أفكار وآراء

السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط عام 2018

31 مارس 2018
31 مارس 2018

د.فالح حسن الحمراني/ كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

حدد تقرير للمجلس الروسي للشؤون الخارجية المهام الرئيسية لروسيا في منطقة الشرق الأوسط عام 2018 بمنع وقوع اشتباك عسكري كبير بين ايران والدول الإقليمية ، اي المملكة العربية السعودية أو اسرائيل او غير الإقليمية (اي الولايات المتحدة الامريكية)، وتعزيز فكرة الأمن الجماعي في منطقة الخليج اضافة للحفاظ على العلاقات الودية وتعزيزها مع الدول الرئيسية في العالم العربي وغيرها.

كما يرى تقرير المجلس «السياسية الخارجية الروسية : نظرة في عام 2018» الذي تضمن قراءة واسعة للتوجهات المحتملة للسياسة الخارجية الروسية عالميا، ان من مهام موسكو في الشرق الاوسط ايضا مكافحة التهديدات بانتشار اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط ، والعمل للحيلولة دون تحول المنطقة الى نقطة إعداد للإرهاب الدولي وتصديره. وفيما يتعلق بالنزاع السوري فإن مهمة روسيا ستغدو الاحتفاظ بالمواقع السياسية في سوريا، وفي ظل ظروف الانتقال من العمليات العسكرية الى البرامج الاجتماعية ـ الاقتصادية الرامية لإعادة بناء سوريا ، يلفت التقرير الى ان البحث عن توجهات وآليات لتفاعل روسيا الحيوي مع الاتحاد الأوروبي يكتسب أهمية خاصة.

ويرجح التقرير ان القوات المسلحة الروسية الى جانب القوات الحكومية السورية والحلفاء الآخرين ستلحق في عام 2018 الهزيمة بما يسمى بـ (داعش) في سوريا، واستدرك : انه بالرغم من ان « داعش» وبنيتها التحتية يمكن ان تنبعث في مناطق اخرى، فستحتفظ روسيا بحضورها العسكري في سوريا. وسيحتفظ بشار الأسد خلال عام 2018 بالسلطة. وثمة احتمال كبير بأن عملية المباحثات السورية/‏‏‏‏ السورية في جنيف ستتعثر، ولكن سيتم الحفاظ عليها بمثابة آلية للمباحثات. ومن المحتمل ان تتسع الفجوة بين عمليتي جنيف وأستانا(كازاخستان). ولا يستبعد التقرير ان اقتراح روسيا الرامي لعقد مؤتمر للحوار الوطني في سوريا سيتغلب على هذه الفجوة ويتجاوزها. ووفق تقديراته فإن الكثير سيعتمد على تشكيلة المشاركين في المؤتمر ومستوى واتساع تمثيلهم وهو ما ظهر جانب منه في مؤتمر سوتشي الأخير. في غضون ذلك ستبقى القضية الكردية من بين المشاكل الأكثر حدة التي لم تجد لها حلا. وستشارك روسيا في اعادة بناء سوريا فضلا عن تطوير حقول المعادن في البلاد واستخراجها ومن بينها مشاريع «ستروي ترانس غاز» في مجال الفوسفات. وسيحظى عام 2018 بأهمية من زاوية البحث عن اشكال مُثلى للتفاعل بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من اللاعبين في اعادة إعمار سوريا. ولكن التقرير يستبعد احتمال التعاون على المستوى الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة في القضية السورية. وسوف يتم حظره بما في ذلك بسبب تنفيذ احكام العقوبات الأمريكية في عام 2018 ، التي فرضتها واشنطن على روسيا. وعلى الرغم من الحفاظ على الاتصالات بين العسكريين الروس والأمريكيين يمكن حدوث اصطدامات خلال تنفيذ العمليات الخاصة في سوريا .

