1297598
1297598
إشراقات

الخوالدي: القوة في الدين تكون بإشراق النفس الذي يحس الإنسان به حينما يكون على صلة بالله

05 أبريل 2018
05 أبريل 2018

بالعلم النافع يعرف الإنسان ربه فيصح معتقده وتقوى هيبة الله تعالى في نفسه -

البعد عن الأسباب التي توصل إلى التردي والضعف ضرورة -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

قال فضيلة الشيخ خالد بن سالم الخوالدي عضو الهيئة التدريسية بكلية العلوم الشرعية في الجزء الأخير من محاضرته (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) إن هناك أسبابا ووسائل يستعين بها الإنسان على القوة في التعامل مع أحكام الشرع من بينها العلم النافع والعمل الصالح والصبر؛ فبالعلم النافع يعرف الإنسان ربه فيصح معتقده وتقوى هيبة الله تعالى في نفسه.

وبيّن فضيلته أن القوة في الدين تكون بإشراق النفس الذي يحس الإنسان به حينما يكون على صلة بالله.

ونبّه فضيلته الى ضرورة البعد عن الأسباب التي توصل الى التردي والضعف، ويؤكد انه ليس كالذنوب شيء يدمر الإيمان ويضعف اليقين ويشتت الهمة ويذبح العزيمة ويبعد الإنسان عن معالي الأمور ويجعله غارقا في السفاسف والمحقرات.. والى ما جاء في المحاضرة. شرع فضيلته في هذا الجزء بذكر بعض الأسباب والوسائل التي تعين على هذه القوة في الدين التي يستعين بها الإنسان على القوة في التعامل مع أحكام الشرع. وقال إن أول هذه الأسباب (العلم النافع والعمل الصالح)، فالعلم لا شك انه من أسباب القوة في الدين فبالعلم النافع يعرف الإنسان ربه فيصح معتقده وتقوى هيبة الله تعالى في نفسه والله تعالى يقول «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» والمعنى أن كمال الخشية لله إنما تكون لأهل العلم لأنهم أعرف بالله عرفوا الله تعالى من خلال العلم الذي نالوه فإذا ما تعلم الإنسان قويت عقيدة أصبحت خشية الله عظيمة في قلبه وخشية الله تدفع وتردع تدفع الى الخير وتردع عن الشر.

ويؤكد الخوالدي أن العلم النافع يؤمن الإنسان بقضاء الله تعالى وقدره فيعرف أن ما أصابه ما كان ليخطئه وأن ما أخطأه ما كان ليصيبه وأن كل شيء أصابه بمراد الله وهذا بلا شك انه من أعظم الأمور التي تبعد الإنسان عن الوهن والضعف. لأن الإنسان حينما يكون مطمئن النفس مؤمنا بما قدر الله يأتي بما لزمه ويرضى بما قدر الله تعالى له ولا يكون ضعيفا أمام أحد، لا يكون ضعيفا إمام بشر أو إغراء أو تحد أو أما شيء من الأمور التي تؤثر عليه.

ويضيف أن بالعلم النافع يستطيع الإنسان أن يأتي بالعبادة بشكل صحيح سليم وهذا بحد ذاته جزء من القوة، لأن الإنسان حينما يصلي صلاته وهو مطمئن تمام الاطمئنان بأنه سلك مسلكا صحيحا في أداء هذه الصلاة هذا بلا شك انه يكسبه قوة لأنه يكون مطمئنا بأنه أدى العبادة وفق مراد الله، بعكس الشخص الجاهل المهتز الذي يصلي ولا يفقه من أمر الصلاة شيئا ويصلي ولا يعرف هل صحت صلاته أو انه جاء بها أو فيها بمفسد وهكذا فيما يتعلق بصيامه وحجه وزكاته وفيما يتعلق بسائر عباداته. تجد الشخص الذي عنده علم بالعبادة يؤديها وهو مطمئن النفس قوي القلب لأنه يعلم بأنه سالك في الدرب الصحيح.

