب الكتب من الإهمال ومن الجوائح والسيول وانهدام البيوت وآفة حشرة «الرمة» التي قضت على العدد الكبير من الكتب النادرة والوثائق الثمينة.

ومن مكتبات عمان في العهد المتأخر مكتبة العلامة الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي التي لعل بعض كتبها ما زالت باقية في مكتبة الشيخ عبدالله بن علي الخليلي ومكتبة الشيخ صالح بن علي الحارثي والتي آلت إلى ابنه الشيخ عيسى ثم إلى أولاده من بعده، وربما لا زال شيء من كتبها موجود في مكتبة حفيده الشيخ أحمد بن محمد في بلدة «القابل» بشرق عمان ومكتبة العلامة الشيخ جميل بن خميس السعدي التي تفرقت كتبها بعد وفاته وتشتت ومكتبة جامع «البياضة» في الرستاق وأكثر كتبها من وقف الشيخ راشد بن سيف اللمكي وكذلك مكتبة السيفيين في نزوى وفيها كتب الشيخ محمد بن خميس السيفي ومكتبة السليمانيين في نزوى أيضا وكان بها العديد من المخطوطات المهمة ولكنها اليوم تفرقت بين أحفادهم، ومكتبة العلامة الشيخ سعيد بن أحمد الكندي ولعل بعضها لم يزل في حوزة أحفاده بمدينة «نخل» ومكتبة العلامة الشيخ نور الدين السالمي في مدينة «بدية» وتحتوي على كتب كثيرة متنوعة وعدد كتبها اليوم خمسة آلاف كتاب بينها من المخطوطات ما يربو على الخمسمائة وبعضها نادر وقديم جدا ومنها ما يعود للقرن الرابع الهجري وهي مفتوحة تستقبل زائريها في مبناها الضخم الأنيق وقد جرى تنظيمها وترتيبها بطريقة حسنة بفضل عناية ابنه الشيخ محمد السالمي «الشيبة» وأبنائه من بعده ومكتبة الشيخ عامر بن خميس المالكي في بدية كذلك ولا تزال بعض بقاياها موجودة لدى أحفاده ومكتبة الشيخ ناصر بن راشد الخروصي في مدينة «العوابي» وعدد من نفائسها ما زال باقيا في مكتبة «العوابي» التي أنشئت حديثا باسم الشيخ ناصر ومكتبة الشيخ سالم بن حمد الحارثي في بلدة «المضيرب» بولاية القابل وتحتوي على مئات من الكتب بعضها يعد من النوادر وفيها حوالي مائة وخمسون مخطوطة ومكتبة الشاعر الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي في البلدة ذاتها وبها كذلك مخطوطات نادرة قيمة ومطبوعات قديمة نفيسة ومكتبة العلامة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري في مدينة «الحمراء» التي ضُم ما تبقى منها إلى مكتبة وقف الحمراء ومكتبة بني عوف في حارة الحداد بمدينة بهلا وقد اشترت كتبها وزارة التراث والثقافة فهي اليوم ضمن مكتبة الوزارة ومكتبة «بدية» التي تحتوي عشرات المخطوطات الثمينة ومئات الكتب النادرة المطبوعة منذ عشرات السنين ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي الشهيرة جداً في مدينة «السيب» وفيها من نوادر المخطوطات والوثائق والكتب القديمة ما ليس في غيرها وهي مرجع أساسي للدارسين والباحثين .

ومكتبة الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي في مدينة «منح» وقد اشتملت مكتبة «منح» التي سميت باسم هذا الشيخ العالم على المتبقي من كتبه القيمة وإن كان أكثرها قد فقد وتلاشى ومكتبة الشيخ سيف بن علي المسكري في بلدة «العلاية» بولاية إبراء وكانت توجد في بيته الأثري الكبير المسمى «بيت الخروس» وكان من ضمن محتوياتها ثلاثمائة وستون مخطوطا عدا الكتب المطبوعة تفرقت بعد وفاته ولا يدرى اليوم المكان التي هي فيه إن كانت باقية أم أن الدهر أهلكها فيما أهلك ومكتبة الشيخ سلطان بن محمد البطاشي في بلدته «إحدى» من وادي الطائيين التي ذكر الشيخ المؤرخ سيف بن حمود البطاشي انه كان بها على أيام صاحبها في سنة 1224هـ ما يصل إلى ألف مخطوطة وقد فقد الآن أكثرها وربما دخل شيء من بواقيها في مكتبة الشيخ سيف المذكور ومكتبته ما زالت موجودة في بلدته «إحدى» وبها عديد من نوادر الكتب المخطوطة والمطبوعة ومن المكتبات التي تذكر مكتبة «الرحبيين» في بلدة «نقصي» بوادي الطائيين قيل أنها كانت تحتوي على عدد من المخطوطات والكتب المهمة ولكنها تعرضت لحريق قضى عليها. وهناك لا شك مكتبات أخرى فاتنا ذكرها ومنها مكتبات الحكام والسلاطين في مسقط وفي زنجبار ومكتبات العلماء والأدباء مما لم نستطع معرفته.

ومن مكتبات العصر الحاضر البارزة إضافة إلى ما ذكرناه مكتبة قصر الشموخ ومكتبة الجامع الأكبر ثم مكتبة وزارة التراث التي تحتوي أكثر من أربعة آلاف مخطوط وعلى كثير من الكتب المطبوعة ومكتبة العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وبها المئات من النفائس ومكتبة جامعة السلطان قابوس ومكتبة هيئة الوثائق ومكتبة الأستاذ عبد القادر بن سالم الغساني في ظفار التي أطلق عليها اسم «دار الكتاب» ومكتبات أخرى كثيرة تعود ملكيتها لأفراد من المهتمين في مسقط وصحار ونزوى وسمائل وصور والبريمي وظفار وفي شتى الولايات العمانية حيث تتبارى اليوم المدن العمانية لافتتاح المكتبات العامة فيها وفي بعضها ما زاد عن الأربع والخمس وربما أكثر وليس المدن فحسب بل حتى القرى المتوسطة والصغيرة أخذت تنهج هذا النهج في تسابق حميد. وفي كل ذلك دلالة واضحة على الاهتمام الكبير الذي يبديه العماني تجاه الكتاب والأهمية البالغة التي يوليها إياها مثله مثل شقيقه العربي ومثل كل معتن بالمعرفة وحالم بالثقافة الجادة في كل أقطار العالم.

وسيظل الكتاب نبراس هدى ومصدر إشعاع يمد أنواره الساطعة في كل مكان مهما تطورت البشرية وتوالت المستجدات والمخترعات ولن يستطيع الكائن البشري الاستغناء عن الكتاب كرفيق دائم يمنحه الوعي ويقوده نحو الآفاق الواسعة التي لا حدود لها.