الملف السياسي

الانتخابات والتعددية السياسية العربية

02 أبريل 2018
02 أبريل 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

انتهت الانتخابات الرئاسية المصرية قبل أيام قليلة بفوز الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بفتره ثانية وأخيرة لمدة أربع سنوات، كما ينص علي ذلك الدستور المصري، ولا شك أن هذا الفوز كان متوقعا علي صعيد الرأي العام المصري ودوائر صنع القرار.

ولا شك أن فوز الرئيس السيسي في مصر يأتي في توقيت حساس حيث موجة الإرهاب لا تزال موجودة، كما أن مصر تحتاج إلى مزيد من الدفع في مجال الإصلاح الاقتصادي والإداري وإكمال المشاريع التنموية، ومن هنا جاء تصويت أكثر من 96 في المائة من الناخبين لصالح استكمال الخطط الاقتصادية والاجتماعية رغم أن هناك تحديات حقيقية تواجه الرئيس المصري من خلال تراكمات سنوات طويلة من البيروقراطية والتقلبات الاقتصادية والسياسية، ولعل من أهم الظواهر في الانتخابات المصرية هو غياب الأحزاب التقليدية، وحتي الأحزاب التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

الدور المصري المحوري

بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المصرية التي حظيت بتغطية إعلامية مصرية وإقليمية ودولية فإن النقطة الأساسية تتمثل في عودة الدور المصري المحوري في العالم العربي، حيث إن الأوضاع العربية هي في أدنى مستوياتها من الخلافات العربية-العربية والوضع المتدهور في فلسطين وعدد من المشكلات، ومن هنا فإن الدور المصري يعد صمام الأمان، ومن ثم فإن نتائج الانتخابات الرئاسية التي سارت بشكل هادئ ليست هي الأساس في مجال مستقبل مصر بقدر ما تبقي نتائج تلك الانتخابات أن الشعب المصري ومعه الشعوب العربية تنتظر النقلة السياسية للدور المصري خلال المرحلة الحالية والقادمة.

فالقمة العربية في الرياض علي الأبواب، كما أن هناك انتخابات قادمة في عدد من الدول العربية وفي مقدمتها العراق، وهناك مشكل بين القوي السياسية العراقية حول آليات تلك الانتخابات، وهناك الوضع الصعب في اليمن وأهمية إيجاد تسوية سياسية تجنب اليمن الشقيق المزيد من الدمار وتدهور الوضع الإنساني للشعب اليمني، وهناك الوضع المتردي في سوريا وليبيا، وأخيرا هناك الأزمة الخليجية التي استغلت ماليا من قبل الغرب والولايات المتحدة، ومن هنا فإن نتائج الانتخابات في مصر والانتخابات المنتظرة في العراق لابد أن تنطلق نحو وفاق عربي-عربي في ظل التشرذم الذي تعيشه الأمة العربية منذ انطلاق ثورات الربيع العربي التي استغلت وانحرفت عن أهدافها الحقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية وبقية الأهداف النبيلة التي قامت من أجلها، ومن هنا فإن الحديث عن الدور المصري المحوري بعد الانتخابات الرئاسية يعد على قدر كبير من الأهمية. فإذا غاب الدور المصري أو انكمش داخليا فإن الوضع العربي سوف يكون في وضع حرج كما هو الآن، ويبقى الأمن القومي العربي في حالة معقدة وخطيرة.

الانتخابات والقوى المجتمعية

الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية هي مرحلة في إطار أي مجتمع حديث من خلال البرنامج الانتخابي، ولكن الدور في نهاية المطاف يقع علي القوي الفاعلة في المجتمع كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وطبعا الحكومة ورئيس الدولة وهذا يعني أن الحراك المجتمعي لابد أن يكون حاضرا، حتى يحدث التغيير الإيجابي في الدولة، فمصر الشقيقة تحتاج إلى كل الجهود الرسمية والمجتمعية والقطاع الخاص لإيجاد نقلة نوعية حتى تنطلق مصر بشكل أقوى، حيث إن الدور المصري المحوري ينطلق من بديهيات من أهمها الاستقرار الأمني والسياسي والانتعاش الاقتصادي.

تلك البديهيات الداخلية هي التي تسمح لأي رئيس منتخب وحكومة وآليات مجتمعية بالانطلاق نحو الدور المحوري العربي والإقليمي والدولي، ومن هنا فإن مصر خلال السنوات الأربع لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي هي مرحلة في غاية الأهمية خاصة أن مصر دولة لها ثقلها السياسي والعسكري والسكاني الأهم في منطقة الشرق الأوسط.

