1298132
1298132
المنوعات

أدب الطفل في المناهج الدراسية للتعليم الأساسي بين يدي مهتمين بهذا اللون الأدبي

04 أبريل 2018
04 أبريل 2018

النص الأدبي يجب أن يكون قصيرا ليسهل حفظه وفهمه -

تحقيق - خلود الفزارية -

المرحلة التأسيسية للتلميذ، ومراحل دراسته الأولى، يمكن أن تجعله في المستقبل القريب إنسانا قارئا وكاتبا ومطلعا، وشخصا منفتحا مثقفا مقبلا على الحياة، أو ربما منطويا منزويا بعيدا عن الثقافة والعلم، ولإيجاد علاقة بين الطفل والقراءة، بل ولإيصال النصائح والرسائل الأخلاقية الهادفة لا بد من صياغة مادة محببة إلى نفسه قريبة إلى فهمه، مناسبة لعمره.

الطفل إلى عالم القراءة والكتابة والحفظ والاستنباط وغيرها من المهارات التي يستخلصها التلاميذ.

والتساؤل الذي قد يتراءى إلينا هو هل توظف المناهج أدب الطفل من خلال القصص المصورة والأناشيد والدروس الموجهة لهؤلاء الأطفال في عمرهم المبكر؟ وهل يلبي ذلك تعطشهم البريء للتعلم والاستكشاف؟ وكيف ينبغي أن نقدم أدب الطفل بصورة عصرية مع كل التقدم التقني والمعرفي لخدمة هؤلاء اللبنات التي ستشكل ثقافة المجتمع عما قريب؟

في التحقيق نتوقف مع تربويين وأدباء ومثقفين لنشر آرائهم وتقديم مقترحاتهم، وليس لتقييم هذه المناهج، وإنما لنستمع إلى وجهات نظر مختلفة.

 

تروي الدكتورة سعيدة خاطر تجربتها في نص يتم تدريسه لطلاب الصف الثاني الأساسي الذي يحمل عنوان «على ذرى شوامخ النخيل»، مشيرة إلى أن العديد من الأهالي يتصلون بها لإعجابهم بنصوصها التي يعرفها الأطفال ويحفظونها، موضحة أن بعض الأمهات ذكرن لها بأنهن يعانين من تحفيظ أبنائهن وخاصة للأطفال الذكور فالبنت سريعة الحفظ بعكس الولد الذي يكون بطبيعته كثير النشاط والتشتت، فيجدون بعض التعثر في حفظ هذا النشيد.

منوهة بأن ذلك يعزا لطول النص، فالطفل لا يقدر دائما أن يحفظ نصوصا طويلة، وفي هذا النص يجد الطفل صعوبة في حفظه؛ لأنه طويل وفي المنهج يطلب النص كاملا للحفظ، موضحة أنهم لو أخذوا منه ستة أبيات أو أربعة ستكون سهلة، ولكن قصيدة طويلة للصف الثاني الأساسي صعبة.

وتضيف: عندما أدخل المدارس تقول المعلمات للتلاميذ: جاءت الشاعرة التي كتبت هذا النص.. وعوضا عن مبادرتي بصباح الخير يرددون النشيد، لذلك ينبغي أن نعي بأن الطفل حافظته وذاكرته كبيرة، وأنا مع إعطاء الطفل نصوصا باللغة الفصحى محتوية على الخيال، لتكون حافظة للطفل وحصيلة لغوية للمستقبل، ويجب أن تراعى المرحلة العمرية للطفل، وألا تقدم القصيدة كاملة وإنما جزء منها، واستذكرت قصيدة الخريف لسليمان العيسى:

ورقات تطفر في الدرب

والغيمة شقراء الهدب

والريح أناشيد

والنهر تجاعيد

يا غيمة يا أم المطر

الأرض اشتاقت فانهمري

والفصل خريف

عدنا عدنا بدفاترنا

بأغانينا وأناشدنا

البسمة في شفتي

ما أحلى مدرستي

والفصل خريف

وتشير إلى أن القصيدة مكملة لنفسها، وكانت تدرس سابقا وهي موجهة لتلك الفئة العمرية، ولكن إذا أخذ الطفل 20 بيتا، ربما يوجد أطفال قد يحفظون ولكن هناك أطفال لا يستطيعون.

