1290497
1290497
إشراقات

خطبة الجمعة تحذّر من الرشاوى وتؤكد أن الورع لا يلتزم به إلا المؤمنون الصادقون

29 مارس 2018
29 مارس 2018

الإنسان عليه أن يكون ورعا في جميع أحواله -

تدعو خطبة الجمعة لهذا اليوم إلى الورع، مبينة أن الإنسان عليه أن يكون ورعا في جميع أحواله، ومن أهم ما ينـبغي أن يتورع فيه هو المعاملات المالية، فالقليل من أموال الناس يورث النار، فعليه ألا يقترب مما ليس له، سواء كان ذلك من مال غيره من البشر أو من مال تابع لأي مؤسسة خاصة أو عامة، وأن يحذر كل الحذر من الرشاوى وما شابهها، مؤكدة على أن الورع لا يلتزم به إلا المؤمنون الصادقون، ولا يقف عند حدوده إلا الأتقياء المخبتون، الذين لامس الإيمان شغاف قلوبهم، فهو مرتبة من الدين عالية. وهنا نص الخطبة كاملا تحت عنوان: «خير دينكم الورع».

الحمد لله الذي جعل الورع وقاية للمؤمنين من الوقوع في معصيته، وأفاض عليهم من مخافته ما باعد بينهم وبين مخالفته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أمر باتقاء الشبهات، وحذر من الاقتراب من المعاصي والمخالفات، وعلى آله وصحبه وعلى أتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بما فيه رضاه، فاتقوا الله وأطيعوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واعـلموا أن الله تعالى قد بيّن لكم الدين، وأتمّ عليكم النعمة، فعرّفكم الحلال لتأخذوه براحة واطمئنان، وبيّن لكم الحرام لتحذروا من الوقوع فيه والاقـتراب منه، وسكت عن أمور رحمة بالبشر، فما كان منها قريبا من الحلال وشبيها به فقد أباحه لكم، وما كان منها قريبا من الحرام وشبيها به فقد نهاكم عنه، وما أشكل عليكم فقد دعاكم الحق جل وعلا إلى الوقوف عنه، ووجهكم إلى الحذر منه، لتجعلوا بينكم وبين الحرام مسافة، فتكونوا باقين في دائرة السلامة، والسلامة لا يعدلها شيء، وذلك هو الورع -يا عباد الله- يقول النبي: «إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات اسـتبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه».

أيها المؤمنون:

إن الورع منزلته رفيعة، ودرجته سامية؛ لأن الباعث عليه هو الحرص على طاعة الله ومرضاته، والداعي إليه هو الحذر من معصية الله وسخطه، فلا يلتزم به إلا المؤمنون الصادقون، ولا يقف عند حدوده إلا الأتقياء المخبتون، الذين لامس الإيمان شغاف قلوبهم، فأنست لذكر الله وطاعته، واشمأزت من الاقـتراب من مخالفته ومعصيته، فهي مرتبة من الدين عالية، لذلك وسمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها خير هذا الدين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فضـل العلم خير من فضـل العبادة، وخير دينكم الورع».

أيها المسـلمون:

إن كثيرا من الناس يسـتهينون ببعض الذنوب ولا يلقون لها بالا، ويحسبونها هيـنة وقد تكون تلك الأعمال عند الله عظيمة، مصداقا لقوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، وقد غفل أولئك أن الحساب سيكون دقيقا يوم القيامة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، فلا ينبغي من العاقل أن يحـقر شيـئا من الذنوب والمعاصي، فمن أصر على صغيرة من صغائر الذنوب صارت كبيرة، فلا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار.

أيها المؤمنون:

إن الإنسان عليه أن يكون ورعا في جميع أحواله، ومن أهم ما ينـبغي أن يتورع فيه هو المعاملات المالية، فالقليل من أموال الناس يورث النار، فعليه أن لا يقترب مما ليس له، سواء كان ذلك من مال غيره من البشر أو من مال تابع لأي مؤسسة خاصة أو عامة، وأن يحذر كل الحذر من الرشاوي وما شابهها، بحجة أنها هدية من المراجعين، فعليـك أيها العاقل الفطن أن تكون ورعا حتى لا تكون تلك رشوة فتحـمل وزرها يوم القيامة، وقد اسـتعمل رسول الله  رجلا من الأزد على صدقات بني سليم، يدعى: ابن الأتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عل: «فهلاّ جلست في بيت أبيك وأمـك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا»، ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإني أسـتعمل الرجل منكم على العمل مما ولاّني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه، إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة...»، فمن كان على وظيفة من الوظائف، لا يجوز له أن يأخذ شيـئا من المراجعين لإتمام معاملاتهم، فإنه يفـتح لنفسه بابا من أبواب الحرام، ويشجع بعمله ذلك على انتشار الرشاوي التي تؤذن بفساد عظيم وخلل جسيم في أنظمة الدولة وإجراءاتها، مما يمهّد لانتكاسات لا يعـلم عاقبتها إلا الله تعالى.

فاتق الله -أيها المؤمن الفطن-، واحـذر من أن تخلط الحرام بما رزقك الله من رزق حلال، فليست العبرة بكثرة الأموال، وإنما العبرة بحليتها وكثرة بركتها وأثرها في نفسك وعيالك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

إن مجالات الورع كثيرة، فمن ذلك حفظ المرء جوارحه حتى لا تقع فيما يغضب الله تعالى، فيحـفظ بصره ولا يمده إلا إلى ما أباح الله له النظر إليه، فإن النظر سهم من سهام إبـليس، فمن أطـلق لبصره العنان فتح لنفسه بابا للوقوع في العصيان، ومن غض بصره زكت نفسه واسـتنار قلبه، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، ومن الجوارح التي قد توقع الإنسان في الشر والعصيان جارحة اللسان، فإن له آفات كالكذب والغيبة والنميمة والشتم وغيرها مما يوقع صاحبه في المشكلات مع الخلق، ويبعده عن رضوان الخالق، وقد قال رسول الله  يوما لمعاذ بن جبل -وقد أخذ بلسانه-: «كف عليـك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمـك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

فاتقوا الله -عباد الله-، واتخذوا الورع خلقا، تنالوا السلامة دنيا وأخرى.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).