1295647
1295647
المنوعات

الكاتب فواز طرابلسي فــي حــوار مع «عمان»: الثورات العربية ليست مغدورة ... والعالم العـربي لم ينقسـم رغــم 100 سنة على سايكس بيكو

02 أبريل 2018
02 أبريل 2018

حـــــــاوره : عاصــــم الشــــيدي -

كان يمكن لهذا الحديث أن يطول، وأن ندخل من خلاله في تفاصيل كثيرة حول حياة الكاتب والمناضل اليساري الدكتور فواز طرابلسي، وأن نسأل عن المشهد اللبناني والفلسطيني، وأن نستشرف رؤيته في مآلات العالم العربي المشتعل، وأن نسأل في تفاصيل محاضرة كان قد ألقاها قبل دقائق من إجراء هذا الحوار قدمت قراءة جديدة لاتفاقية سايكس بيكو إلا أن سؤالا حول مقولة ونظرية المؤامرة التي يتعرض لها العالم العربي وفق ما يرى البعض استفزت الدكتور طرابلسي المناضل، وجعلت مناقشة إجاباته أمرا صعبا وكذلك استمرار الحوار.

ولذلك جاء الحوار على هذا القدر من التفاصيل التي كشفت رغم كل شيء عن رؤية الدكتور طرابلسي اتجاه «ثورات الربيع العربي» واتجاه ما يجري في العالم العربي سواء في سوريا أم في اليمن.

إلى تفاصيل الحوار ......

• كيف تقرأ ما يحدث في العالم العربي اليوم، وكيف تقرأه بخبرتك باعتبارك ناضلت ضمن حركات تحرر وطني، وقدت أحزابا يسارية، أهذه ثورات، أم فوضى تعم المنطقة تحت مسمى «ربيع عربي»؟

المصطلحات مهمة، هي تصف وتختزل.. أنا لست مع جماعة تسمية «الربيع العربي» لسبب؛ أن هذه التسمية لها معنيان بعد أن روجت له الصحافة الغربية: الأول أن هناك أناسا راكدين ثم صحوا وجاء الربيع، والثاني وهو الأسوأ، أن هذا فصل طبيعي كما جاء يزول ... وفي الحقيقة فإن ما حدث مفاجئ، وهو حدث استثنائي، بمعنى علينا أن نعترف أن أحدا لم يكن يتوقع ما حدث. أما هل هو ثورة أم لا، فنعم هو ثورة. لكن نحن لدينا فكرة أن الثورة إذا أدت ما نريد نسميها ثورة وإذا لم تؤد إلى ما نريد ونحب لا نسميها ثورة!! الثورة هي محاولة ضغط شعبي بواسطة قوة الجماهير لتغيير نظام معين بالقوة، وقد يتنازل النظام كما حدث في بعض الأمكنة، وبالتالي يستطيع أن يستوعب متطلبات الجماهير، أو أن يرد بأشكال مختلفة من أنواع الرد. والمؤكد أنه لا توجد هناك ثورة دون ثورة مضادة، فقد تنتصر الثورة المضادة، وقد تحدث معادلة أو أن ينتهي الأمر إلى العنف، وعنف السلطات يجر إلى عنف مقابل... لكن علينا أن نعترف أننا أمام ظاهرة استثنائية أكلتها التطورات اللاحقة. هناك بلا شك عشرات الملايين من العرب شاركوا في هذه الثورات، وكان حضور الشباب فيها وازنا، ولها تعبيرات متفاوتة، وكان هناك ثورة مدن، وفي مناطق أخرى ثورة أرياف، ولكن الملفت أن ما جمع بينها أربعة أو خمسة شعارات مشتركة من الشمال السوري إلى اليمن وهي: عمل، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية .. أليس هذا ملفتا؟! من أعالي الجبال حيث القبائل الجبلية إلى السهول والمزارع في الشمال السوري يتحدثون بنفس الفكر ونفس الحديث!! برأيي أن هذه الثورات بشعاراتها أخبرتنا ما المشكلة، وأخبرتنا الجماهير ماذا تريد ... أخبرتنا عن البطالة، ولدينا في العالم العربي أكبر نسبة بطالة في العالم في حين الخطاب السياسي لا يتحدث عن ذلك، ثم هناك أنظمة مستبدة، وهناك فوارق اجتماعية وامتهان لكرامة الفرد.

