أفكار وآراء

الإسلام جزء من ألمانيا رغم اعتراض وزير داخلية ميركل

06 أبريل 2018
06 أبريل 2018

سمير عواد -

الجملة التي أثارت جدلاً واسعاً في ألمانيا، وهي «الإسلام جزء من ألمانيا»، جاءت أول مرة في عام 2006 على لسان فولفجانج شويبلي وزير الداخلية الألماني في تلك الفترة والرجل القوي في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ثم ذكرها الرئيس الألماني كريستيان فولف في خطابه في الثالث من أكتوبر عام 2010 بمناسبة مرور عشرين عاما على استعادة ألمانيا وحدة شطريها. وأقرت بها المستشارة الألمانية ميركل في عام2015.

لكن هورست زيهوفر، الزعيم البافاري السابق والذي عينته ميركل في منصب وزير الداخلية في حكومتها الجديدة، يعارض هذا الموقف جملة وتفصيلا. ففي أول مقابلة له بعد استلامه منصبه الجديد، قال: «الإسلام ليس جزء من ألمانيا». وأراد زيهوفر توجيه رسالة إلى أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا ومنهم جزء كبير من مواليد هذا البلد، عندما تابع القول: « ينبغي على المسلمين أن يعيشوا معنا وليس في مجتمع مرادف أو ضدنا». وقد كان موقفه خيبة أمل لمسلمي ألمانيا الذين توقعوا من المسؤول عن الأمن الداخلي أن يدين الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت مساجد في ألمانيا عوضا عن استفزازهم وصب الزيت على النار وتشجيع مرتكبي هذا الجرائم ضد بيوت الله على مواصلة استهدافهم المساجد والمراكز الإسلامية. فقد أعرب أندريه شولتس، الرئيس الاتحادي لرابطة مفتشي الجريمة في ألمانيا، في تصريح لصحيفة «هاندلسبلات» الألمانية، عن قلقه العميق من عواقب تصريح زيهوفر أن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا. وأضاف شولتس « بالتأكيد أن الإسلام جزء من ألمانيا وهذا ما يؤكده الدستور الألماني الذي يضمن حرية العبادة».

وأعلن زيهوفر أنه سيحدد موعدا في القريب لانعقاد مؤتمر الإسلام الذي تأسس بمبادرة من شويبلي ليكون منبراً للحوار بين الاتحادات والمنظمات وشخصيات إسلامية والحكومة الألمانية. ويعتقد بعض المراقبين أن الحوار لن يكون سهلا في عهد وزير الداخلية الألماني الجديد، خاصة بعدما تسبب في استفزاز المسلمين بموقفه الأخير وكذلك الألمان الذين أعلنوا تأييدهم للموقف بأن الإسلام جزء من ألمانيا. فقد سارعت ميركل لتعترض على موقف زيهوفر وقالت في تصريح للصحافة الألمانية أن الإسلام جزء من ألمانيا.

ولا زال زيهوفر يتعرض لانتقادات من قبل وسائل الإعلام المحلية ومن قبل سياسيين ينتمون للحزب الاشتراكي الشريك في الائتلاف الحاكم وحزبي المعارضة، الليبرالي والخضر. أما حزب «بديل من أجل ألمانيا» الشعبوي والمعادي للإسلام، فقد رحب بموقف زيهوفر واعتبره اعترافا ببرنامجه السياسي الذي يعتبر فيه الإسلام تهديدا لألمانيا. كما يُعتبر هذا الموقف وقوداً لحركة «بيجيدا» وهي كلمة مختصرة لمبادرة شعبوية تحمل اسم «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب»، تأسست في مدينة «دريسدن» بألمانيا الشرقية السابقة، وتتعاون بشكل وثيق مع حزب«بديل من أجل ألمانيا». وتجدر الإشارة إلى أن منصب وزير الداخلية الألماني من أبرز المناصب حيث تشمل صلاحياته الأمن وإدماج اللاجئين وتقنية المعلومات وتشجيع الرياضة وكما ذكرنا آنفا، الحوار مع ممثلي المسلمين في ألمانيا.

المراقبون يعتقدون أن زيهوفر يريد أن يقوم بدور «الشريف الأسود» في آخر منصب سياسي له قبل تقاعده ونهاية عمله السياسي. فالرجل لم يحقق إنجازات سياسية تُذكر عندما كان يرأس الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري وحكومة ولاية بافاريا. وتنحى عن رئاسة حزبه بالتراضي بعد أن شعر أنه لم يعد مرغوبا به في هذا المنصب. ولكنه يريد مساعدة حزبه في استعادة الأصوات التي فقدها أخيرا في الانتخابات لصالح حزب « بديل من أجل ألمانيا».

ولكي ينجح في ذلك، عليه اتخاذ قرارات مثيرة للجدل. فبعدما فاجأ مسلمي ألمانيا والمجتمع الألماني بموقفه المعارض لمقولة «الإسلام جزء من ألمانيا»، وهو موقف غير صحيح وتفنده الحقائق، مثل وجود أربعة ملايين مسلم في هذا البلد، يمارسون ديانتهم التي يكفلها لهم الدستور الألماني، الذي يدعو إلى حرية العبادة، والارتفاع السنوي لأعداد الألمان الذين يعتنقون الإسلام، ثم اعتراف المستشارة الألمانية بأن الإسلام جزء من ألمانيا. بالإضافة إلى دعوته الإبقاء على الحدود قائمة بين دول الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة على زوال الحدود بحسب اتفاقية «شنجن». كذلك فإن منصبه كوزير للداخلية، يمنحه صلاحية تشجيع إبعاد اللاجئين المرفوضة طلباتهم، وهو ما يطالب به الشعبويون الألمان. كل هذه المواقف التي وضعها «زيهوفر» في أولوياته، تؤكد للمراقبين أنه يمارس سياسة حازمة ضد اللاجئين بالذات، لأنه كان يعترض بشدة على سياسة ميركل تجاه اللاجئين ، وهدد مراراً بفك الارتباط التاريخي بين الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري والحزب المسيحي الديمقراطي المتحالفان في الاتحاد المسيحي ويشاركان ككتلة واحدة في الانتخابات العامة في ألمانيا منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية عام 1949.

موقف زيهوفر من الإسلام يؤكد أن الرجل يعيش في عالم ضيق وبعيد جدا عن الواقع . فعندما قال وزير الداخلية الألماني الأسبق، شويبلي، الذي يرأس البرلمان الألماني «بوندستاج» أن الإسلام جزء من ألمانيا، أشار إلى أن الإسلام جزء من ألمانيا وأوروبا ومستقبلهما. وقالت أنيجريت كرامب كارينباور، الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي ورئيسة حكومة ولاية «السار»، « أربعة ملايين مسلم يعيشون بيننا ويمارسون ديانتهم، هؤلاء المسلمون ينتمون إلى بلدنا وكذلك دين الإسلام». هذا موقف هام لأن كرامب كارينباور مرشحة قوية لخلافة المستشارة ميركل.