ويوضح فضيلته أن الإنسان حينما يريد أن يسلك دربا أو يريد أن يقابل شخصا أو يريد أن يذهب الى مكان جديد لا يعرف طريقه ولا يعرف السبل التي توصله إليه أو انه يتعامل مع شخص لأول مرة لا يعرف طبيعته ولا يعرف كيفية التعامل معه بلا شك أنه يكون متوجسا مضطربا مترددا الى نحو ما، عنده شيء من عدم الاستقرار أو الاطمئنان بسبب أن الصورة ليست واضحة له بعكس ما أن لو كان الإنسان يعرف الدرب التي يسير فيها أو يعرف العمل الذي يريد تنفيذه أو يعرف الشخصية التي يريد أن يتعامل معها فعندئذ بلا شك بأنه سيكون مرتاح النفس لأن هذا الأمر أمر خبره وعنده خبرة فيه فتكون نفسه مستقرة وهكذا تجد في شؤون العبادات أيضا.

كذلك قد يعتاد الناس في أمر الصلاة والصوم لكن أمر الصلاة أكثر مع أنهم قد يقع كثير منهم في أخطاء فيه ولكنهم يصلون ويكتسب كل واحد منهم كل يوم خطأ ويعدلون، وهم مع الصوم أخوف لأنه عبادة السنة ولذلك يحتاجون شيئا من التفقه في أحكامه وتكثر أسئلتهم في نطاق شهر حيث تجد من كثرة أسئلة الناس في تلك العبادة ما يفوق ربما أسئلتهم في الصلاة لشهور عديدة لأنها العبادة ليست عبادة راتبة بشكل كبير وإنما هي عبادة سنة.

بل الحج تجد أن المسألة فيها أصعب عند الجاهل يكاد يبكي من شدة الفرق والهيبة والتخوف من عدم القدرة على أداء العبادة لأنه غير عارف بها ولا معتاد عليها ربما يأتي بها في العمر مرة أو يزيد بشكل اقل.

هذا حال الإنسان حينما يكون جاهلا بأداء هذه العبادة لكنه لو كان عالما بها فبلا شك فإنه سيكون مطمئنا فلا يكون معه ذلك الاضطراب وذلك التردد.

اذا فالعلم النافع يستطيع به الواحد منا أن يؤدي العبادة بشكل فيه قوة وراحة واستقرار، وبه يستطيع الإنسان أن يكون قويا أمام المغريات والفتن والتحديات والصعوبات يكون قويا أمام أهواء نفسه وكيد الشيطان لأنه استقرت نفسه بالعلم ووقرت خشية الله تعالى في قلبه واكتسب قوة فيما يتعلق بما عرفه من معتقد صحيح وما أدركه من قوة لله جل وعلا وقدرة عليه سبحانه وما عرفه كذلك علاج للشبه والشهوات التي تعترضه، هذا كله يكتسبه الإنسان بالعلم النافع، فلذلك تجد بأن العلم النافع من أعظم الأمور التي تعين على القوة في الدين.

ولذلك قيل بأن عالما واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد؛ لأن العالم قوي بعلمه قوي في الحجة والعلاقة بالله وفي ردع الفتن والشبهات وفي معرفة مكايد الشيطان وسبل دفعها، وقرين العلم النافع العمل الصالح، لأن العمل الصالح أيضا مما يكسب الإنسان قوة في دينه وهو من أعظم ما يقرب الى الله كلما بذلت عملا صالحا كنت لله تعالى أقرب وكلما اقترب الواحد منا من ربه جل وعلا نال أسباب القوة، ولك أن تتأمل في الحديث القدسي الذي يذكر الله تعالى لنا فيه هذه الحقيقة حينما يقول «وما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).

كيف تفهم قوله (كنت سمعه الذي يسمع به.... الى آخر ما قال سبحانه) كيف تفهمه ان لم تفهمه هو عين ذات القوة التي نتكلم عنها الآن، هي عين ذات القوة في الدين التي تتحقق لهذا الشخص بسبب قربه من الله وعبادته لله فيكون قويا أمام كل الفتن والمغريات صامدا فيما يتعلق بمكتسبات جوارحه يكون محفوظا ومسددا وموفقا من قبل الله في سمعه وبصره وعمله وسعيه مجاب الدعاء ويكون أيضا معاذا من قبل الله هذا كله يتحقق للإنسان بالعمل الصالح.