• في سياق الحديث عن الشعارات هل فكّر الثوار في اليوم التالي لثوراتهم، وهل كانوا ينطلقون من فلسفات وتنظيرات وأطروحات مجتمعية واضحة .. أليس هذا ما عاق تطور الثورات نحو أهدافها؟

ما حدث في 2011 من وجهة نظري يشبه كثيرا عفوية حركات التحرر الوطني بغض النظر عن مضمونها الفكري، وهي مظاهرات عفوية، وهي تأتي في ظل انهيار الحياة الحزبية العربية؛ ولذلك ليس صدفة أن يكون الطرف الرئيسي المنظّر فيها هم الإخوان المسلمين، وكان «حزبا» باقيا برعاية الأنظمة في معظم الحالات، وهذه كلها تفسر طبيعة الثورة، ولكن هل الثورة متماسكة، أنا قلت في ثورات بلا ثوار بمعنى في أحداث تجاوزت وعي الناس لها، وهذا صحيح، ولكن الذي سبق على كل الأمور هي ردود الفعل المتفاوتة في بعض الأماكن، كان هناك استيعاب، وفي بعضها انقلاب على الثورة بواسطة الجيش أو برعايته كما حدث في مصر على سبيل المثال التي توالت عليها الحكومات وبينها حكومة بقيادة الإخوان المسلمين الذين كشفوا أن لهم علاقة بالإسلام السياسي، وكان حزبا في بلد لا يمكن أن تشك في إسلامه، في هذا البلد أعلن مسلمون أنهم لا يريدون حزبا يعتمد الدين الإسلامي أساسا للعمل السياسي، لكن تلك المعارضة استغلت للإتيان بحكومة عسكرية..

• دكتور فواز.. قلت إن ما حدث كان مفاجئا. ألم يكن وضع العالم العربي يعطي مؤشرا أن ذلك الأمر لا يمكن أن يستمر ويمكن أن يقود الجماهير للثورة؟

قل لي من كتب مثل هذا الأمر .. أنا أقول مفاجئا لأن أحدا لم يكتب عنه شيئا، لم يتنبأ به أحد قبل حدوثه.

• على الأقل هناك من تمناه؟

هناك فرق بين التوقع والتمني. للأمانة لا أعرف أن أناسا قد تمنوا أن تخرج ثورات في ست دول عربية طابعها الأساسي شعبي. لا تنس أننا كنا لثلاثين سنة نبحث في المجتمع المدني والدولة، ولم يتحدث أحد عن الجماهير، كان العمل تبشيرا بالمجتمع المدني وبحقوق الإنسان، والنمو بدل التنمية، وضد الأحزاب، ومع العمل السلمي.. هذا الخطاب كان طاغيا خلال الـ25 سنة الماضية، ثم جاء حدثا خارجيا كليا. ولا يحتاج الأمر لمكابرة، فالثورات دائما مفاجئة، ولا توجد هناك ثورة معد لها مسبقا.

• في المحاضرة التي ألقيتها قبل قليل (كان ذلك وقت إجراء الحوار خلال معرض الكتاب) قلت: إنك مستعد أن تجادل أن سوريا لا تتعرض لحرب كونية.. كيف تفسر عشرات الآلاف من شُذَّاذ الآفَاقِ الذين يقاتلون في سوريا، وكيف تفسر المليارات التي تصرف على الحرب في سوريا وكميات السلاح الموجودة اليوم بأيدي الجماعات والناس في سوريا؟

النظام السوري أجاب على تظاهرات شعبية بواسطة العنف، عنف الشرطة في البداية ثم أنزل الجيش ضد المتظاهرين، هذا الأمر دعا المتظاهرين للبدء في التزود بالسلاح، هذه البدايات أدت أيضا إلى تدخل عربي، ثم بعد عام من العمل السلمي للجماهير صار هناك شراء للسلاح من المهربين، وبدأت هناك انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش، تركيا لديها اليوم حوالي 5000 ضابط سوري، وهم ممنوعون من القتال، وسوف يتم استخدامهم غدا في بناء جيش قادم. هذه الفصائل لم يكن لها هُوية سياسية، ولم يكونوا شذاذ أفاق، ثم إن الباقي تأسلم أو كان إسلاميا تنفيذا لرغبات الدول الممولة، ثم هناك تنظيم اسمه القاعدة، أما «داعش» فهي نتاج الحرب العراقية.. وهناك أدلة كثيرة تثبت أن النظام السوري أدخل جهاديين من الأفغان العرب إلى العراق خلال القتال ضد الجيش الأمريكي قسم منهم بقي، ثم تحولوا في سوريا إلى «داعش» وهم وجدوا كطرف ثانوي ولكن جواب بشار الأسد على المتظاهرين حولهم إلى طرف رئيسي.