ويلفت التقرير الى أن تصعيد المواجهة بين ايران والولايات المتحدة يمكن ان يؤثر على الاستقرار الاقليمي. وأضاف : انه في ظل هذه الخلفية فإن موسكو ستعمل على تفعيل علاقات روسيا التجارية ـ الاقتصادية بالشرق الاوسط. وفي هذا السياق اشار التقرير الى ان العلاقات الاقتصادية مع ايران ستتمحور حول مشاريع «روسنفت» وشركة النفط الوطنية الايرانية، وتطوير شركة «غاز بروم» لحقل « فارزاد في» واستثمار «لوكويل» لحقول «منصوري» و «اب ـ تيمور» فضلا عن مشاركة « روس آتوم » في بناء المفاعل النووي لمحطة « بوشهر» الكهروذرية وغيرها.

وعلى صعيد بلدان المنطقة الأخرى ، ومن بينها الدول العربية والإسلامية وجوانب تفاعلها في بعض المجالات مع روسيا، يرى التقرير ان العراق سيشهد انتخابات برلمانية، وسيحتفظ رئيس الوزراء حيدر العبادي بالسلطة. وسيتم تنفيذ العقود مع موسكو في مجال التعاون العسكري/‏‏‏‏ الفني. ومن المستبعد ان تنبعث داعش في الأراضي العراقية، بالرغم من استمرار الأعمال الإرهابية.

وفي قراءته للمشهد في مصر اشار التقرير الى الانتخابات الرئاسية - التي جرت قبل ايام - ستواصل تعزيز سلطة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال ان لدى روسيا فرصة جيدة لتطوير مشاريع التعاون في مجالات الطاقة والمجالات العسكرية والفنية، وعلى وجه الخصوص تطوير حقل «ظهر» للغاز والبدء في انشاء محطة الطاقة النووية في «الضبعة» ، وقد تم التوقيع بالفعل بين البلدين اثناء زيارة بوتين الأخيرة لمصر .

وحسب وجهة نظر تقرير المجلس الروسي للشؤون الخارجية فإنه على الأرجح ستواصل المملكة العربية السعودية التنسيق مع روسيا بشأن أسعار النفط، الامر الذي، من وجهة نظر المجلس الروسي للشؤون الخارجية، لن يلغي نهج الرياض تجاه السياسية الروسية في سوريا والعلاقات مع ايران.

على صعيد آخر تشير الدلائل الى ان الوضع باليمن في عام 2018 سوف يزداد سوءا، بالرغم من ان تأثير الأزمة اليمنية على روسيا سيكون ضئيلا. وبالنسبة لليبيا سيكون من تداعيات انتهاء فترة سريان مفعول اتفاقات الصخيرات في 17 ديسمبر 2017 ، بذل محاولات لحل الأزمة الليبية بالقوة وهو ما حدثت بعض جولاته الفعلية ولكنها توقفت كما ان تحسن الوضع في ليبيا سيفتح فرصا امام روسيا للتعاون مع شركة النفط الليبية.

وستجرى في عام 2018 الانتخابات البرلمانية في افغانستان . وارتباطا بذلك قد يزداد الوضع تفاقما ويجري تعزيز حضور القوات الأمريكية والأطلسية هناك . ان إعادة التعاون بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في افغانستان أمر مستبعد للغاية. وسيقوم الرئيس التركي طيب رجب اردوغان في عام 2018 بزيارة لموسكو، الأمر الذي سيتيح فرصا اضافية لمناقشة العلاقات الثنائية والوضع في سوريا. ومن المرجح ان تستمر ديناميات استعادة الشراكة مع تركيا، على الرغم من ان الحوار حول سوريا بين انقرة وموسكو سيظل صعبا للغاية.

وبودنا ان نضيف ان القراءة المتأنية للتوقعات التي يتضمنها التقرير ومواقف روسيا منها، يظهر بجلاء ان موسكو معنية اكثر من اي طرف آخر باستتباب الاوضاع واستقرارها في الممنطقة. وبحل النزاعات بالطرق السياسية وان التوصل الى المصالحة الوطنية،في الدول التي تشهد صراعات داخلية، سيفتح الآفاق لتوسيع تعاون روسيا مع الدول العربية والإسلامية، وسيصب ذلك في مصالحها ويتلاءم مع عقائدها السياسية والعسكرية . خاصة وان تحول منطقة الشرق الى منطقة سلام وأمن وتفاهم وصداقة بين دولها، ينسجم مع رؤية روسيا الاستراتيجية.