الملف السياسي

التطلع إلى غد أفضل .. والإصرار على تحقيقه !!

02 أبريل 2018
02 أبريل 2018

د.عبد الحميد الموافي -

ليس من المبالغة في شيء القول إنها سبع سنوات صعبة، بل شديدة الصعوبة والخطر، بدأت عام 2011 بآمال وتوقعات وتطلعات، على المستوى الجماهيري ومستويات أخرى، بدخول المنطقة العربية إلى مرحلة أعلى من التطور السياسي والاجتماعي، فإذا بها تتكشف عن عمليات وجهود منظمة سلفا، لدفع المنطقة إلى الوراء عقودا طويلة، ومحاولة إغراقها في مشكلات وحروب ومواجهات، طائفية وعرقية، وعمليات إرهابية، قادتها ولا تزال تقودها تنظيمات إرهابية ممولة ومدربة جيدا، ولديها مصادر دعم لوجستي ومالي وفني ومعلوماتي، تفوق بكثير ما يمكن أن يتوفر لتنظيمات أو جماعات مماثلة في أي مكان في العالم،

ومن ثم اتضح أن دول وشعوب المنطقة العربية بوجه عام قد تعرضت ولا تزال تتعرض لأسوأ ما واجهته في تاريخها الحديث منذ استقلالها، وهو ما نعيش نتائجه وآثاره اليوم في عدد من الدول والمجتمعات العربية على نحو تحولت معه الدول العربية إلى ما يشبه جسدا مثخنا بالجراح، وتتكالب حوله الذئاب، تحاول نهش أطرافه مستغلة ما مر ويمر به، سواء لتصفية حسابات تاريخية مع العرب، أو لمحاولة إيجاد واقع عملي لصالحها، وتطلعا لنفوذ تتوق إليه أو تتمناه.

وبرغم كل ما حدث خلال السنوات السبع الماضية، وهو واضح على امتداد المنطقة، من الخليج إلى المحيط، فإن الشعوب العربية تسعى جاهدة، في ظل ظروفها المعروفة، والمأساوية في بعضها، إلى الخروج من الهوة التي تم دفعها إليها، مع سبق الإصرار والترصد، وبينما تتفاوت الخطوات والتحركات للسير في اتجاه الخروج من النفق بين دولة عربية وأخرى وفقا للمعطيات والعوامل المؤثرة والأوضاع التي مرت وتمر بها، فإن القاسم المشترك الذي يجمع بينها جميعها هو أن الانتخابات تمثل مفتاحا أساسيا لإعادة صياغة الواقع السياسي، أو لإضفاء صيغة مقبولة على ما تم الاتفاق أو التوافق عليه من جانب مختلف القوى السياسية المعنية، ويزيد من أهمية الانتخابات، أنها أداة مقبولة من جانب القوي السياسية الدولية الفاعلة في المنطقة من ناحية، وأداة لفرز القوى السياسية الداخلية وتحديد أوزانها، ومن ثم أحجام مشاركتها في عمليات صياغة الحلول في هذه الدولة العربية أو تلك من ناحية ثانية، وبينما جرت انتخابات رئاسية في جمهورية مصر العربية، يجري الإعداد لانتخابات برلمانية – طال انتظارها – في لبنان في مايو القادم، وكذلك الإعداد لانتخابات تشريعية في العراق، وانتخابات تشريعية ورئاسية في الجزائر، وانتخابات تمهيدية في ليبيا، حيث يسعى غسان سلامة مندوب الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا إلى جعلها أداة للانتقال بالوضع في ليبيا إلى مرحلة جديدة على طريق الحل، وإن كانت أمامها بعض الوقت، وهو الأمر نفسه في الأراضي الفلسطينية المحتلة – الضفة الغربية وقطاع غزة – الذي ينتظر إتمام المصالحة المتعثرة بين فتح وحماس، وكذلك في سوريا والجمهورية اليمنية، وفقا للتطورات التي تجري في كل منهما، وبرغم التفاوت الشديد بين الدول الشقيقة، بسبب ظروفها وأوضاعها الداخلية إلا أن الانتخابات العامة تظل عتبة أساسية لا بد من الدخول عبرها إلى مرحلة التوافق والاستقرار والسير نحو غد أفضل.