لغة سهلة

ويقول الدكتور سعيد الزبيدي: إن أدب الطفل موضوع جديد في الأدب العربي، وقد تبنته جامعات كثيرة في الدول العربية إلا أنه لم يخصص مقرر معين لأدب الطفل لدينا، بل اعتمد على توجيه أساتذة الأدب الحديث إلى أن أدب الطفل ينبغي أن يأخذ منا اهتماما كبيرا في دائرة البحث والاطلاع ومعرفة الوسائل التي نستطيع أن نصل بها إلى الطفل من خلال الأدب شعرا كان أم نثرا، ومن هنا تتجلى هذه الأهمية، مبينا أن هناك مسائل واسعة في أدب الطفل فضلا عن أدب المرأة وأدب الطبيعة وغيرها مما تدخل كعناوين في مسار الأدب الحديث وهذا يتولى جله أستاذ المقرر في بيان ما استجد في هذا الجانب لمعرفة تفصيلات هذه القضية ويوجه طلبة الدراسات العليا على وجه الخصوص إلى تبني مشروع ومسائل معينة في أدب الطفل.

وعن أدب الطفل وخدمته للناشئة يقول: الأدب عامة يخدم الطفل، وأدب الطفل بشكل خاص، مما له من خصوصية في حسن التأتي؛ لأننا أحيانا عندما نكتب نصا للأطفال قد نتقمص شخصية الطفل أو نعكس شخصيتنا في أدب الطفل وهذا فيه خطورة كبيرة جدا؛ لأننا ينبغي أن نبني سمات الأدب الذي نقدمه إلى الطفل بلغة مأنوسة سهلة تنتزع من محيط الطفل نفسه وهذا يتطلب مهارة كبيرة في صياغة قصيدة أو صياغة مقالة أو قصة، مشيرا إلى أن أغلب النتاج القديم الذي قدم إلى الطفل تلبس بلبوس الحيوانات، فالحيوان أقرب إلى عالم الطفل لما فيه، سواء كان حيوانا أليفا أم حيوانا وحشيا، ويلعب الحيوان مساحة كبيرة في أدب الطفل، إلا أن هذه المرحلة في هذا العصر قد تجاوزها الكتّاب وإن بقيت في كثير من نتاجهم إلا أنها لم تأخذ ذلك الحيز الذي أخذته سابقا، وينبغي أن تكون اللغة موجهة للطفل، وبذلك لا يمكن أن نقول إن كتاب كليلة ودمنة هو من أدب الأطفال.

تجديد المحتوى

من جانبها، تشير أزهار أحمد إلى القصص المقررة في المناهج الدراسية العمانية، حيث ترى أن هناك محاولات جادة لإثراء المناهج التعليمية بأدب الطفل وخاصة في كتب الحلقة الثانية، التي توظف أدب الطفل لكنها بحاجة إلى تجديد من حيث المحتوى، فالقصص المصورة تأخذ الطابع التقليدي من حيث الصورة والنص، والصورة تفتقد للابتكار في الرسومات والألوان، كما أن النص كثيرا ما يكون موجها بلغة أكاديمية مباشرة، وهذا لا يخدم الحصيلة الأدبية للطفل في مراحله الأولى التي تعد من أهم المراحل، موضحة أن الصورة يجب أن تواكب الإبداع الحالي، وتساهم في تطوير مخيلة الطفل، وليس مجرد صورة تعبر عن القصة وإلا فما الفائدة منها، كما أن النصوص بحاحة للخيال واستخدام قاموس لغوي جديد يكون أكثر تشويقا ومثريا باستخدام التراكيب اللغوية والتعبيرية، ومن هنا ينمو مخزون الطفل اللغوي والخيالي.

وتضيف: يجب أن يكون هناك استخدام أفضل لحافظة الطالب اللغوية حتى يستفيد مما يقرأه ويحفظه، فالحفظ دون فهم لا معنى له، وأفضل تدريب على ذلك هو تعويد الطفل على الكتابة، وأن يكون لحصص التعبير الأدبي بكافة أشكاله اهتماما أكبر، فمن هذا المنطلق ستتطور الملكة الإبداعية عند الطالب، كما أن الاهتمام بالقراءة وتنويع الكتب ستساهم كثيرا في إثراء الطالب من الناحية الأدبية، ويمكن أن تتماشى المناهج مع خصائص الأدب الموجه للطفل باستخدام نصوص أكثر تشويقا وحيوية، على أن تكون مواكبة للوقت الحالي.