«النظام» السوري بدأ انفتاحه على الليبرالية بأن رفع دعم المحروقات، والمواد الغذائية ما أسهم في انهيار الزراعة.. الفلاحون في الغوطتين كلهم لاجئون، وهذا النظام أعطى فئة صغيرة امتيازات استثنائية في الاقتصاد.

نعم الثورة تعسكرت وتحولت إلى حرب أهلية ولكن نتيجة الاستفزازات والرد العسكري، والحرب الأهلية استدرجت كل أنواع التدخلات من الطرفين.

إذا كنت تقصد بالحرب الكونية أن كلا الطرفين استدرج تدخلا أجنبيا قسم منه اكتفى بالسلام والمال والقسم الثاني أدخل قوات ومليشيات فنعم، أما حرب كونية بمعنى أن كلهم متفقون على سوريا فلا .. فلماذا يتفقون كلهم على سوريا !

• أوليت الكثير من اهتمامك بالشأن اليمني سواء من حيث الكتب أو من حيث المقالات.. كيف ترى الوضع اليمني اليوم وهل هناك مؤشر لنجاح الحراك الجنوبي في دعوته للانفصال؟

أولا: أعتقد أن المأساة الجنوبية مبدأها طريقة حل الثورة بواسطة المبادرة الخليجية، المبادرة الخليجية بدل أن تبحث أهم مشكلتين في اليمن وهما الحراك الجنوبي والحركة الحوثية بحثت في النوافل.. أتت بنائب الرئيس محل الرئيس، وجعلت منه فاقدا للصفة التمثيلية، وبدل أن تجمع كل الفرقاء في وزارة همشت الوزارة وحاولت تبني رئاسة.. وأهم من ذلك بدل أن تسائل علي عبدالله صالح وتركته حرا وطلبت منه أن يغادر ورفض وجهز حركة أنصار الله كقوة عسكرية احتلت كل اليمن. والآن هناك طرفان يتناوبان على تدمير اليمن هما التحالف العربي وأنصار الله، ومع اغتيال علي عبدالله صالح صارت كفة قوات التحالف أقوى وسيزيد التصلب ويزيد القتال.

أما فيما يخص الحراك فأنا لست معجبا بالحراك.. أولا لأن قراءتي للتجربة الجنوبية هي أنه كبلد من الصعب كثيرا أن يعيش اقتصاديا لوحده، وبالتالي هللتُ للوحدة، طبعا ليس بالشكل الذي فعله علي سالم البيض ولكن بشكله إطار الحد الأدنى لعمل تنمية، وطبعا أدنت وعارضت وكتبت ضد الشكل الذي تمت فيه الوحدة ذلك الشكل المتسرع والعشوائي بلا تحضيرات وبلا تراكم ولا مراحل، وكذلك بالطريقة التي اجتاح فيها علي عبدالله صالح الجنوب.. هذا الذي ولد فجأة أشكالا من العصبية الداخلية محزنة جدا ومأساوية. في رأيي الحل في فيدرالية تأخذ بعين الاعتبار أن هناك ثلاث مناطق في اليمن: الشمال والوسط وهو تعز، والجنوب، إذا أردت التفكير بمستقبل اليمن.

• في كتابك ثورات بلا ثوار استخدمت مصطلح ثورات مغدورة، هل تعتقد أن ما حصل في اليمن وفي العالم العربي ثورات مغدورة؟

لا أذكر أنني أعطيت هذا المصطلح قيمة أكبر من القيمة الصحفية.. ثم لا، ليست مغدورة، هناك ثورات تنجح وأخرى تفشل، وثورات تقتصر على الردات المضادة للثورة، وثورات تنتهي بتسويات، وثورات تترك أثرا قابلا لأن يكون إيجابيا وفي ثورات تشكل ذاكرة تسمح بثورات ثانية. في رأيي أن المتداول عندنا تعريف للثورات ليس له علاقة بالثورات الحقيقية، يعني يتحدثون عن الثورة الفرنسية، الثورة الفرنسية بعد أربع سنوات انتهت باقتتال دموي ذهب ديكتاتور ولكن جاء نظام ملكي، وحتى تصير جمهورية كانت تحتاج لأربع ثورات، وليس ضروريا أن نكون مثلهم، الثورات علاج لأمراض خطيرة، وهو علاج خطير يمكن أن ينجح ويمكن أن يفشل، وقطعا يترك آثارا سلبية.

