صحافة

الاستقلال: أجــراس العـــودة حتـما ستُقـــرع

30 مارس 2018
30 مارس 2018

في زاوية أقلام وآراء كتب الدكتور وليد القططي مقالا بعنوان: أجراس العودة حتما ستُقرع...، جاء فيه: مع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة، وفي خضم التجهيز لفعاليات مسيرة العودة الكبرى، نتذكر أُغنية فيروز عن العودة التي غنتها عام 1966 وقالت فيها: «الآن الآن وليس غداً..

أجراس العودة فلتُقرع» مُعبّرة عن الأمل الكبير الذي كان يسكن اللاجئين الفلسطينيين بالعودة المؤكدة إلى الوطن والرجوع القريب إلى الديار، وهذا الأمل اليقيني بالعودة أكده هارون هاشم رشيد في إحدى قصائده قائلا: «عائدون عائدون إننا لعائدون..فالحدود لن تكون والقلاع والحصون..فاصرخوا يا نازحون إننا لعائدون». ولم يستمر هذا الأمل طويلا فقد أجهضته النكسة عام 1967 عندما ضاعت بقية فلسطين لتصبح (إسرائيل) فضاع حُلم العودة للوطن وتبدد الأمل في الرجوع إلى الديار وخيم اليأس على اللاجئين وتحوّل حلمهم إلى كابوس جعل نزار قباني يعتذر إلى فيروز مشككا في العودة فكتب قصيدة يُعبّر فيها عن ذلك الشعور اليائس قال فيها: «عفوا فيروز ومعذرةً..أجراس العودة لن تُقرع». إلا أن نزار قباني لم يكن يعلم أن حال العرب سيزداد سوءا بعد عقودٍ من الزمن على النكبتين، هذا الواقع السيئ صرّح به تميم البرغوثي قائلا: «عفوا فيروز ونزار فالحال الآن هو الأفظع...

إن كان زمانكما بشعا فزمان زعامتنا أبشع». ومع كل ذلك اليأس من العودة إلى فلسطين، إلا أن حجم الأمل بالعودة أكبر منه، والحديث عن الأمل هنا ليس مجرد أمل مبني على عاطفة الحنين للوطن أو مجرد حُلم بعيد المنال أو أُمنية لا يمكن تحقيقها؛ بل يقينا مستمدا من سُنن التاريخ ومعطيات الواقع ومنطق القرآن، فالعودة هنا يقينية وأجراس العودة حتما ستُقرع، وأصوات المآذن المنادية بالعودة قطعا ستصدح، وحلم العودة بالتأكيد سيتحقق كما أنشد عبد الكريم الكرمي قصيدته (غدا سنعود) التي قال في أبياتها: «غدا سنعود والأجيال تصغي..إلى وقع الخطا عند الإياب..مع الأمل المُجنّح والأغاني..

مع النسر المُحلّق والعقاب». وإذا انتقلنا إلى التاريخ لنستمد منه إيماننا بيقين العودة وقارنا بين نموذج الاحتلال الصليبي لفلسطين الذي زال ونموذج الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي سيزول حتما لنرى أوجه الشبه بينهما، فكلاهما يرتكز على شرعية دينية تزعم أحقيتها بالأرض المقدسة (فلسطين)، وكلاهما مرتبط بمشروع استعماري غربي أكبر ورأس حربة له ويعتبر نفسه طليعة للحضارة والتقدم، وكلاهما احتلال عسكري توسعي واستيطاني إحلالي وله طبيعة عنصرية، وكلاهما اعتمد على العنف وإدامة العنف في وجوده واستمرار وجوده وعلى ضعف العرب والمسلمين وتفرّقهم في المحافظة على كيانه...

وما يجمعهم أيضا هو الرفض العربي والإسلامي لشرعية الاحتلال- رغم توقيع اتفاقيات هدنة وسلام في كلتا الحالتين- وهذا الرفض الشعبي هو كلمة السر التي قضت على الكيان الصليبي، وهي نفس كلمة السر التي ستقضي على الكيان الإسرائيلي مهما طال الزمان أسوة بالكيان الصليبي.

أما معطيات الواقع الدالة على يقيننا بالعودة فهي عناصر الضعف التي بدأت تظهر في الكيان الإسرائيلي ومنها تفكك وضعف الكيان من الداخل وأن النواة العلمانية الإسرائيلية الصلبة التي كانت أساس الاستيطان الإسرائيلي بدأت تتآكل، وأن المجتمع الإسرائيلي تحوّل إلى جماعات سماها رئيس الكيان بـ(القبائل المختلفة التي لا تتخالط فيما بينها) وتفضل كل قبيلة أن ترى نفسها وتتجاهل الآخرين، كما أن الميزان الديموغرافي بدأ يميل لصالح الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية الأمر الذي يقوّض أساس المشروع الإسرائيلي المستند إلى مقولة فلسطين أرض بلا شعب وهو السبب الذي جعل الكاتب الأمريكي اليهودي (بنيامين شفارتس) يتنبأ بزوال (إسرائيل) قبل تمكنها من الاحتفال بالذكرى المائة لتأسيسها، وهو نفس السبب إضافة للمقاومة التي جعلت رئيس الأركان السابق (موشي يعلون) يخشى بسببها من زوال دولته.

وأضاف آخرون عوامل أخرى تُعجل من زوال الدولة الإسرائيلية منها عدم قدرتها على شرعنة وجودها في الإقليم واستمرار رفضها عربيا وإسلاميا وتراجع الرواية الإسرائيلية عالميا وتآكل قوة الردع لجيشها.

وأخيرا وفق منطق القرآن وآياته فإن زوال (إسرائيل) حتمية قرآنية، وهذا يُفهم من نصوص الآيات ومنطقها وروحها التي تتحدث في سورة الإسراء التي تُسمى أيضا بسورة بني إسرائيل ودون الدخول في التفاصيل فهي تتحدث عن إفسادين وعلوّين لبني إسرائيل هناك خلاف بين المُفسرين على زمان الإفساد والعلو الأول، ولكن لا خلاف بين المُفسرين المعاصرين على الإفساد والعلو الثاني الذي نعيش زمانه، أو على الأقل فنحن في مرحلة «وإن عدتم عدنا» أي إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى إساءة وجوهكم وتتبير علوكم وتدمير إفسادكم، وكلا الرأيين يؤديان إلى نفس الفهم وهو أن بني إسرائيل قد جاءوا من كل أنحاء الأرض إلى فلسطين وأن دولتهم تعيش إفسادا حقيقيا عظيما وقوة وعلوا وأنهم قد أُمدوا بأموال وبنين وهم أكثر قدرة على الحرب بحبل من الناس ودعم الدول الكبرى ولم يبق إلاّ العودة إلى تدمير إفسادهم بتدمير دولتهم عندما يأتي وعد الآخرة. وبذلك يُمكن القول بأن أجراس العودة حتما ستُقرع.