نماذج قابلة للتطبيق

وعن أثر أدب الطفل في المناهج الموجهة لطلاب المدارس يشير عبدالله الناصري إلى أن الأثر من عدمه فلا يتم قياسه إلا بالنتيجة، ولكن كمشاهد ومتلقٍ، لا أرى الأثر المرجو، فالطفل يبعد بمسافات عن الواقع، ولم يعد يستمد كلمته وواقعه إلا من الشاشة، فالأدب في مجمله محصلة عمل جماعي، ولا يكفي أن تقدمه المدرسة، ويغيب من المنزل، مبينًا أن القصص المصورة المقررة في مناهج الصفوف الأولى تفيد التلقي لدى التلميذ.

ويوضح أن الصور هي أقرب إلى ذهن الطفل، وتحاكي خياله وإدراكه أكثر من أي شيء لأنها الأقرب إلى فهمه، ولأنها قابلة للتأويل بأكثر من معنى، كما أن الصورة يجب أن تكون فاتحة لخيال الطالب، ولا تقف عند حدود معينة، بل يجب أن تكون مثيرة للتساؤل، وباعثة للتشويق، ومحفزة للحديث.

ويضيف أن الأناشيد التي تدرس في المناهج قد تثري الحس الأدبي للطفل، لكن ذلك سريع الضمور، نظرًا لتأخر اللغة العربية في مواكبة العصر، حتى أنها لم تصبح إلا لغة عبادة وليس لغة علم وتقدم وتطور، لذلك لا بد من صياغة الكتب التربوية للمراحل الدراسية الأولية لتتماشى مع خصائص الأدب الموجه للطفل، وهذا لم يعد صعبا؛ لأن هنالك نماذج عالمية جاهزة وقابلة للتطبيق في أي مكان وزمان، فلا داعي لاختراع العجفة من جديد.

وسيلة تعليمية

ويرى الشيخ الدكتور حمد بن سالم بن مرهون المعمري أن أدب الطفل هو وسيلة لإيصال الفكرة إلى التلميذ، ولكن عملية التعلم لا تقتصر على القصة أو الصورة، وإنما يلعب فيها أكثر من مصدر ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: وعي الأسرة، ومدى ثقافتها، فضلا عن مستوى التعليم لدى الوالدين والأسرة بصفة عامة، كما أن الوسط الاجتماعي الذي ينشأ به الطفل أو البيئة المحيطة تؤثر تأثيرًا مباشرًا على ثقافة الطفل، مشيرًا إلى أن أهم وسيلة في الوقت الراهن لتعليم الطفل هي وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة والخطيرة في الوقت نفسه، فالأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر بالإضافة إلى القدرة المالية لدى الأسرة من حيث توفير الألعاب والسفر والترحال وغيرها جميعها تساهم في ذلك، مشيرًا إلى أهمية البيئة المحيطة، حيث إن إحدى أهم المدارس في علم الإجرام ركزت على البيئة التي يعيش فيها الإنسان، وهناك مقولة لأحد المفكرين: أعطني عشرة أطفال أصنع منهم المحامي والطبيب والمهندس والمجرم على عكس مدرسة الصديق (لامبروزو) الذي عمل طبيبا في الجيش الإيطالي والذي أسس لعلم الأجرام، حينما ألف كتابه الشهير في عام ١٩٠٩ وسماه (الرجل المجرم) -وبالمناسبة فإن تقسيمات أنواع المجرمين موجودة حتى الآن في مراكز الشرطة- وتقوم مدرسة المذكور على فكرة الوراثة أو السلالة وأن المجرم يولد مجرما من خلال الجينات، كما تم نشر الخريطة الجينية للإنسان قبل سنوات نشرت، وكان بها العجب العجاب. منوها أنه في عصرنا الحالي تقع على عاتق الوالدين أو الأسرة مسؤولية مضاعفة نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي وقلة وجود القدوة وانشغال المربي بأمور الحياة الكثيرة والمتعددة، ولا بد من جرعة مركزة جدا في هذا الزمان، وخاصة للأطفال لكي نحصنهم من مشاكل العصر التي لا حصر لها إطلاقا، ويا حبذا لو نقوم بتوجيه هؤلاء الأطفال إلى تعلم الموسيقى والفنون الأخرى كالرسم وتنمية الوازع الديني والأخلاقي والقيمي والوطني، حتى يكون هناك مجتمع محصن من التطرّف والعنف والجريمة.