شهادة من زمن الثورة

• دكتور، نستعيد معك بعض ذكرياتك عن عمان .. أنت زرت جبال ظفار في عام 1970 كيف تستعيد تلك الذكريات وكيف جاءت ظروف تلك الزيارة؟

كنت طالبا في بريطانيا، وكنت ضمن لجنة متضامنة مع اليمن والجزيرة العربية، ومن خلال تلك اللجنة اكتشفنا ما يحدث في جبال ظفار والتدخلات الخارجية فيها خاصة من بريطانيا، وقد انتدبنا أنفسنا لكتابة كتاب حول تلك المنطقة أنا وزميلي البريطاني فريد هاليداي، وقد أخذنا سلفة لكتابة الكتاب وجئنا فعلا إلى عدن، ثم زرنا المنطقة المحررة في المنطقة الغربية، واستعدت تلك المنطقة قبل أيام عندما زرت محافظة ظفار، وكانت معنا كاميرات صورنا فيها بعض المشاهد.. وكان ذلك مهما بالنسبة للبريطانيين، وأتذكر أن الدقائق القليلة التي استطعنا تصويرها اشترتها منا إذاعة «بي بي سي»، وبعد عرضها خلقت جوا في بريطانيا ضد المشاركة هناك، وبالنسبة لي كان حصيلة الزيارة سلسلة مقالات ومقابلات نشرتها في ذلك الوقت في مجلة «الحرية». ثم عدت بعد ذلك في عام 2004 ونشرتها في كتاب «ظفار.. شهادات من زمن الثورة» ونشرتها كما كُتبت، ووقتها لم أضف عليها أي شيء عدا مقدمة الكتاب. ولي تقييم لما جرى هناك، ولكن لا أعتقد أن وقته هنا.. إنما منذ ذلك الحين لم تعد لي علاقة بعمان أبدا، رغم أني واصلت إلى فترة طويلة علاقتي باليمن. وقد سررت أخيرا أنني عدت إلى صلالة، ووجدت فيها شيئًا مختلفًا تمامًا، فبعد 48 سنة كان هناك عالم مختلف بكل المقاييس. عندما زرت المنطقة الغربية في عام 1970 نمنا في العشش والكهوف، والآن أنا سرت في طرق استثنائية ليس في المدينة فقط ولكن في كل الريف.

• في تلك الزيارة وعند لقائك بقيادات الثورة، هل وجدت ثورة ماركسية أم مجموعة من الناس ثائرين على الوضع المعيشي والاقتصادي في ذلك الوقت؟

سجل وأتحمل مسؤولية ما أقول.. وجدت ثورة مناطقية جاء جزء منها من يسار حركة القوميين العرب في جو التجذر بعد هزيمة 67 وسموها باسم الماركسية. لكن الذي فهمته أنا أن هناك تذمرا من الوضع الإداري للدولة في ذلك الوقت، ومن إهمال ظفار، وقد كتبت تقييمي لما رأيت في مقدمة كتابي، ومنه أن شطحة كبيرة في المسمى «من ظفار إلى الخليج العربي» واهتمام كبير لقضية القبائل. لكن هناك اهتمام كبير بظفار اليوم سواء في مجالات التعليم أو الصحة أقول هذا كمراقب ولكن أكثر من هذا ليس من حقي لأن متابعة الشأن العماني لم تكن ضمن اهتماماتي البحثية خلال السنوات الماضية.

• دكتور هل كنت ماركسيا ملتزما أم ثوريا وجد في الأفكار اليسارية ما يساعده في مشوار نضاله؟

