الملف السياسي

الأمن والتنمية والمشاركة الجماهيرية .. وأشياء أخرى !

02 أبريل 2018
02 أبريل 2018

عماد عريان -

,, تكريس الثقافة الانتخابية - على حد تأكيد مسؤول عربي كبير شارك في متابعة انتخابات الرئاسة الأخيرة في مصر – هو المكسب الأكبر في هذه العملية السياسية المهمة للشعوب والدول والمجتمعات العربية ,,

لاشك في أن تصريحات هذا المسؤول العربي المخضرم تعكس حقيقة راسخة استقرت على أرض الواقع في توصيف صحيح لما يجري في مصر، وبالتأكيد لما هو مطلوب في كثير من الدول العربية، فها هي مصر تعلن تحديها للاضطرابات والإرهاب والأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها منذ سنوات ليست بالقليلة، وتجرى ثمانية استحقاقات انتخابية متتالية منذ عام 2011، حيث خرج المصريون خلال تلك الفترة ثماني مرات، ثلاثا منها لأجل الاستفتاء على الدستور في أعوام (2011- 2012 – 2014)، وجاءت نسب التصويت فيها على التوالى 41.19% و32.86% و38.60%, ثم خرج الناخبون المصريون مرتين أخريين بغرض المشاركة فى الانتخابات الرئاسية عامي 2012 (من خلال جولتين ساخنتين) و2014، وجاءت نسبة التصويت فيهما تقريبا 47% و47.30% على الترتيب، ثم خرجوا كذلك ثلاث مرات أخرى بغية المشاركة في الانتخابات البرلمانية، كانت أولاها بهدف انتخاب مجلس النواب في نوفمبر من عام 2011، بينما كانت الثانية لانتخابات مجلس الشورى في يناير2012، والثالثة بمناسبة انتخابات مجلس النواب في أكتوبر من عام 2015، وجاءت نسبة المشاركة في التصويت فيها على التوالي بواقع 62% و12.75% و48%.

وفي الأيام الماضية، خرج الناخبون المصريون مجددا للتصويت في ثالث انتخابات رئاسية وتاسع استحقاق منذ عام 2011 ، ورغم أن نتائج هذا الاستحقاق الرئاسي الأخير كانت محسومة سلفا أو معروفة مسبقا إلى حد كبير، بسبب الفارق الشاسع في الشعبية والرصيد السياسي والخبرة والموقف التنافسي الانتخابي ما بين المرشحين الرئاسيين، وهما الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس حزب الغد السياسي موسى مصطفى موسى وهو ما عكسته النتائج النهائية بحصول الرئيس السيسي على نسبة تقترب من 97% من مجموع الأصوات الصحيحة ،إلا أن المشاركة التصويتية من قبل الناخبين كانت بحق البطل الحقيقي في هذا المشهد الانتخابي الصعب، فبينما كان العالم أجمع يراقب بشغف معدل الإقبال الجماهيري على الاقتراع باعتباره أحد المعايير الأساسية لقياس شرعية الرئيس المنتخب، يرنو الرئيس المصري ومؤيدوه إلى حصد أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين لتعزيز شرعيته وتوفير مظلة سياسية لمسيرته التنموية، التي لن تخلو من قرارات صعبة وإجراءات تنوء بقطاع عريض من أبناء الشعب المصري الكادح، والمتطلع إلى الاستقرار والأمن والتنمية، خلال الفترة الرئاسية الثانية للسيسي والتي ستنتهي فى عام 2022.

وواقع الأمر أن جموع الناخبين المصريين لم يخيبوا ظن السياسيين والمراقبين حيث أقبلوا بكثافة مقبولة جدا على صناديق الاقتراع، وتمحورت نسبة التصويت عند حوالي 40%,وهي في المطلق نسبة قد لا تكون مرضية في مثل هذه المناسبة السياسية المهمة، ولكنها في ضوء عوامل وظروف ومعطيات سياسية واقتصادية وكذلك لوجيستية تعتبر نسبة أكثر من ممتازة، فالمصريون بهذه النسبة تجاوزوا الكثير من الصعاب والعراقيل خاصة الأمنية والإرهابية، وقد تراجعت بشدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى حد تطبيع الحياة اليومية في المجتمع المصري بنسبة هائلة،كما تجاوزا حملات معادية حرضت على المقاطعة وعدم التوجه إلى لجان الإقتراع، فضلا عن غياب الوسائل التكنولوجية وعلى رأسها التصويت الإلكتروني وعدم حل مشكلة تصويت المغتربين في الداخل والخارج وعددهم قد يقترب من العشرين مليون ناخب، وعدم حل تلك المشكلة بشكل جذري وبحلول عملية مبتكرة يحرم عملية التصويت من هذه الكتلة الإنتخابية الكبيرة، وهو ما يجب العمل عليه لتطوير عملية التصويت في مصر وغيرها من الدول العربية لضمان نسبة ضخمة من المشاركة الجماهيرية في تكريس حقيقي لإستيعاب ثقافة الإنتخابات.

