أفكار وآراء

البيت الأبيض والحرب الإعلامية !

03 أبريل 2018
03 أبريل 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ تنحي الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون بسبب تداعيات قضية ووترجيت والتي كشفها الصحفي بوب وودورد وزميله في صحيفة الواشنطن بوست في عقد السبعينات من القرن الماضي والمشهد يكاد يتكرر من خلال القضية الساخنة والتي تدور حولها الحرب الإعلامية بين الرئيس الحالي دونالد ترامب والصحافة والاعلام الامريكي.

وبعد تفجر موضوع التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتواصل التحقيقات من قبل المحقق مولر والتجاذبات بين البيت الأبيض والإعلام الأمريكي، تتواصل من خلال الاتهامات المتبادلة بين الرئيس ترامب بشكل مباشر والصحف والقنوات الإخبارية الأمريكية خاصة قناة السي ان ان.

مأزق الإعلام الأمريكي

الماكينة الإعلامية الأمريكية تعد طاغية في المشهد السياسي في واشنطن ومن خلال تلك الماكينة يتجنب الرؤساء الأمريكيون الدخول معها في نقاشات حادة ، وبدلا من ذلك يتم فتح قنوات اتصال وتزويدهم بإخبار حصرية، ومن هنا كان الرؤساء في البيت الأبيض وفي معظم فترات الرئاسة الأمريكية يحظون بتغطية صحفية وإعلامية منصفة إلى حد كبير. والسؤال الآن ما الذي تغير إذا ما تم استثناء قضية الرئيس السابق بيل كلينتون حول قضية المتدربة في البيت الأبيض «لوينسكي».

واضح من خلال العام الأول لرئاسة دونالد ترامب ان الرجل دخل في مواجهة محمومة مع الإعلام والصحافة الأمريكية ولعل اكثر تصريحاته اثارة هو وصفه لصحيفة الواشنطن بوست وهي الصحيفة الأشهر في الولايات المتحدة الى جانب صحيفة نيويورك تايمز بأنها صحيفة فاشلة، مما جعل ردود الفعل من قبل الصحافة الامريكية سلبيا تجاه ذلك التعبير غير المحسوب من رئيس الولايات المتحدة الامريكية.

كما كان للرئيس ترامب هجوم على قناة السي ان ان الشهيرة واتهامها بالانحياز وعدم المصداقية علاوة على الاتهامات المتواصلة بين الصحافة والبيت الأبيض، مما جعل ظاهرة العداء تبدو واضحة ومتعمقه بين البيت الأبيض ممثلا في مواقف الرئيس ترامب وأباطرة الإعلام والصحافة الأمريكية ذات النفوذ الواسع في الحياة السياسية في واشنطن.

التحقيقات من قبل المحقق مولر حول موضوع التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشعبت ووصلت إلى الدوائر المقربة من الرئيس ترامب خاصة صهره ومستشاره الخاص كوشنر، علاوة على شخصيات أخرى كان لها دور في حملته الانتخابية ولا شك أن هذا المشهد يغري الإعلام الأمريكي بالمتابعة على مدار الساعة من خلال التحليل واستضافة الخبراء وهذا الأمر يعد مألوفا في بلد مفتوح كالولايات المتحدة.

ويبدو لي أن الرئيس الأمريكي ترامب قد وقع في مأزق الصحافة والإعلام الأمريكي وهي مواجهة سوف تشتد مع تواصل خطوات التحقيق وتعمقها مما ينبئ بان المواجهة سوف تتواصل في ظل اندفاع الرئيس ترامب من خلال تغريداته المثيرة للجدل . ولقد شاهد العالم كيف أن الرئيس ترامب عزل وزير خارجيته تيلرسون من خلال تغريدة الديبلوماسي الأمريكي الأول يقوم بجولة في القارة الافريقية مما أحدث ضجة كبيرة وحوارا كبيرا في أروقة الدوائر الامريكية ووسائل الاعلام الامريكيةوالتي وجدت في ذلك القرار المفاجئ مادة دسمة للتعليق والتحليل حول قرارات الرئيس الأمريكي، وهل تلبي مصالح الولايات المتحدة ومن هنا سيجد الرئيس ترامب نفسه في مأزق حقيقي اذا لم يخفف من تلك المواجهة ويقوم ببعض الخطوات التي تقلل من تلك المواجهة الصعبة.

السيناريو المتوقع

على ضوء الاشكالات التي يعيشها الرئيس الأمريكي ومنها التخلص من مسؤولي البيت الأبيض وآخرهم مستشار الرئيس للامن القومي وتعيين بولتون المندوب الامريكي السابق في الامم المتحدة مكانه، وكان قد اقال سابقا الجنرال فلين مستشار الأمن القومي السابق، علاوة على عدد من المستشارين وكبار موظفي البيت الابيض مما جعل الصحافة الامريكية تصف ذلك بالخطوات السلبية التي لا تعطي الادارة الامريكية الاستقرار .

ولا شك أن هذه التغييرات المتواصلة في مسؤولي البيت الابيض يعطي مادة اخرى للاعلام الامريكي من خلال ساعات طويلة من البث الحي المباشر والتعليقات الساخرة، علاوة على تحليلات الصحف الكبرى الامريكية كالواشنطن بوست ونيويورك تايمز ولوس انجلوس تايمز، وهذا بلا شك يضع مؤسسة الرئاسة في حرج كبير مما يؤثر على سير الاستراتيجيات وحتى السياسة الخارجية للولايات المتحدة .