الجواب البسيط كنت وما زلت ماركسيا ضمن أشياء أخرى، أنا داعية وحدة عربية، أنا أتيح لي فرصة التعليم ولكن أوقفت دراستي وجئت لفلسطين ولبنان للنضال.. دراستي التي كان يفترض أن أنجز فيها أطروحتي في عام 1972 أكملتها في عام 1993 بعد أن أنهيت تفرغي الحزبي، أكملتها من أجل العلم ولكن من أجل تحسين معيشتي وما زلت أستاذا جامعيا. بمعنى عندما تكون هناك ثورات لها مبرر أدعمها.. لكن ليس هناك ثوري بالمبدأ. نعم أنا ماركسي استخدم المنهج الماركسي في التفكير، وهو يغتني بمدارس مختلفة أخرى من أجل إنتاج معارف حول الوضع اللبناني أو الوضع العربي، وبناء على ذلك ألفت عددا من الكتب استهديت فيها بالماركسية سواء كان ذلك في الفلكلور كما في كتاب الرحابنة أو في دراسة طبقات المجتمع اللبناني أو في دراسة الثورات ولدي خمس كتب عنها.. كنت ماركسيا يتجدد ويغتني من تجربته ويحاول أن يفهم تجربته ويعبر عنها.

• كنت سأسألك أيضا هل تغيرت كما تغير العشرات من اليساريين.. سواء كان ذلك تغيرا عن المواقف أو مراجعة لها؟

أنا تغيرت ولم أرتد، هناك الكثير من زملائي ورفاقي انقلبوا من الماركسية إلى الليبرالية، أنا ديمقراطي ولست ليبراليا، الليبرالية لا تأتي بالديمقراطية...

• معروف أنك تهاجم الليبرالبية..

لا، لا أهاجمها.. رأيي أن الليبرالية قائمة على التعدد، نحن في حاجة إلى المواطنة المتساوية. نضجت كتاباتي كثيرا، وذلك بالعلم ولأني أمام تحديات أسئلة الطلاب، وأعتقد أنه بتطوري الفكري انتقلت من العلوم السياسية إلى التعبير عن أشياء معقدة أكثر بواسطة التاريخ والدراسات الفكرية والثقافية.. لا أجاري قسما كبيرا من اليساريين الذين انفلقوا بين مكونين: إما قوميين وإما عادوا إلى أساس قومي في زمن انحطاط القوميين وإما صاروا ليبراليين، في رأيي أن الماركسية أغنى منظومة فكرية لفهم ظروفنا من هذه التبسيطات.

• ألا تعتقد أن اليسار أصبح من الماضي؟

لماذا؟ أنا لا أتعاطى مع الأمور على أنها موضة، وما كان سائدا نمشي عليه!! تدريبي الفكري والمعاشي ماركسيا.. ماضي شوه!!

• ولكن دحرت حتى في عقر دارها؟

هل ما عمله ماركس كان للاتحاد السوفييتي؟ أنا في حياتي لم أذهب للاتحاد السوفييتي، وانتقدت الاتحاد السوفييتي علنا في كتبي عندما كان في عزه، ولم أدعَ للاتحاد السوفييتي رغم أنني كنت نائب أمين عام تنظيم شيوعي، ولم أعتبر نفسي خاسرا إلا في عدم تعرفي على الشعب الروسي. هل انهيار الاتحاد السوفيتي أنهى حاجة الناس للمساواة؟ انهيار الاتحاد السوفيتي زاد التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، وزاد أشكال التمييز، وزاد أشكال اللامساوة والدليل أن البنك الدولي رجع للحديث عن العدالة الاجتماعية.

• تتحدث عن الطبقات والفروقات رغم أن الاتحاد السوفييتي الذي طبق فيه الفكر الماركسي كان هو الأقل من حيث ظهور الطبقات فيما هناك دول أخرى كان ظاهرا فيها بشكل أكبر؟

أولا: التغيير لا ينجم أوتوماتيكيا عن البناء الطبقي إنما البناء الطبقي مرشد لحالة المجتمع، أنا رأيي قسم كبير من النوستالجيا العربية مهوسة بالسلطة والسياسية بما يسمى السياسي، أما أنا فمهووس بالمجتمع ومعرفة المجتمع. برأيي الطبقات إحدى تكوينات المجتمع وهي مؤشر إلى ما يمكن، وما يحدث، وهي تسمح بالتفسير، تستطيع القول: هذا ربيع عربي، ولكن تستطيع القول أيضا: إنه عندما ألغى بشار الأسد الدعم عن المحروقات انهارت الزراعة، وإن الذين يقاومون في الغوطتين هم فلاحون نزلوا خلال العشرين سنة الماضية وتحولوا إلى سكان عشوائيات. وبالتالي الذي يدرس المجتمع السوري يقول: هذه أحد الأسباب الأساسية لما جرى والدليل على ذلك هو أن سوريا أكبر بلد عنده عشوائيات في العالم.