تصميم المناهج

فيما ترى الدكتورة عزيزة الطائية أننا بحاجة ماسَّة إلى تقييم مسار العملية التربوية بأكملها، وبلورة الرؤى الجديدة التي أثّر وتأثر بها على مخرجات التعليم بعد حوالي عشرين عاما من تبني السلطنة للتعليم الأساسي، مشيرة إلى أن الحديث عن منظر أدب الطفل من خلال تحققه في المناهج التعليمية، يعود لتصميم مناهج الحلقة الأولى والثانية على السواء، فهي من أهم المرتكزات الحيوية التي تميز دولة عن أخرى، والوسيلة الناجعة لبناء الإنسان في الصرح الوطني وتطويره في سبيل بلورة الرؤية الثاقبة التي تقود دولة ما إلى مصاف التواصل مع متطلبات الحياة من جهة، ومرتكزات المجتمع من جهة ثانية، والانفتاح على العالم الخارجي من جهة أخرى. وتضيف: إن الراصد العلمي لأدب الطفل في مناهجنا التعليمية يجده الأدب الحاضر الغائب عن المناهج الدراسية، فأسس أدب الطفل في وادٍ وتصميم المناهج في وادٍ آخر، فعند تصميم المناهج نراها لا تركز على الجماليات الأدبية المنشودة لإثراء حصيلة الطّفل اللغوية والمعرفية، كما إنها تخلو من تنمية الحس الجمالي والتذوقي، والأشد خلو أساليب التدريس، والأنشطة الصفية وغير الصفية من دعم الطفل نفسيًا وجسمانيا وعقليا. فتغدو المناهج هدفها إيصال المادة العلمية، وتعميق أسلوب الحفظ والتلقين عند إيصال المعلومة وإكسابها للطفل. وأرى أننا بحاجة إلى أن نفهم بشكل كبير أدب الأطفال وأسسه وأهدافه وفوائده التربوية، كما أن تقديمَ المواد العلمية وتحقيقَ الأهداف التربوية والعقلية والتثقيفية والنفسية والاجتماعية، من خلال أدب الطفل، هي هدف عملي صائب، ولكنها ليست هدفا أساسيا للأدب بل تعتبر هدفا ثانويا، والأهداف الأساسية لا الثانوية هي التي يجب أن تمثل المكانة الأولى وتنال العناية الكبرى عند المؤلفين والتربويين من واضعي المنهاج. إضافة إلى إدراك أنّ أدب الطفل ليس كتابا مدرسيا في العلوم، ولا ملحقا للجغرافيا، وليس مقدمة لأوليات التاريخ، ولا هو بديل لألفية ابن مالك في النحو، بالطبع ليس الأدب شيئا من ذلك، لأنه بالأساس عمل فني، ووظيفته الرئيسة يجب أن يُبحث عنها في محيطِ استعمالاتِ الفنون، ويلزم أيضا أن نوضِّح أن أدب الطفل ليس لمجرد عرض الأخبار، ولكنه غالبا ما ينقل المعرفة للصغار، وليس لمجرد التّسلية وقتل الوقت، ولكنه أيضا يقدم إلى قرائه أو سامعيه تجارب البشرية بأسلوب محفز شائق. وتوضح أن أدب الطفل ليس مجرد زيادة في الثروة اللغوية، ولكنه وسيلة تنمي في الطفل الإحساس بجمال هذه الكلمة وقوة تأثيرها، وهو ليس مجرد تقديم أجناس أدبية يعبر بها هذا الكائن الصغير عن نفسه، ولكنه فوق ذلك يمكنه من فهم التطور البشري بطريقة أفضل من خلال تلك الأجناس الأدبية كقصة، أو مسرحية، أو نشيد، أو طرفة، وغيرها من أجناس الأدب التي تصل شخصيته، وتقوده إلى عوالم الخيال والابتكار والإبداع. كما أن أدب الطفل ليس مجرد صورة للتوضيح أو رسمة للاستنارة، ولكنه زيادة على ذلك به يكتشف الطفل سر الجمال والحقيقة ليعبر الطفل به عن نفسه من خلال ذاته التي هي جزء من ذوات الآخرين فيحلق في عوالم الخيال والإبداع الذي يقوده إلى الابتكار، وهكذا يمكِّن أدب الطفل الطفل نفسه من أن يقبل الحياة كما هي، وأن يعيشها إلى أبعد أعماقها.