السيناريو المتوقع وعلى ضوء قياسات الرأي العام ان تتواصل المواجهة بين الطرفين الرئيس ترامب والاعلام الامريكي خاصة اذا ما تواصلت تحقيقات مولر ووصلت الى مستويات متقدمة وعميقة، كما أن الذي يرجح استمرار المواجهة هو التصرفات غير المتوقعة ، وهذا يعني أن الاعلام الامريكي سوف يجد امامه معلومات جديده تجعله يواصل التغطية واحيانا تحليلات قاسية على ضوء الخصومات بين أطراف عدة وأحيانا تدخل فيها التوجهات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهو سجال سياسي وإعلامي مفتوح وتقليدي ومشروع في واشنطن

الإعلام الأمريكي إعلام صاخب ومتوحش إلى حد كبير في نقله للأحداث في ظل المستوي المتقدم للحريات وتعدد مصادر المعلومات والتسريبات من الشخصيات ومن هنا فان الرئيس الامريكي سيجد نفسه في اشكال حقيقي

السيناريو الآخر هو ايجاد تهدئة من نوع ما مع الاعلام الامريكي من خلال النصائح من مستشار الأمن القومي الجديد بولتون والذي عاصر الامم المتحدة، ويدرك أهمية المساومات السياسية وهنا فقط قد يتراجع الرئيس عن تصريحاته الحادة تجاه الصحافة والاعلام الامريكي خاصة وان الرئيس ترامب يشعر بأنه مستهدف منذ دخوله البيت الابيض وهو أمر قد يكون مبالغ فيه .

القصص المثيرة في واشنطن خاصة اذا تعلق الامر بقضايا الامن القومي أو السياسة الخارجية او قضية محورية تهم الرأي العام فانه من الطبيعي ان يكون هناك تركيز اعلامي مكثف وربما شعر الرئيس ترامب ومن خلال تلك الحملة المكثفة بأن الاعلام الامريكي يستهدفه، وبالتالي دخل في تلك المواجهة غير الموضوعية، وسوف يكون البيت الابيض هو الخاسر الأكبر في مواجهة الماكينة الاعلامية الشرسة.

ورغم أن التوصل إلى نتائج حول تحقيقات مولر وانها قد تقترب من التأثير على الرئيس نفسه ، على ضوء ماحدث للرئيس نيكسون فان الموضوع لا يزال في مراحله الاولى، وقد ينتهي هذا التحقيق في مراحل قادمة ، وقد يتعمق اذا ما توصل مولر إلى أدلة مهمة في إطار تحقيقاته، حول مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.

هل تتكرر ووترجيت ؟!

هناك استبعاد واضح ان تتطور التحقيقات الحالية لتصل الى مدى يفضي الى تكرار سيناريو ووترجيت ، ولا شك ان التحدي الاكبر الذي سيواجهه الرئيس ترامب هو الانتخابات النصفية للكونجرس وهناك تخوف من ان يفوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب وهناك قد تأخذ قضية التحقيقات منحى معقدا .

لكن اذا حافظ الحزب الجمهوري على الاغلبية في مجلس النواب على الاقل فان وصول الامر الى مسألة ازاحة الرئيس من منصبه ستكون صعبة للغاية ومع ذلك فان الضغط الاعلامي ومن مجموعات الضغط ، ومن الوضع الاقتصادي، في المرحلة القادمة قد يشكل السيناريو الذي يتجه بالتحقيقات الى وجهة ما وهي الامر باغلاق التحقيقات لعدم ظهور ادلة قوية مع استهلاك الوقت أو تحدث مفاجآت لم تكن في الحسبان، وتبدأ فصول مثيرة من السجال السياسي والاعلامي الملتهب في واشنطن.

ان الامر سوف يتوقف على نتائج الانتخابات النصفية للكونجرس إلى حد كبير، ومن هنا فان الترقب يدور حول تلك الانتخابات اولا وثانيا حول المواجهة بين البيت الابيض ووسائل الاعلام الامريكية، لأن استمرار تلك المواجهة سوف يعود بالضرر الكبير على مؤسسة الرئاسة وتجعلها في مواجهة قاسية مع الرئيس ترامب مما يجعل المناخ السياسي الامريكي يعيش مرحلة مضطربة وغير مستقرة ، خاصة اذا تم الاستغناء عن المزيد من كبار موظفي البيت الابيض، وربما وزارة الدفاع من خلال التسريبات والتحليلات.

وفي المحصلة النهائية فان المواجهة بين الرئيس ترامب والصحافة والاعلام الامريكي هي مسألة تخطت التوقعات، واذا كانت تلك المواجهة حدثت اثناء الحروب والقضايا الكبري كقضية ووترجيت فان ظهورها مجددا يعود الى شخصية جدلية دخلت الى البيت الابيض، وهي من خارج المؤسسة السياسية الامريكية التقليدية، وهذا بلا شك سوف يضيف الى المشهد في واشنطن الكثير من الاثارة والخطوات غير المتوقعة، وهذا ما يبحث عنه الاعلام الامريكي دوما.