وبالنظر إلى أن جمهورية مصر العربية قد شهدت في 26 و27 و28 مارس الماضي انتخابات الرئاسة، التي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسة ثانية تستمر لأربع سنوات تبدأ في الثالث من يونيو القادم، إذ إن فترته الرئاسية الحالية تنتهي في الثاني من يونيو 2018م، فإنه من الأهمية بمكان التوقف أمام تلك الانتخابات، بالنظر إلى أهميتها ودلالاتها على المستويين المصري والعربي أيضا، ويمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

*أولا : إن أهمية انتخابات الرئاسة المصرية لا تنبع فقط من بعدها المصري الوطني، ولكنها تنبع أيضا من بعدها العربي العام، وهو ما يرتبط على نحو أو آخر بموقع مصر وتأثيرها على المستوى العربي، باعتبارها أكبر الدول العربية، وباعتبارها أيضا الدولة العربية الناجية التي استطاعت مواجهة كل ما تعرضت له من محاولات لم تنته حتى الآن لكسرها، وبث الفوضى في ربوعها قدر الإمكان، أو على الأقل سلخ جزء من أرضها ورفع راية الإرهاب الأسود عليه في شمال سيناء لخدمة مخططات معروفة، فإذا كانت جمهورية مصر العربية قد استطاعت بإصرار وإرادة ووعي عميق من جانب قيادتها السياسية، وبدعم شعبي كبير وتضحيات متواصلة من أبنائها، مواجهة ما كان مخططا لها، وللمنطقة من خلفها بالطبع، فإن التأثير المترتب على ذلك يمتد بالضرورة، إلى المحيط العربي من حولها، وهذا أمر بات قانونا في علاقة مصر مع محيطها العربي، ليس فقط للارتباط العضوي بينها وبين محيطها، ولكن أيضا بحكم ثقلها السكاني والحضاري، وبحكم التأثير القوي المتبادل بين مصر والمحيط العربي لها، والمؤكد أننا لسنا في حاجة إلى الإشارة إلى عوامل ومظاهر كثيرة في هذا الاتجاه، بما في ذلك ما حدث خلال السنوات السبع الماضية، وهو الذي استهدف في جانب منه أضعاف مصر بكل السبل للانطلاق من ذلك إلى الإجهاز عليها وعلى المنطقة من حولها، والقذف بها في هوة الانهيار والتفكك والتخلف المديد.

وبينما تدرك كل القوى المتربصة بالمنطقة إقليمية ودولية طبيعة العلاقة بين مصر ومحيطها العربي فإن ما حدث على الأرض، وما يحدث الآن أيضا، وهو معروف للجميع، ليس صدفة، ولكنه في الواقع إحدى نتائج ما تعرضت له مصر خلال السنوات السبع الماضية، ومن حسن الحظ أن الوعي بهذا الجانب أخذ ينتقل من مستوى القيادات والنخبة، إلى مستوى الجماهير العربية، على امتداد المنطقة، وهو أمر يزعج بالتأكيد كل القوى المتربصة، وهي التي تحاول النهش في الجسد العربي استغلالا للظروف الراهنة، وليس أدل على ذلك من الحملات الإعلامية المنظمة ومتعددة المصادر التي تعرضت وتتعرض لها مصر في الآونة الأخيرة، وهي التي وصلت إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، وكان من المثير أن تتخذ بعض تلك المصادر صياغات مضللة ومعقدة، وأن تضطر إحدى وكالات الأنباء العالمية إلى سحب تقرير لها حول سير انتخابات الرئاسة لما تضمنه من مغالطات صارخة كذبها مئات المندوبين الأجانب الذين تابعوا سير الانتخابات – 680 مندوبا – وما أعلنته عدة منظمات دولية عربية وإفريقية وأوروبية في تقاريرها ومؤتمراتها الصحفية حول سير الانتخابات، والمؤكد أن نجاح الانتخابات المصرية يعد مقدمة مبشرة لنجاح الانتخابات المزمع إجراؤها في أكثر من دولة عربية خلال الفترة القادمة، برغم ما تمر به تلك الدول وما تتعرض له من تحديات ومؤثرات ضارة بها وبشعوبها الشقيقة.

