tunais
tunais
أعمدة

لص في عقله شهرة !

27 مارس 2018
27 مارس 2018

تـونـس المحـروقـية -

الدرس الأول الذي ستتعلمه في أي جامعة معتمدة في العالم هو أن تقوم بتوثيق المصادر التي نقلت أو اقتبست منها في بحوثك وتقاريرك الدراسية، سيخبرك مدرسوك أو بعض الموظفين المختصين قبلهم خلال الأسبوع التعريفي في تلك الجامعة أن من أخلاقيات النقل والاقتباس من أي مصدر هو أن تذكر اسم المصدر الذي أخذت منه المعلومة وأن تحدد مقدار ما أخذته بوضعه مثلاً بين علامات تنصيص أو قوسين وخلافه.

ربما تكون قد عرفت تلك المعلومة في فترة مبكرة من حياتك كأن تكون قد تعلمتها في المدرسة، لكن تلك المدارس غالبا لم تحاسبك على تقديمك البحوث المجهولة الهوية ذات المصادر غير الواضحة التي قد تشتريها جاهزة من محل القرطاسيات المجاور للمنزل أو تعدها بنفسك في أحسن الأحوال دون معرفة واضحة بقواعد النقل والاقتباس والتوثيق.

ستجد نفسك بعد إلزامك بقواعد النقل تستاء في البداية من فكرة أنك ملزم بأن توثق كل سطر تنقله من كتاب، ستقول: لماذا علي أن أفعل هذا العمل المرهق وهم يعرفون أنه من الطبيعي أن أرجع في بحثي لمصادر لست أنا من كتبها؟ لكنك ستنصاع للأمر في النهاية وإلا وجدت لجنة التحقيق الخاصة بالسرقات الأدبية أو الانتحالات «أو أي اسم آخر لها» تستدعيك لتنبيهك ومحاسبتك ولو كنت في بلدان متقدمة تعليمياً قد تجد الجامعة تصدر قرارا بطردك بعد نقاش بسيط معك تتبين فيه نواياك في سرقة جهد غيرك ونسبه لنفسك.

كثير منا ممن درس في جامعات الدول الغربية المتقدمة يعرف أن في الدراسة الأكاديمية يعد نقل جملة من كتاب دون ذكر المصدر سرقة أدبية أو انتحالا ويحال بموجبها الطالب للجنة التحقيق الخاصة بهذا المجال لتحديد العقوبة التي يستحقها بحسب درجة انتحاله، وتؤكد الجامعات في الوطن العربي أيضاُ على ضرورة توثيق المصادر المستخدمة في البحوث ولكن ربما درجة مراقبتها لمدى التزام الطالب من عدمه وعقابه يقل بكثير عن درجة الاهتمام في الدول الغربية، ونتاجا لذلك نلاحظ في مجتمعاتنا تبريرا عاليا لممارسي السرقات الأدبية في الجامعات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي «وكر النقل دون ذكر المصدر»، إذ يقولون أنها حدثت دون نوايا شريرة مبيتة وأنه قد يكون توارد خواطر وأننا ينبغي أن لا نسرف في لوم السارق حتى لا تتأثر نفسيته مهما كان حجم سرقاته ووضوح نوايا السرقة من طريقته في ترتيبها ونشرها.

تدخل أنت عالم وسائل التواصل الاجتماعي ولديك الرغبة في قراءة محتوى متخصص جيد أو حتى عام مما ينشره المستخدمون لهذه الشبكات، فيصدمك غياب احترام حقوق التأليف، والنقل العشوائي لكل ما ينشر من محتوى جيد دون أسماء بحجة أنها وسائل تواصل اجتماعي وليست جامعات أو أن هذه المنصات وجدت لتبادل المعلومات والمعارف ولا يهم معرفة من كتبها، فما يهم فقط هو النص المكتوب!

ستشاهد بأم عينك حسابات كثيرة بمتابعين يتجاوزون مئات الألوف «تعتاش» على النقل الحرفي من حسابات أشخاص ذوي محتوى جيد يقومون بإنتاج محتوى حساباتهم بأنفسهم، سواءً كانوا كتاب أوباحثين أو متخصصين أو حتى أشخاص عاديين، وسترى مقالات وملخصات بحوث أكاديمية وأشعار وفقرات روايات وقصص قصيرة وغيرها من فنون الكتابة تنقل دون أن يشار لأصحابها رغم أن أصحابها قد يكونون موجودون في هذه العوالم بحسابات تمثلهم، وقد يكونون أيضاً قد نشروها في حساباتهم لكن لقلة عدد متابعيهم لم تنتشر لديهم كما انتشرت من حساب الناقل.

سيقول لك بعض ممن يبررون لأنفسهم الاحتيال أن النقل للفائدة وليس لإظهار أن من نقل هو من قام بالكتابة، مع أن هؤلاء أنفسهم يستمتعون بالثناء من متابعيهم على العبارات المسروقة بل وأحيانا يردون عليهم بشكرهم على القراءة دون أن يوضحوا أنهم قد نقلوا المقال أو العبارات أو ملخص البحث من شخص آخر، وكأنهم بذلوا جهداً في النسخ واللصق يستحقون عليه الشكر الذي يتلقونه والذي لا يجدون حرجا في الرد عليه!

ستصمت وتشاهد وربما تتفاجأ لو عرفت إنه إن جرب يوماً صاحب المقال أو النصوص أن يسأل من قاموا بنقل كتاباته دون الإشارة لاسمه عن أسبابهم في هذا الفعل فإن بعضهم يردد ببلادة: لن ينقص من كتاباتك شيئاً أن وضعناها في حساباتنا، أو ينبغي أن تشكرنا على وضعنا ما تكتبه في حساباتنا، فهذا كرم منا، أو قد يرد عليه البعض بحظر حسابه كعقوبة له على أنه اعترض على سرقة جهده ولو كان ذلك بسؤال !!

الغريبة أن بعض المحاولات في كشف من قاموا بالاحتيال تظهر تعاطف المجتمع مع هؤلاء اللصوص، ولوم من قام بفضحهم، انطلاقا من أن الستر أوجب في هذه الحالات وينسون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا»، مبررين أن المسروق غير ذي أهمية فهي مجرد كلمات كما يقولون غير مقبول.

احترام حقوق التأليف ونسب الكتابات لأصحابها ليس كماليات يمكن الاستغناء عنها كما يريد البعض أن يصور هذا في وسائل التواصل الاجتماعي، بل هو ضرورة تحفظ للمؤلف أو للمختص في مجال ما حقه الأدبي فيما اجتهد في إنتاجه من محتوى مهما صغر في نظر ناقليه، كما أن من يبيح لنفسه سرقة كلمات ليست كلماته سيبيح لنفسه مستقبلاً أن يسرق ما هو أكبر من الكلمات ولن يجد حرجاً حينها في تبرير تلك الفعلة.

لص الكلمات فارغ جداً حد أنه يرغب في تعبئة صفحاته بمواد مكتوبة ليست من إنتاجه، ولا يخجل في أن يفعل ذلك مع معرفته بكل وسائل التقنية التي أصبحت تكشف فعلته ببساطة.

سارق الكلمات لص حقيقي وليس مجرد ناقل كلمات قد لا تتجاوز 280 حرفاً وفضحه واجب، كي لا يعتقد للحظة أن براعته في سرقة الكلمات تستحق تصفيق الجمهور الملتف حوله والمؤمن في إبداعه المسروق !