أعمدة

نوافـذ :خطأ واحد.. لا يكفي لقتل إنسان

30 مارس 2018
30 مارس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تناقل الـ «واتسأبيون» عبر مجموعاتهم المتعددة فقرة عنونت بـ (حكمة جميلة) تضمنت النص التالي: «اكره الخطأ؛ ولكن لا تكره المخطئ، ابغض المعصية؛ ولكن ارحم العاصي، انتقد القول؛ ولكن احترم القائل، فإن مهمتك أن تقضي على المرض؛ لا المريض» انتهى النص، فمجموعة المعاني المبطنة في هذه الفقرة بجملها الـ (7) تفضي إلى الكثير من المفاهيم، وهي مفاهيم تحتاج إلى كثير من التمعن، لأن العلاقة القائمة بين الخطأ وصاحبه علاقة فيها الكثير من التماس، وهذا التماس لا يقتصر على كليهما، بل يذهب أيضا إلى الآخرين من حولهما، فالمخطئ لا يعيش معزولا عن الآخر، ولأنه قريب جدا من هذا الآخر، فلا يجب أن تؤخذ هذه الجمل الواردة في الفقرة ذاتها أعلاه؛ هكذا على علاتها، وإلا لضاعت حقوق، وكثرت مظالم، وهنا الإشكالية الأكثر موضوعية عند الاستسلام لمثل هذه الرؤية التي كتبها صاحبها، قد يكون قاصدا، وقد يكون غير ذلك تماما، وأتصور، وإن كنت لست جازما، أن من يكتب بهذه الحرفية في انتقاء الجمل، والمعاني التي تحملها، لا أتصوره أنه يكتب من فراغ، وإنما يذهب بعيدا إلى حيث المقصد الذي يريد تحقيقه من هذه الكتابة، وتمريره على القارئ الـ «مسكين» بكل أريحية.

جاء في النص، أن درجات تغيير المنكر تمر بثلاث مراحل: باليد؛ إن كان صاحب سلطة ما: سلطة قانونية، سلطة أبوية، عرف اجتماعي، او باللسان: لصاحب المعرفة- حيث الوعظ والإرشاد والنصيحة- أو بالقلب؛ وذلك أضعف الإيمان، وهذه القاعدة الفقهية؛ إن تجوز التسمية؛ لا تترك لصاحب الخطأ الاستمراء، أو الاستمرار على خطئه، فلا بد من الأخذ بيد بالمخطئ، والأخذ بيد المخطئ، وفق إحدى الدرجات الثلاث، ليس في ذلك من امتهان لكرامته، أو تقليل من شأنه، أو خطوة من إقصائه، والقضاء على المرض؛ وفق الحكمة أعلاه؛ لن يتم إلا بإنزال المريض على إحدى درجات تغيير المنكر الثلاث، مع الإيمان بـ «أن خطأ واحدا لا يكفي لأن نسقط فيه هذا الإنسان من عليائه، ومن كرامته، ومن أخلاقه، ومن أفضاله، ومن مساحات السعادة التي يعيشها، ومن حالات الرضا التي يتمتع بها، ومن عطاءات اليد والنفس التي يقوم بها، فخطأ واحد؛ فقط؛ لا يكفي لننقل فلان من الناس من حالة اليسر إلى حالة العسر، ومن كريم الأخلاق إلى أسوئها، ومن نصاعة النفس إلى تشويشها، ومن سلامة المقاصد إلى مفاسدها» هذه الفقرة منشورة في مقال سابق بتاريخ 28/‏‏1/‏‏2017م.

أعي تماما أن لحظة ارتكاب الخطأ عند أي منا، تمر أكثر ما تمر بالحالة النفسية التي يعيشها أي منا، سواء ارتكب هذا الخطأ عن قصد وتعمد، أو ارتكب في حالة نفسية غير واعية، ففي كلا الأمرين أن الخطأ قبل أن يرتكبه صاحبه، يكون عايشه كصورة ذهنية، وتجول في عقله الباطن، حتى تكونت الصورة كاملة لديه، ومن ثم قرر ارتكاب الخطأ؛ مع معرفته بأن ما هو مقدم عليه خطأ، وأن هذا الخطأ قد يكلفه الشيء الكثير، وأن هناك ثمنا سوف يدفعه عاجلا أو آجلا، ومن هنا يأتي «تجريم» الخطأ، وتعيين العقوبة على المخطئ، إذن وحتى يتم: «فإن مهمتك أن تقضي على المرض؛ لا المريض» كما جاء في النص، فلا بد لهذا المريض أن يمر بحالة «تطهير» عملية، يذق فيها حقيقة الألم الذي قد سببه للآخر، سواء بقصد أو بغير قصد، وحالة التطهير هذه؛ كما قلت؛ لا تنتقص من كرامته، وقدره بين الناس، ومن يغالي في تقييم النظرة تجاه من ارتكب خطأ ما، وبعد أن أخذ جزاءه، فذلك غير، يحمل المعاني فوق ما تحتمل، وهذا الموقف ليس من الحكمة في شيء.