الصبر..

وينتقل فضيلته الى الأمر الثاني القاضي بـ (ضرورة الصبر)؛ لان الصبر قرين الظفر قرين النصر وان النصر مع الصبر وفي الحديث (من يتصبر يصبره الله) فإذا ما سلك الإنسان درب الصبر وصل الى القوة الإنسان يحتاج الى أن يصبر على أمور عديدة حتى يكون قويا في دينه يصبر على عبادة الله فعبادة الله تحتاج الى صبر إن تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة مع المسلمين هذه تحاج الى صبر أن تقوم لصلاة الفجر لتؤديها في جماعة هذه تحتاج الى صبر أن تصوم شهر رمضان في عز الصيف وشدة الحر هذه تحتاج الى صبر أن تخرج زكاة مالك فيما وجب عليك إخراجها فيه هذه تحتاج الى صبر كل هذه العبادات تحتاج الى صبر وإذا لم يصبر الإنسان لن يستطيع الثبات عليها.

وصبر عن معصية، فالإنسان ركبت فيه الشهوات والملذات والإرادات وهذه إن ألقى الإنسان لها الزمام وأرخى لها العنان أدخلته في كل مستنقع وخيم وأصبح الإنسان كالبهيمة التي تمشي على الأرض عبد شهواته - عياذا بالله - لكن لو ضبط هذه الشهوات والإرادات والمحاب النفسية بضوابط الشرع فإنه يكون في السلامة، يحقق ما هو محتاج إليه من قضاء شهواته ولكن وفق الحل، سواء ما يتعلق بشهوة البطن أو شهوة الفرج أو حب المال أو غير ذلك من الشهوات فهو محتاج الى أن يتدرع بالصبر عن المحرمات.

كذلك الصبر على المكاره التي تصيبه هذا نوع من الصبر الذي يحتاج الإنسان إليه أيضا وبه يحقق القوة حينما يصبر على المكاره التي تنزل به في نفسه أو ولده أو في أهله أو في ماله ابتلاءات ومحن وشدائد تعتريه تضعف من قوته وربما تضعف الكثير من المعنويات معها لكن حينما يتدرع الإنسان بالصبر يقوى ولذلك كلما محصت الإنسان الشدائد والأزمات والصعوبات كان أجلد وأصبر في أمر دينه وانتم ترون كيف كانت منزلة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الذين عاشوا وقت الأزمات والمحنة والشدة والصعوبة في مكة وصبروا واحتسبوا، لم ينجم نفاق في مكة لم يكن هنالك منافقون وإنما كان هنالك مؤمنون، ولا ينتسب الى الإيمان إلا مؤمن، وأولئك الذين عاشوا تلك المحنة وصبروا على تلك المكاره ووقفوا في تلك الشدائد والأزمات كانوا هم أصلب رجال الإسلام عودا وأعلاهم مرتبة وأجلدهم في الحرب وأقواهم في دين الله والسبب أن هذه المكاره محصتهم وقوته فالشدائد والأزمات تقوي الإنسان لكنها تحتاج الى الصبر، فالصبر لا بد أن يكون أمرا حاضرا في دنيا الشخص الذي يريد أن يكون قويا في دين الله بأنواعه التي ذكرناها.

البعد عن الذنوب

ويشير فضيلته الى الأمر الثالث (الحرص على البعد عن الذنوب) وقال إن صيانة النفس عن الذنوب والآثام هذا من أعظم ما يقوي الإنسان لأن الذنوب متلفة وهي من أعظم حالات الضعف التي توقع الإنسان في الوهن فيما يتعلق بأمر دينه وأمر دنياه.

ليس كالذنوب شيء يدمر الإيمان ويضعف اليقين ويشتت الهمة ويذبح العزيمة ويبعد الإنسان عن معالي الأمور ويجعله غارقا في السفاسف والمحقرات.