وانطلاقا مما ذكر في السطور السابقة، يجوز الادعاء أن الناخبين المصريين والعرب بمشاركتهم في الانتخابات الرئاسية الحالية كما كافة الاستحقاقات المرتقبة، فإنهم يسطرون إسهامهم الفعال في مهمتين تاريخيتين ومتوازيتين، تتجلى أولاهما ، على الصعيد المصري، في الحرب الضروس التي تخوضها بلادهم من خلال عملية «سيناء الشاملة 2018 »، لاستئصال شأفة الإرهاب في سيناء كما في مختلف ربوع البلاد قاطبة، وفي هذا السياق برزت جلية أهمية تحدي المصريين للعملية الإرهابية الخسيسة التي سبقت الاستحقاق الرئاسي بساعات في مدينة الاسكندرية، أول عاصمة تاريخية لمصر وثاني أكبر المدن المصرية، واستهدفت موكب مدير أمن المدينة الساحلية العريقة، ما أسفر عن استشهاد فردي شرطة ونجاة مدير الأمن, فلم تكد تمضي دقائق على تلك العملية الإرهابية الجبانة،حتى خرج أهالي الأسكندرية في تظاهرة حاشدة تندد بالإرهاب والإرهابيين وتؤكد عزم أبناء عروس البحر الأبيض المتوسط على المشاركة بكثافة في الاستحقاق الرئاسي،كما أصر ناخبو الاسكندرية على إقامة احتفال صاخب عقب انطلاق عملية التصويت في تحد صارخ للإرهابيين الذين حاولوا إرهاب مدينتهم وتفزيع المواطنين من المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، وهي الرسائل التي انتقلت كالنار في الهشيم على مستوى باقي محافظات مصر الست والعشرين ،في مظهر يبرز مدى قوة عزيمة المصريين وصلابة إرادتهم حكومة وشعبا. وحقا انه لم تكن هناك برامج سياسية أو فكرية معينة يمكن القول أن الانتخابات وتصويت الناخبين تم على أساسها، كأن يكون الاختيار بين مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري، أو مرشح ليبرالي وآخر اشتراكي، إلى غير ذلك من التصنيفات السياسية المعروفة في عالم الانتخابات، إلا أن هذه الحقيقة يمكن استيعابها في ضوء خصوصية التجربة المصرية والظروف الخاصة التي تمر بها الدولة منذ ثورة يناير 2011 وما أعقبها من أحداث وصولا إلى الثلاثين من يونيو 2013 والثورة الشعبية الكبيرة على حكم « الإخوان المسلمين» وما صاحبها من توترات واضطرابات أمنية هائلة جعلت من استقرار البلاد ووضعها على الطريق الصحيح نحو التنمية والبناء هدفا مشتركا وجوهريا للدولة بكل مؤسساتها وجموع الشعب على حد سواء، ومن ثم فلا غرابة في تراجع التصنيفات السياسية وغياب البرامج الفكرية والإيديولوجية لصالح الإختيار على أرضية « وطنية ».

هذا التوجه هو ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي الاختيار الأفضل والأمثل للناخب المصري، وأغلب الظن أن الفوز الكاسح والأصوات الهائلة التي حصل عليها الرئيس السيسي ما كانت لتتغير كثيرا في حالة وجود عدد أكبر من المرشحين من أحزاب وأطياف سياسية ومجتمعية مختلفة وكذلك حتى لو تضاعفت نسبة التصويت، ربما كان المشهد سيزداد سخونة وربما توزعت أصوات في اتجاهات مختلفة ولكن النتيجة النهائية المتمثلة في فوز الرئيس السيسي بولاية رئاسية ثانية ما كانت لتتغير في ضوء الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الرجل ورصيده الكبير لدى جموع الشعب برغم كثير من القرارات غير الجماهيرية التي اتخذها خلال فترة رئاسته الأولى وخاصة ما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والمالية. لقد كانت أرضية « المواطنة» هي السلاح الأهم في فوز الرئيس السيسي الكبير، فهو لا يعمل لصالح حزب أو جماعة أو تنظيم بعينه، داخليا وخارجيا وإنما يكرس سياساته وتصرفاته من منطلقات وطنية خالصة وتمكن بالفعل من إخراج البلاد من عنق زجاجة خطير بعدما كانت على شفا السقوط في هوة سحيقة من الاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية الخطيرة، وقد أدرك الناخب المصري جيدا أن السيسي قد نجح بالفعل في إعادة الأمن والاستقرار للبلاد برغم أي حديث عن عمليات إرهابية أوتوترات أمنية، فلا وجه للمقارنة بين ما تعيشه مصر حاليا وما تعرضت له منذ أحداث يناير 2011 ، وهناك قناعة بنجاح الرجل في إعادة مصر كطرف فاعل ولاعب أساسي في محيطها الإقليمي وعلى الصعيد العالمي ومكنها من اكتساب ثقة المجتمع الدولي لينعكس ذلك في صورة تدفقات استثمارية متزايدة وتحسن المؤشرات الاقتصادية ودعم المعدلات التنموية ورواج المؤشرات السياحية ما يجعل فوز الرئيس السيسي بولاية ثانية أمرا مفهوما ومبررا فقد اختار المصريون الاستقرار والأمن مع التنمية في تكريس جديد للثقافة الانتخابية والإدراك السياسي.