الدول المتقدمة في الغرب تعتمد على القوى المجتمعية وعلى المؤسسات المدنية وعلى إعلام ناقد، وهذا ما تحتاجه الدول العربية حتى يمكن تنفيذ البرامج الوطنية وتحقيق تقدم في كل مؤشرات التنافسية الدولية، فوصول الرئيس المصري السيسي إلى مقعد الحكم للمرة الثانية هي مسؤولية وطنية وعلى المصريين أن يتحدوا ويكون العمل والإنتاج هو الأساس في تحريك العمل الاقتصادي والتنموي بحيث تنطلق مصر من خلال قواها المجتمعية نحو التحديث والتطوير والوصول إلى المكانة التي تستحقها مصر وشعبها الشقيق.

الانتخابات العراقية إلى أين؟

بعد أن استطاع العراق الشقيق دحر الجماعات الإرهابية لا بد أن يكون هذا الانتصار العراقي على جماعة داعش دافعا كبيرا نحو استكمال المنظومة السياسية من خلال انتخابات شفافة وعادلة ولا شك أن العراق به مقدرات كبيرة يمكن من خلال خطط تنموية وأيضا إعادة الإعمار أن يجعل من العراق دولة نموذجية في العالم العربي، ومن هنا فإن الاستقطاب السياسي للكتل والأحزاب هو عملية طبيعية في أي انتخابات، ولكن الأمر المهم هو عدم تشتيت الشعب العراقي واللعب بورقة الطائفية التي أضرت بالعراق وشعبه منذ الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله وتدمير مقدراته منذ عام 2003، كما أن الإرهاب الذي ظهر بعد انسحاب القوات الأمريكية الغازية، ساهم في إيجاد مناخ من عدم الاستقرار، ومن هنا فإن الجو السياسي في العراق يسمح بخطوات عراقية في الاتجاه الصحيح من خلال الانتخابات التشريعية وأيضا انتخاب رئيس جديد للدولة ورئيس حكومة يعد هو الشخصية المحورية في تنفيذ السياسات المختلفة.

ولا شك أن الشعب العراقي يعول على الانتخابات العراقية بعد أن نجح المؤتمر الدولي لإعمار العراقي في دولة الكويت الشقيق في تعهد عدد من دول العالم ومن بينها دول عربي في المساهم في إعادة إعمار العراق نتيجة الحروب التي خاضها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومن هنا فإن الانتخابات العربية سواء كانت في مصر أو العراق أو بقية الدول العربية بعد انتهاء الصراعات المسلحة في ليبيا واليمن وسوريا سوف يكون لها انعكاس علي الأمن والاستقرار والتعمير وعودة الحياة الطبيعية خاصة للدول التي تشهد صراعات وحروبا أهلية وإقليمية.

ولاشك أن لبنان الشقيق عانى من الفراغ السياسي، حيث تجمدت الانتخابات الرئاسية بسبب عدم التوافق بين القوي السياسية اللبنانية، وكان منصب رئيس الجمهورية شاغرا لأكثر من سنة، وبعد الانتخابات ووجود رئيس للدولة ورئيس للحكومة ورئيس لمجلس النواب أصبح لبنان يميل للاستقرار والانطلاق نحو التطوير، ومن هنا فإن الانتخابات العربية ونتائجها بصرف النظر عن الفائز فيها هي صمام أمان، وحتى يبدأ العمل ويساهم المجتمع وقواه المختلفة في إيجاد صورة إيجابية متطورة للدولة الحديثة وأن تكون الدساتير بمثابة ضامن وطني للاستمرار والمنهجية القانونية التي من خلالها يطمئن الشعب علي مصالحه وأن يقوم بواجباته تجاه وطنه.

والأمة العربية وهي تعيش ظروفا استثنائية تحتاج إلى الاستقرار السياسي والأمني وإلى خطوات دافعة للعمل الوطني خاصة في مجال توفير فرص العمل للشباب وتجويد التعليم العربي وزيادة الإنتاجية وحل المشكلات السياسية بين الدول العربية حتى تنطلق الأمة إلى مزيد من التقدم وتساير الدول المتطورة في العالم خاصة أن مقدراتها الطبيعية والبشرية تسمح لها بذلك الانطلاق في كل المجالات، وما نجاح العقول العربية في الغرب إلا دليلا واضحا علي تفوق العقل العربي. المهم إيجاد المناخ الصالح للعمل والإبداع وإطلاق الطاقات العربية دون قيود أو عراقيل أو بيروقراطية تحد من تلك الانطلاقة العربية.