لا يكون قويا في دينه من ارتكب ما حرم الله واجترأ عليه سبحانه وإنما القوة في الدين إنما تكون بإشراق النفس الذي يحس الإنسان به حينما يكون على صلة بالله، لا يستشعر العاصي الذي يعصي الله في ظلمات الليل أو في وضح النهار بان له علاقة قوية تربطه بربه جل وعلا بل يشعر بأنه مجرم مذنب أفاك أثيم مجترئ غير مستأهل للطف الرباني ولا التأييد الإلهي غير مستحق للرحمة والعناية بل هو مستحق للعقوبة هكذا يعرف من نفسه فكيف يقوى أمر دينه كيف يكون قويا في التعاطي مع أحكام الدين وهو يعلم من نفسه انتهاك هذه الأحكام بلا شك أن نفسه تستطيب الضعف والوهن والعجز ويمضي في طريق الوهن والعجز والضعف لا يلوي على شيء، لا تتصور منه أن تتحقق فيه قوة في الدين.

القوة في الدين تتحقق حينما يستشعر الإنسان بأن مصطلح مع ربه جل وعلا، ولا يمكن أن يستشعر هذا الأمر إلا اذا كان فيه حرص على فعل ما يرضي الله والبعد عما يسخط الله.

فمن أراد أن يكون قويا في التعاطي مع أحكام الدين قويا في دينه فلا بد أن تكون هنالك قوة في الصبر عن المعاصي والبعد عنها والحرص على تخليص النفس منها.

البعد عن التردي والضعف

أما الأمر الرابع فيذكر فضيلته (ضرورة البعد عن الأسباب التي توصل الى التردي والضعف)، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) بعض الناس لا يحبون الترقي في علاقتهم بالله بل يطيب للواحد منهم أن يكون دائما متأخرا.

فتجد بأنه ليس فيه حرص على ما يرفع درجاته عند الله، مثلا كم من الناس من يقصر في المندوبات هو يظن انه لم يرتكب محرما، هو فعلا لم يرتكب محرما إذ قصر في أمر مندوب إليه، لكنه في الحقيقة زهد في أمر قوة يرفع قدره عند الله وابتعد عن أمر رفعة تعلي من شأنه عند ربه جل وعلا ثم لا يزال بعد ذلك يسمح لنفسه بالتأخر عن شيء تلو شيء تلو شيء الى أن يصل الى الضعف بعينه.

مثلا، أرأيتم لو أن رجلا كان محافظا على الصف الأول في صلاة الجماعة وهو في حال سعة ويسر ليس عنده شيء يدفعه الى التأخر ثم يقبل بعد ذلك أن يكون من المتأخرين فيصف في الصف الثاني لتأخره مثلا دون عذر ولم يحدث لمرة أو لمرتين لكنه يعتاد على هذا الأمر حتى أصبح سجية فيه هل تظن بأنه ستكون عنده غضاضة بعد ذلك من أن يصف في الصف الثالث أو الرابع، ثم بعد ذلك هل تكون عنده غضاضة بأن يكون مع المستدركين ثم بعد ذلك سيكون ممن يصلون الصلاة في الجماعة الثانية وهكذا كل يوم ستجده يتأخر.

أحد الناس مثلا كان غضيض البصر عن الحرام حريصا على ذلك لا يملي لنفسه في هذا الأمر، ثم يقبل بعد ذلك أن يتغاضى قليلا عن هذا الأمر هذا التغاضي سوف يجرّه الى تغاض أكبر ليكون مدمنا على الحرام.

وهكذا فيما يتعلق بارتكاب المكروهات أيضا هذا مما يؤخر تجد الإنسان متحفظا عن أمور مكروهة ثم يجترئ على تلك المكروهات فيرتكبها لأنه لا يعاقب على فعلها فتجد بأن ارتكاب تلك المكروهات ربما يوقعه في ارتكاب الحرام وهكذا يتأخر الإنسان بمحض إرادته وينزل نفسه في منزلة الضعف.

قد يكون الإنسان محافظا على اذكار الصباح والمساء فيتساهل فيها ويتركها ويهملها حتى يأتيه وقت لا يذكر، فكلما تساهل الإنسان في ترك مندوب أو فعل مكروه ازداد بعدا وتأخرا وكلما حرص على فعل ما يقربه الى الله ازداد قوة، كل شيء محسوب (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) فتضعف قوته بسبب هذا التأخر.

