أفكار وآراء

تشكيل مجلس إدارة الشركة

28 مارس 2018
28 مارس 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

وفق قوانين الشركات التجارية فإن مجلس إدارة الشركة يشكل رأس الرمح في قيادة الشركة وعليه يتم الاعتماد التام في نفخ الروح القوية في جسم الشركة والإدارة التنفيذية العليا وكل من له علاقة بالشركة. وفي العادة يقوم المساهمون في الشركة باختيار وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة ممن تتوفر فيهم الثقة والكفاءة للقيام بهذه المهمة، هذا وتشترط بعض القوانين تعيين المساهم في مجلس الإدارة إذا تملك هذا المساهم نسبة معينة من أسهم الشركة. وللمساهمين سلطة قانونية في التعيين وكذلك العزل في حالات معينة، ولكن فوق كل هذا فإن مجلس الإدارة هو المسؤول الأول عن أمور الشركة وتظل هذه المسؤولية قائمة إلى أن تتم تبرئته بالكامل من المسؤولية آخر كل عام بواسطة المساهمين.

وما ظل عليه الوضع أن قانون الشركات التجارية يجعل تشكيل مجلس الإدارة في يد المساهمين، أصحاب المال، وربما يهيمن حاملو غالبية الأسهم على مجلس الإدارة هيمنة تامة وبالتالي يفرضون إرادتهم في كل صغيرة وكبيرة في الشركة وهذا بالطبع له محاسن كثيرة بالنسبة لهم ولكنه قد يضر بمصالح الآخرين نظرا لعدم وجودهم عند نظر الأمور أو داخل مجلس اتخاذ القرار.

من هذا، إضافة لنقاط أخرى، ظهرت الحاجة لاستحداث حوكمة الشركات وانتهاج مواثيق جديدة لضمان توفر الإدارة الرشيدة لشركات المساهمة العامة لحساسية دورها المؤسسي في تركيبة الهيكلة التجارية والاقتصادية. وبعد تجارب تم وضع المبادئ العامة لحوكمة الشركات، وتتمحور هذه المبادئ في توفير البيئة والمناخ السليم للمستثمرين وشتى أنواع المتعاملين للقيام بنشاطاتهم وفق الأطر المهنية السليمة.

من المبادئ الجديدة التي يجب اتباعها، وربما تعديل القوانين إذا دعت الحاجة لتحقيقها، النظرة الجديدة لتكوين مجالس إدارة شركات المساهمة العامة حيث تم وضع مبادئ قانونية جديدة تشترط وجود نسبة من الأعضاء المستقلين “اندبندنت” في مجالس إدارة الشركات. وهذه المبادئ الجديدة قد تقلب الطاولة في وجه الحرس القديم لمجالس الإدارة لأن تطبيقها بالضرورة قد يقود لفقدانهم السلطة التي ظلوا يحتمون تحت ظلها. ونسبة الأعضاء المستقلين قد تصل إلى ثلث العضوية وتحديد هذه النسبة يتوقف على مدى الرؤية في إشراك أطراف مستقلة في إدارة الشركة وما يترتب على ذلك في إدارة الشركة بعيدا من المصالح الشخصية وتضارب المصالح الذاتية.

ولكن من هو هذا العضو المستقل؟ وكيف نحدد هذه الاستقلالية؟ وما هي المعايير التي نتبعها للوصول إلى معيار الاستقلالية؟ وهل هناك معيار واحد “ستنادآرد” في كل مكان؟. حقيقة ليس هناك معيار واحد بل نلاحظ بعض الاختلافات مثلا، ولو طفيفة، بين المعيار الأمريكي والمعيار الأوروبي حيث يشير الأول إلى أن العضو المستقل هو ذلك الشخص الذي ليس له علاقة رسمية أو تعاقدية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع الشركة، إضافة إلى أنه لا يملك أية أسهم في الشركة كما أن هذا الوضع يتسع بحيث يشمل العلاقة بكل الشركات المرتبطة وذات العلاقة بالشركة الأم. ونلاحظ أن المعيار الأوروبي يختلف في الجزئية التي تنص على أن الشخص المستقل هو من لا يملك نسبة مؤثرة أو حصة مسيطرة في أسهم الشركة أي أن مجرد التملك البسيط للأسهم لا يؤثر في اعتبار الاستقلالية. ونلاحظ أن بعض البلدان تشترط أن يكون العضو المستقل للشركة ليس له علاقة بأي مساهم رئيسي في الشركة ولا يكون قد عمل في أية وظيفة إدارية أو استشارية في الشركة أو الشركات المرتبطة بها أو لا يكون من المتعاقدين أو الموردين أو من الزبائن البارزين لهذه الشركة أو الشركات المرتبطة بها. وبصفة عامة، فإن التوجه في تعريف أو تحديد العضو المستقل يهدف إلى التأكد من انقطاع أية علاقة بين هذا العضو والشركة وأخواتها ومساهميها.. والغرض من كل هذا ضمان الاستقلالية التامة والتأكد من أنها متوفرة لدرجة تمكن هذا العضو من ممارسة مهامه في مجلس الإدارة وهو مستقل استقلالا كاملا… وكل هذا أيضا لضمان توفر نسبة معقولة في الإدارة تتخذ قرارها بوازع مهني مستقل عن أية مؤثرات ذاتية قد تخدش فكره أو عقله أو مزاجه عند اتخاذ القرار.

ومن هذه الاستقلالية تتوفر الكثير من الضمانات لصغار المستثمرين وللشركة والجهات المرتبطة بها وبهذا قد يلعب الأعضاء المستقلون في مجلس إدارة الشركة دورا هاما في قيادة الشركة إلى بر الأمان بعيدا عن الصراعات بين أصحاب المصالح الشخصية والتي قد تكون بعيدة عن السطح ولكن أوارها تشتم رائحته في كل أركان الشركة مما قد يتطلب التجرد والنأي عن النفس… وهذا قد لا يتوفر إلا من أعضاء مستقلين بعيدين عن كل هذه الصراعات.

ولهذا نلاحظ أن معظم القوانين المنظمة الآن لهيكلية شركات المساهمة العامة تتطلب وجود أعضاء مستقلين في مجلس إدارة الشركة وفق التعريفات والمعايير الموضوعة لهذه الاستقلالية. وفي الاتجاه نفسه تسير الهيئات والجهات المنظمة لأسواق المال والبورصات حيث توجد مواثيق تطالب كل الشركات المدرجة في أسواق المال بتعيين أعضاء مستقلين في مجالس إدارة الشركات لضمان التوازن بين المصالح الشخصية والمصالح العامة التي يتطلع لها الجميع، وهذا الوضع الآن ليس مثاليا بل أصبح أمرا حتميا لا بد منه.