*ثانيا : على الصعيد المصري فإن انتخابات الرئاسة المصرية التي أعلنت نتائجها رسميا أمس الاثنين تنطوي على دلالات بالغة يأتي في مقدمتها أنه إذا كانت مصر قد استطاعت، خلال السنوات الأربع الماضية، منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام مسؤولياته كرئيس لجمهورية مصر العربية في 3 يونيو 2014، أن تتحمل ثمن مواجهة مخطط تفكيك المنطقة وإغراقها في ظلام الإرهاب وإفشاله، واستطاعت في الوقت ذاته، قيادة وشعبا تحمل كلفة السير على طريق الإصلاح الداخلي، ومواجهة تراكمات مشكلات داخلية عديدة، وفي مجالات مختلفة، وهو ثمن كبير، استمر على مدى السنوات الأربع الأخيرة، فإن الوعي والإدراك، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الجماهير لأهمية وضرورة خوض معركة الإصلاح الصعبة كسبيل لا غنى عنه للانطلاق نحو بناء غد أفضل لهذا الجيل والأجيال القادمة، قد أفشل في الواقع مراهنات كل القوى المتربصة بمصر والساعية إلى هدم الدولة المصرية، وهي التي راهنت على أن الشعب المصري لن يتحمل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وما رافقها من أعباء اقتصادية واجتماعية مرهقة، بل إن تلك القوى راحت دوما تحرض فئات الشعب المصري على التحرك ضد تلك الإصلاحات، وهو ما لم، ولن تعيره جماهير الشعب المصري أي اهتمام؛ ليس فقط لأن تلك الجهات والعناصر المحرضة أصبحت مكشوفة، ومحروقة أمام الشعب المصري، ولكن أيضا لأن الشعب المصري وقيادته قرروا المضي في طريق النهوض والإصلاح والسير نحو بناء غد أفضل بكل ما يعنيه ذلك من تضحيات وأعباء، وذلك إدراكا لحقيقة أن الانتقال إلى مرحلة جديدة يقتضي في الواقع إعادة بناء وتطوير الكثير من مرافق البنية الأساسية من طرق وكهرباء ومياه وخدمات واتصالات وغيرها، وإن المصريين وحدهم هم القادرون على إنجاز ذلك، وهنا ظهرت أهمية وفعالية الدور الذي يقوم به الرئيس السيسي في تنظيم وحشد تلك الجهود وحثها على الإنجاز في أقصر وقت ممكن لاختصار الوقت، وبالفعل تحققت الكثير من المنجزات في السنوات الأربع الماضية، وعلى نحو يعبر عن نفسه على أرض الواقع، وإن كان لم يأخذ حقه في التعريف الإعلامي الكافي به حتى الآن على الأقل باعتباره ركيزة لبناء مستقبل أفضل لهذا الجيل والأجيال القادمة على أرض الكنانة.

*ثالثا: على الصعيد المصري أيضا فإن مما له دلالة عميقة أن أيام انتخابات الرئاسة في مصر، 26 و27 و28 مارس الماضي قد تحولت في الواقع إلى مهرجانات أمام لجان الاقتراع، وإلى حلقات احتفالية شعبية تلقائية، وعلى نحو أثار دهشة الكثيرين خارج مصر.

وإذا كانت هذه الأجواء الاحتفالية قد أصابت المتربصين بمصر بالحنق والإحباط، ليس فقط لأنها أطاحت بتوقعاتهم وأفشلت حساباتهم وتبشيراتهم الساذجة، ولكن أيضا لأنها كانت بمثابة رسالة جماهيرية بالغة الوضوح بأن الشعب المصري، ورغم كل ما تحمله خلال السنوات الأربع الماضية، فإنه على ثقة تامة في قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأنه سيواصل الطريق معه، لاستكمال الإصلاحات التي بدأت، ولإعادة بناء الدولة المصرية، كدولة حديثة متطورة، وقادرة على النهوض بدورها ومسؤولياتها، سواء حيال أبنائها الآن وفي المستقبل، أو حيال أشقائها في المنطقة من حولها، وإن الطريق إلى ذلك هو المزيد من الإصلاح، واستعادة القدرات المصرية على النهوض والنمو والتطور، وهو ما يعمل الرئيس السيسي على تحقيقه بالفعل، والمؤكد أن ذلك يصيب المتربصين بكثير من والقلق، لأنهم يعرفون ماذا يعني أن تنهض مصر مجددا، وإن ذلك معناه وقف مسلسل الانهيار العربي والاتجاه نحو النهوض مجددا في الدول العربية الأخرى بدرجات متفاوتة حسب ظروف كل دولة.

جدير بالذكر أنه بالرغم من تكثيف الدعاية المضادة قبيل الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك الدعوات المختلفة من جانب بعض عناصر النخبة المصرية، والمتربصين في الخارج، لمقاطعة الانتخابات بمبررات مختلفة، إلا أن الانتخابات، وما صاحبها من ابتهاج أبناء الشعب المصري، أكدت ليس فقط ارتفاع ونمو الوعي المصري على المستوى الجماهيري، ولكن أيضا الإصرار على ممارسة حق المشاركة في الانتخابات كحق دستوري، وليس مصادفة أن يعلن نحو 25 مليون مصري تأييدهم للرئيس السيسي لمواصلة طريق الإصلاح الذي بدأ فيه، وهو الذي يقترب من إعطاء ثماره خلال الفترة القادمة، ولكن أيضا للرد على كل المتربصين والمشككين أن الشعب المصري يعرف طريقه، وإذا كان نحو ثلاثين مليونا قد خرجوا إلى الشوارع في 30 يونيو عام 2013 لإنهاء حكم جماعة الإخوان فإن نحو 25 مليونا خرجوا في انتخابات الرئاسة لتكليف الرئيس السيسي بمواصلة طريق الإصلاح ولبناء غد أفضل لمصر والمصريين، وهو ما ينعكس إيجابيا بالتأكيد على المنطقة من حولها، وهو ما يخيف الكثيرين، داخل المنطقة وخارجها أيضا.