نظرية المؤامرة

• دكتور، ألا تؤمن بوجود مؤامرة خارجية على العالم العربي بدأت بالغزو الأمريكي على العراق، ومن ثم مهدت للربيع العربي لتجعله كما هو عليه اليوم من الضعف والهوان؟

إذا كانت «سي أي أيه» تستطيع أن تنزل 40 مليون عربي إلى الشارع فأنا مع «سي أي أيه» هذا أولا، أما ثانيا فلماذا نريد مؤامرة، الغزو العراقي معلن. المؤامرة يكون هناك طرفان يتفقان ويتآمران ضد طرف ثالث، لكن هنا كان هناك هدف معلن هو حل الجيش العراقي، أين المؤامرة في حل الجيش العراقي، وتم حل حزب البعث العراقي، أين المؤامرة في هذا وقد كان هذا شعار الغزو.

• كان الهدف تدمير الأمة العربية ووضعها...

أنت صحفي؟ إذا تريد كتابة ذلك اكتبه...

• أنا صحفي وأنا أناقشك الآن.

لا. أنت تقول إن هناك مؤامرة وأنا لا أرى مؤامرة، فيه مؤامرة تفسر وفيه مؤامرة لا تفسر، لماذا يحتاج الأمر لمؤامرة إذا كان معلن الأمر تدمير الأمة العربية انطلاقا من غزو العراق لماذا؟ هناك حدث أساسي اسمه غزو العراق، وهو الذي دعا ملايين الشباب ليتظاهروا في مختلف الدول العربية ويطالبوا بتحسين أوضاعهم، هل المؤامرة حركت عشرة ملايين مصري.. من الذي حركهم؟! هل وظيفة الصحافة التبشير بالمؤامرات؟!!

• ليس وظيفة الصحافة التبشير بالمؤامرات أو الإيمان بها، ولكن أحيلك إلى عدد خاص واستثنائي صدر عن مجلة نيويورك تايمز العريقة طرح سؤالا لماذا تفكك العالم العربي؟ يرجع هذا العدد على سبيل المثال ما حدث في العالم العربي إلى بداية الغزو الأمريكي للعراق مرورا بما حدث في عام 2011.

أريد أن أرى هذا العدد.. ولكن إذا المجلة قالت: إنه يجب تقسيم العالم العربي وهناك مجلات تقول ذلك، هل معناه أن العرب الذين ثاروا لتحسين أوضاعهم يمارسون عملية التقسيم؟!!

• لا لا ليس الأمر بهذه الطريقة!

لماذا؟ مضت 100 سنة على سايكس بيكو، ولم يتم تقسيم العالم العربي، ثم إنهم دخلوا إلى العراق في عام 2003 لماذا لم يقسموه؟! الصحافة تسأل أسئلة ولا تقول إن هناك مؤامرات.

• لا بأس لنخرج من هذه الدائرة ونختتم بسؤال حول رؤيتك لمآلات العالم العربي في المرحلة القادمة؟

هذا ليس سؤالا صحفيا.. أنا لست سياسيا أو متنبئا أنا مناضل وكاتب.

• أنا أريد رؤيتك لهذه المآلات باعتبارك كاتبا وباعتبارك مناضلا أيضا.

ولا مرة قلت إنني أقرأ وضع المنطقة، فكل الذي أستطيع قوله إن هناك حدثا سياسيا حدث في عام 2011 أحدث ثورات، ثم عمل ردود فعل عليها أنتجت تدخلا خارجيا، وإذا أردت المطلوب، فالمطلوب إيقاف القتل والقتال في الوطن العربي، أما إلى أين تذهب الأمور فهذا في التنبؤ، وأنا لست متنبئا، وهذه المدرسة تستطلع الغيب، وأما الحديث عن تجزئة المنطقة فأريدك أن تجاوبني من المسؤول عن هذه التجزئة ولا تقل لي مجلة التايمز كتبت وقالت، وإذا فيه مؤامرات فلماذا تنفذ بأيد عربية؟ لماذا تجر هذه الملايين؟ حديثك عن المؤامرة معناه أننا أناس بلا إرادة ننفذ إرادات خارجية، وأنا أرى أن هذا يبطل عنده القول ويبطل عنده الفعل.. ونقف عند هذه النقطة من الحوار.

• أحترم رأيك.. لنقف عند هذه النقطة.

أشكرك