أفكار وآراء

الساحة الأمريكية مفتوحة للعرب.. لكن كيف يدخلون ؟!

03 أبريل 2018
03 أبريل 2018

عاطف الغمري -

تتضح الأهمية القصوى لدخول العرب إلى ساحة الرأي العام الأمريكي، بتخطيط منسق ومنظم، من جانب عدد من الدول العربية، وفق حقيقة يقر بها الأمريكيون أنفسهم، بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا تعبر عنهم دائما بالضرورة، وأنها في غالب الأحيان خاضعة لحسابات جماعات المصالح وقوى الضغط، التي يرتبط بعضها بحكومات أجنبية، وهو أمر واضح بالنسبة لدولة إسرائيل، وهي حقيقة جاءت كنتيجة لاستطلاع رأي الأمريكيين.

يعبر عن هذه الحقيقة الكاتب والمؤلف إريك والترمان في كتابه «من يتكلم باسم أمريكا»، بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أصبحت رهينة في يد جماعات المصالح التي تستغل جهل الرأي العام بالشؤون العالمية، لتخضع إدارة سياسات البلاد لما يخدم مصالحها.

ومن بين استطلاعات الرأي العام التي اتفقت مع هذا الاتجاه، ما جرى من إشراك الرأي العام في ندوة لـ«المركز الأمريكي للسلوكيات السياسية»، عرضت بطريقة علمية خضوع صناعة السياسة الخارجية لجماعات الضغط والمصالح الخاصة، وفي إطار مناقشات مع النخبة المختصة بالسياسة الخارجية، والتي تمخضت عن دراسة، تقول إن هناك تآكلا كبيرا في اعتقاد الأمريكيين بأن حكومتهم تستمع إليهم، أو تتصرف بما يتفق مع مصالحهم، وإن غالبية الرأي العام يشعرون بأن دورهم جرى تهميشه، وهو اتجاه تزايد على مدى الثلاثين عاما الأخيرة.

واستشهد المركز بدراسة سبق أن أجرتها جامعة نبرسكا الأمريكية، وجاء فيها أن 86% من الأمريكيين يتفقون على أن الكونجرس خاضع إلى حد كبير لنفوذ جماعات المصالح وقوى الضغط، عندما يصوت على القرارات السياسية. في حين أن الذين اتفقوا على أن الكونجرس يؤدي عمله لصالح الأمريكيين عامة كانت نسبتهم 30% فقط.

بينما جاءت وجهة نظر صناع القرار من النخبة معارضة لذلك، في استطلاع أجرته جامعة جورج واشنطن الأمريكية، وجاء فيه أن 71% منهم اتفقوا على أن الرأي العام قصير النظر، وعاطفي، بما لا يسمح بأن يكون موجها بشكل صحيح للسياسة الخارجية.

هذه النتائج لم يتوقف رد الفعل إزاءها عند حدود الاستنكار الشعبي، بل سرى إلى مواقف عدد من أبرز الشخصيات السياسية منهم جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأب، وجيمس شليزينجر وزير الدفاع في إدارة نيكسون، وغيرهم، وهم الذين تساءلوا في نبرة انتقادية عما إذا كانت دولة عظمى كأمريكا ستظل فاقدة للرؤية الاستراتيجية، مجردة من سياسة خارجية حكيمة في منطقة تحوي مصالح هائلة للولايات المتحدة كالشرق الأوسط.

في قلب هذه الساحة الأمريكية التي يعد فيها الرأي العام، أحد الشركاء في التأثير على صناعة قرار السياسة الخارجية، لو جرت إحاطته علما وبشكل موضوعي بحقيقة النزاع في الشرق الأوسط، وهو ما لا يحدث، يصبح واجبًا على الجانب العربي اقتحام الساحة الأمريكية، مجهزًا بوسائل تمكنه من إحداث التوازن، بالنسبة لما يتلقاه الرأي العام الأمريكي من معلومات، وهناك مداخل عديدة لاستعداد الرأي العام الأمريكي للاستماع إلى من يريد الوصول إليه، فالساحة ليست موصدة الأبواب، لكن القضية هي من يريد فعلا الدخول إليها؟!

وإذا علمنا أن إسرائيل لا تكتفي بالدور الضخم للقوى اليهودية الأمريكية سياسيًا وإعلاميًا، بل إنها تنظم سنويا حملة علاقات عامة، تبعث فيها بوفود من خبراء إسرائيليين، يزورون مقار الصحف ويجرون حوارات مع محرريها، بالإضافة إلى مشاركة مستمرة لإسرائيليين في ندوات بمراكز البحوث، والتي تنقلها وسائل الإعلام.. فما الذي ينقص الجانب العربي لكي تكون له مثل هذه الأنشطة؟.

وهناك منظمات يهودية رافضة لسياسات نتانياهو، ومؤيدة لحل الدولتين، وحقوق الفلسطينيين، ليس من باب العداء لإسرائيل، بل خوفا على الإسرائيليين ومصيرهم، من كارثة تحيق بهم مستقبلا نتيجة تطرف سياسات نتانياهو، منها «حركة إسرائيل بوليسي فوريم»، و«أمريكيون من أجل السلام الآن»، ثم مؤخرًا «حركة جى ستريت». فما الذي يمنع من إيجاد تواصل مع هذه الحركات؟.

وهناك أيضا «المجلس القومى للكنائس المسيحية الأمريكية » الذي يضم أكثر من عشرين كنيسة، لها فروع في أنحاء الولايات المتحدة، وهي نشطة في إعلان رفضها لسياسات حكومة إسرائيل، فهل جرى إقامة جسور اتصال معها، ولو على الأقل بتزويدها بمواد مطبوعة، عن حقيقة الوضع في المنطقة.

ثم ما الذي يحول دون تكاتف عربي منسق لإنشاء مركز بحوث عربي Think Tank في الولايات المتحدة، ويتم اختيار عناصره من دول عربية مختلفة، يدير مناقشات وحوارات مع شخصيات أمريكية، ويدعى لحضورها مسؤولون ورجال صحافة وإعلام مثلما تفعل مثل هذه المراكز في أمريكا.

الساحة الأمريكية مفتوحة لمن لديه إرادة الحركة والفعل، لكن ذلك لا يتم فرادى، أو بطرق عشوائية، بل يحتاج خطة متفقا عليها، بناء على دراسات مشتركة عربيا، ثم يبدأ التنفيذ.. فمتى يبدأ ذلك؟.. وهل يبدأ فعلا؟!.