وقد يكون متعاملا مع الأحكام الشرعية تعاملا قويما ثم بعد ذلك يجنح الى الترخيص تخفيفا على نفسه بزعمه فيبحث عن أرخص الأقوال واتعسها وأبعدها عن الصواب لا لشيء فيزداد ضعفا فوق ضعفه وهو في كل يوم يزداد بعدا عن الله وضعفا في دينه حتى لا يبقى من دينه شيء وهكذا تموت الهمة في النفس وهكذا تضعف النفس والقوة وهكذا يتضعضع الإيمان في النفوس بسبب عدم الحرص على درء هذا التأخر.

والأصل في الإنسان أن يكون فيه حرص على الترقي واكتساب درجات الدرجات العالية عند الله سبحانه وتعالى هو يبني مستواه ومنزلته بنفسه ولذلك الحريص سيصل الى أسمى المنازل أما الواهن المتأخر فإنه سوف يتأخر.

الصحبة الصالحة

والأمر الخامس كما يذكر فضيلته (الصحبة من أسباب القوة في الدين) أن يصاحب الإنسان القوي في الدين لأن القوي في الدين تتقوى به حتى بمجرد النظر إليه وسماع كلامه انت تتقوى فكيف إذا ما صحبته وأما الواهن الضعيف في الدين فإنك تمرض نفسك بمجرد النظر إليه والسماع إليه فإن ذلك هو السقم الذي لا بُرْءَ له -عياذا بالله -، لذلك تجد ابتهال الأنبياء عليهم السلام وامتنان الله تعالى عليهم بإكرامهم بالصحبة المؤازرة فالله جل وعلا يذكر سؤال موسى عليه السلام أن يجعل له وزيرا معينا صاحبا له من أهله وهو هارون أخوه ليتقوى به في عبادة الله وفي تأدية المهمة وفي الصمود أمام الصعوبات والعقبات (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا) هذا سؤال ليقوى في أمر العبادة وفي تأدية المهام وليكون هذا الصاحب الوزير معينا له على هذه الأمور مجتمعة والله جل وعلا يذكر في شأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أمر الصحبة حينما ذكر قصة الهجرة وخلد ذكر صاحبه الصديق في ذلك المقام، مقام الشد من الأزر والتقوية والوقوف في الملمات والأزمات (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) هكذا تعمل الصحبة هي سبيل قوة لا بد أن يحرص الإنسان عليها فمن أراد ان يكون قويا في تعاطيها مع أمر الدين فليصحب القوي في ذلك ومن أراد أن يكون ضعيفا واهنا مهتزا في أمر دينه فصحبة الضعيف الواهن المهتز تحقق له ذلك.

الحرص على الدعاء

ويختم فضيلته محاضرته بذكر الأمر السادس (الدعاء) وهو كما يقول: أمر لا بد أن يحرص الإنسان أتم الحرص عليه فإن الإنسان ضعيف بنفسه مفتقر الى الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وكم سأل أنبياء الله ربهم غفران ذنوبهم وتثبيت قلوبهم والنصر على أعدائهم وكم رفعوا أكف الضراعة الى الله تعالى سائلين الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد الى غير ذلك من الأمور التي تحقق القوة لدى الإنسان.

فعلى الإنسان أن يعرف بأنه مفتقر الى الله، والدعاء من أعظم أسباب القوة، حينما ترفع اكف الضراعة لربك جل وعلا تسأله تثبيت نفسك على الخير تسأله أبعادها عن الشر تسأله حفظها من المزالق تسأله التوفيق بالصبر عن معصيته والصبر على طاعته تسأله التثبيت في الشدائد والملمات والأزمات تسأله صيانة دينك تسأله حفظ ديانتك تسأله السلامة من الإثم ما ظهر منها وما بطن، هذه أمور الإنسان مفتقر إليها فليس بحوله وطوله يصل الى ما أراد وإنما بتوفيق الله فلا ينسى الإنسان دائما أن يتقوى بسؤال ربه جل وعلا القوة كما يتقوى بسلوك كل وسيلة من الوسائل التي ذكرناها.